الأحد، 30 ديسمبر 2012

أحلامنـــا السعيــــدة..دومـــا !

صورة

سامح المحاريق-  تمتلك غالبية الناس، وبغض النظر عن المستوى التعليمي أو الثقافي، قناعة بأن الأحلام تحمل رسائل من عالم الغد، وأن تفسير أي حلم سيكون في شيء سيحدث في المستقبل، ولذلك يساور الكثيرون القلق بخصوص أحلامهم، فيحاولون تفكيك رموزها، مع وجود تجارة لهذه المسألة، البعض من تجار الأحلام يصدرون كتبا يدعون أنها متخصصة في كشف معاني الأحلام، أما آخرون، فهم يحتلون شاشة أحد الفضائيات مع مذيعة متخصصة ليبدأو بتلقي مكالمات المتابعين المتلهفين، وللملاحظة لا لشيء آخر، فإن معظم المتصلين من النساء، ويبدأ مفسر الأحلام في تمثيلية من التعبيرات وهو يستمع للمتصلين، فمرة يبسط ملامح وجهه، ومرة أخرى يقطب حاجبيه، على اعتبار أن الحلم يحمل نبوءة سيئة أو جيدة، ويستمر العرض لفترة يستقطب خلالها الكثير من المشاهدين الذين يحاولون في الوقت نفسه التعرف على رموز أحلامهم الشخصية.

 تفسير الأحلام
يقتني كثيرون أيضا كتاب «تفسير الأحلام» للعلامة ابن سيرين، مع أن هذا الكتاب لا يمت بصلة لابن سيرين التابعي الشهير والجليل، ولكن إضافة اسم ابن سيرين للكتاب يعطيه مشروعية أمام قرائه، والحقيقة أن ابن سيرين وغيره من التابعين الأجلاء انشغلوا بالواقع ومشكلاته، وكانوا مختلفين تماما عن بعض المشايخ الذين يسعون إلى شاشات الفضائيات، ويتسابقون للحصول على فرصة للإطلال على جمهورها، وما أكثر هذه الفرص اليوم.
نعود للأحلام، والعلاقة بين الحلم والمستقبل، فالحلم هو اللغة التي يحاول اللاوعي، أو لنقل الذات الباطنية، مخاطبة الإنسان من خلالها، يعني النفس المضمرة تحاول أن توجه أو على الأقل أن تنبه النفس المعلنة، ففي مخزون اللاوعي تكمن رواسب ذكريات الطفولة وما تخلفه أحيانا من تعقيدات نفسية، وكذلك تعلق في تلافيف اللا وعي الطموحات المحبطة والأمنيات المجهضة، ويقوم الناس في عتمته بإلقاء رصيدهم اليومي من الاستياء والغضب، كل ذلك يمثل ضغطا كبيرا على اللاوعي، فيجد الفرصة في الحديث لدى النوم، حيث يسترخي الجسد، ويهدأ العقل اليومي الذي يقوم بالعمليات والاختيارات بناء على تقديره لمصالح الشخص وفرصه، وفي هذه الفترة يبدأ الحديث ليعلن عن الرغبات الحقيقية، والتقديرات الذاتية لكل ما يمر بالإنسان في حياته، فتكون الرسائل التي يبعثها بمثابة البنية الأساسية لتحليل الشخص والوقوف على جوهره النفسي.

مصارحة   بالحقيقة
تقول الحكمة، ابحث عن نفسك، البحث لا يعني السعي في العالم والوجود والنظر فيه، فذلك لا يؤدي إلى شيء في النهاية، فالبحث عن النفس والذات يكون في النظر إلى الداخل بعمق وصدق، مشكلة الناس أنهم ينكرون بعض النتائج الواضحة، فالمصاب بعقدة النقص مثلا، لا يمكنه أن يعترف لنفسه بذلك، وهو يحاول تصدير هذه المشكلة للآخرين وتحميل العالم بأسره المسؤولية، قبل أن يتمكن من مصارحة نفسه بالحقيقة، فالنقص ليس مشكلة في النهاية أو جريمة، هي مشاعر تتكون وتتشكل دون وجود إمكانية لحلها في ظل الظروف المحيطة بالإنسان، كما أن الاعتراف بالمشكلة أمام الذات، لا يعني ممارسة الإدانة أو استمراء جلد الذات، ولا يعني بالمطلق أن تتم معاقبة الذات.
توجد أحلام شهيرة يشترك فيها معظم الناس، مثل الهرب والبحث في الحلم، أو فقد بعض الأشخاص، أو الإحساس بالضياع وسط أناس غير معروفين، كل ذلك يعني بوجود ضغوطات ومشاكل، وأن الشخص بحاجة إلى استراحة فعلية يقوم على أساسها بتقييم هذه الرسائل ومعالجتها، أما أن ينحصر تفكيره في أن أحلامه هي رسائل من المستقبل، وأن يبحث عن السلوى في تفسيرها، فذلك يزيد من عمق مشكلته، ويجعلها غير قابلة للحل، فالشخص وحده هو الذي يمكنه أن يقف على معاني الرموز التي تصله في الرسائل النفسية التي تخصه وحده وتعتبر جزءا من خصوصيته.
البعض سيتحدث ويجادل بأن الأحلام الرؤيوية موجودة في النصوص الدينية، ولكن هذه الأحلام كانت لشخصيات دينية في النهاية مثل الأنبياء، وكانت رسائل سماوية، مثل رؤيا سيدنا ابراهيم عليه السلام بذبح ابنه اسماعيل، وبطبيعة الحال لا يمكن أن تعمم فكرة الرؤيا بهذه الطريقة الشائعة على الجميع، ولا يوجد ما يبرر تعميمها، فلولا ندرتها بحيث تعتبر في جانب الإعجاز، ما ذكرت في مواقف محددة في الكتب السماوية.

وسائل  تفهم الذات. 
الأحلام شيء يومي وشائع وضروري وجوهري، يجب الالتفات له بوعي وحذر، وليس اعتباره رؤى يجب أن تفسر، فذلك ضرب بالغيب، وأستغرب أن يستمر التضليل للناس من خلال القنوات الفضائية، فعدا أنه يتناقض مع التفسيرات الموضوعية والعلمية التي تجعل الأحلام أحد الوسائل لتفهم الذات، فإنه يمثل تعديا على الجانب الديني، حيث يقوم مفسروا الأحلام عادة بتلاوة آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أثناء تفسيرهم وذلك من أجل اقناع الناس بأنهم يستندون إلى علم ثابت وراسخ، علما بأن ذلك لا يعدو سوى خلطا للحق بالباطل، واعتمادا على تأويل لا يستند إلى شيء من الحقيقة أو حتى من المنطق والعقل، وإنما تجارة بأحلام الناس، فالأحلام تجارة رابحة هذه الأيام حيث الكل يبحث عن بصيص أمل في العالم من حوله، حتى لو كان ذلك مجرد تعليل نفسي كما يتم تعليل الأطفال الرضع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com