الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الحب..فقط !

صورة

نضال حمارنة - الحب ملاك وردي يباغتنا على الدرب ، لكأنه وليد الصدفة أو شريكها ،وهو قاطع طريق يسلب فراغ القلب ، ويحطّ كطائر من نار يُشعل الومض الخبيء في الحشا .
البعض ذاقه والبعض تذوقه ، منهم من هوى وتمكّن منه الوجد ، ومنهم من عشق واستبد به الغرام فهام وذاب ، وهناك العاشق الصبّ والنائح الولهان ، إلا أن البعض لم يعرفه ولم يختبره ولم ينل حظوة الوقوع في متاهاته وحلاوته أو مرارته ، إذ ليس كل انسان قادرا على الحب ، فهناك أشخاص يبدأون حياتهم وينهونها دون أن يعبر الحب إلى نفوسهم .


الشعراء والحب 

الحب في الأرض بعضٌ من تخيلنا... لو لم نجدْهُ عليها لاخترعناهُ 
هكذا كتب نزار قباني ، ولو تابعنا ما يجري في العالم منذ فجر التاريخ لوجدنا قصص الحب وسيره تتواشج مع المنجزات الكبرى والأحداث الجسام كالحروب والمآسي الجماعية ، والناس تفتش عن كل ما يمت لحكايات الحب بصلة، فهي ترِقّ حين تسمع ألحاناً وأشعاراُ عن الحب ، وتلاحق دراما الحب وسينما الحب ومسرح الحب الخيالي أو الواقعي . 
والشعراء الكبار على مر العصور لا يأنفون من الكتابة عن الحب ، بل يفسحون المجال لكتابة مشاعرهم بجرأة أكبر من أنصاف المبدعين أو الوصافين لشكل المحبوبة ، لنقرأ معاً هذا الإفصاح الجميل للمتنبي :
أرددُ ويلي لو شفى الويلُ عِلةً
وأكثرُ لهفي ما ِلعلةٍ لهفُ
ضنىً في الهوى كالسُمّ في الشهد كامناً لذذتُ به وفي اللذة الحتفُ
أما محمود درويش فيطلب بلا وجل أو تردد :
أعدّي ليّ الأرض كي أستريح 
فإني أحبُّكِ حتى التعب .
ولم ينأ أحمد شوقي وإمارته وإنما زاد وأفاض :
مولاي وروحي في يدِهِ
قد ضيَّعها سَلِمتْ يدهُ
العشق في التاريخ العربي 

 قصص العشق 
هناك العديد من قصص العشق التي عصفت بعقول البعض وتسببت بهيامهم ، أو سقمهم أو فراقهم إلى غير رجعة ، وأغرب السيّر تلك التي عايشها الشاعر اليشكري صاحب البيت الشهير :
وأحبها وتحبني .. ويحبُ ناقتها بعيري 
كانت المتجردة زوجة النعمان بن المنذر قد شغفت باليشكري، وفي يوم خرج الشاعر للصيد فخرجت معه امرأة النعمان ، وهناك عمدت إلى قيدٍ فجعلت رِجْلها في إحدى حلقتيّ القيد ، ورِجْل اليشكري في الحلقة الأخرى شغفاً به ، فأقبلَ عليهما النعمان فرآهما على حالهما ، فأمر بقتل اليشكري في الحال .
كذلك ذهبت روح وضاح اليمن في صندوق ثياب أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك ، أما الشاعرة ولاّدة بنت المستكفي فقد أذاقت ابن زيدون مُرَّ الفراق ، لأنه تخلّى عن والدها واستوزر عند غريمه السياسي .

سينما الحب 
من أشهر أفلام السينما التي نالت إعجاب المشاهدين في دور العرض العالمية والعربية ، تلك التي صورت حكايات العشاق في الاضطرابات السياسية ، أو الحروب الكبرى أو الأهلية كفيلم ( الحرب والسلام) وفيلم (ذهب مع الريح) ، وقد تصدرت الأفلام الفرنسية في فترة الستينيات من القرن الماضي سينما الحب بفيلم ( رجل وامرأة ) وقد كان لفيلم (الموت حباً) لآني جيراردو حضور قوي على الشاشات العالمية لنقله قصة واقعية كانت الشرارة لثورة طلاب فرنسا في عام 1968 قصة حب بين استاذة جامعية وأحد طلابها ، أدت إلى انتحارها بعد تعرضها للمحاكمة القضائية .
من منّا لم يشاهد فيلم (آنا كارنينا ) بنسخه المختلفة ، أو فيلم (تايتانيك) الذي كلف انتاجه الملايين ، وفاز أيضاً بالملايين ، ولطالما ذرفت دموع المشاهدات المنفعلات مع مشاهد الأفلام العاطفية في كافة بقاع الأرض .

الحب في التراث الأندلسي 
أحْوَرُ المقلةِ معسولُ اللمى
جالَ في النفسِ مجالَ النَفَسِ
سددَ السهمَ فأصمى إذ رمى
بفؤادي نبلةَ المُخترِسِ
هذه الأبيات للشاعر والفيلسوف ابن حزم الأندلسي صاحب كتاب (طوق الحمامة) في الإلفة والاُلاّف ؛ يقسّم الكتاب إلى ثلاثين باباً منها عشرة في أصول الحب ، واثنا عشر باباً في أعراض الحب وصفاته المحمودة والمذمومة ، وستة أبواب في آفات الحب ... إلخ .
والكتاب يضم قصصاً عايشها المؤلف أو سمع بها من أصحابها ، قام بسردها وأوحت له أحوالها بأجمل أبيات الشعر ، وأرق النفحات والتوصيفات في أحوال العشاق والعاشقات ؛ منهم السادة والملوك والأميرات والفقهاء ومنهم العاملات كخدم وجواري في القصور ، أو المعذبون تاركي الديار في الحروب والقلاقل السياسية . 
كتب عن ماهية الحب :» والحب / أعزك الله/ داءٌ عياء ، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة ، ومقامٌ مستلذٌ ، وعلّةٌ مُشتهاة ، لايودُ سليمها البرء ، ولا يتمنّى عليها الإفاقة ،يُزيّن للمرء ما كان يأنفُ منه ، ويسهلُ عليه ما كان يصعب عنده ....» 
دموع الصبّ تَنْسَفِكُ
وسِتْرُ الصبّ يُنْهَتِكُ
كأنَّ القلبَ إذ يبدو
قُطاةٌ ضَمَّها شَرَكُ
وعن دلال المُحبّات وتقلّب عواطفهن .
ويبدينَ إعراضاً وهنَّ أوالفُ ويُقسِمْنَ في هجري وهنَّ حوانث
أما شدة الغيرة والتعلق بالمحبوب والخوف عليه حتى من عاشقه ....
أغارُ عليكَ من إدراكِ طرفي وأشفقُ أن يُذيبكَ لَمسُ كفي 
وأختم من باب الوداع أو الوفاء ...» إذ تسكب كل عين جمود ، ويظهر مكنون الجوى ....»
ولّى فوَلّى جميلُ الصبر يتبَعُهُ وصرَّحَ الدمعُ ما تُخفيهِ أضْلعُهُ
لم تستقرْ به دارٌ ولا وطنٌ
ولا تدفأ منه قط مضجعُهُ
كأنما صيغَ من رهوِالسحاب فما تزال ريحُ إلى الآفاق تدفعُهُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com