الأحد، 30 ديسمبر 2012

التوقعات الفلكية: أشخاص يعيشون على أمل التغيير للأفضل


سوسن مكحل

عمان- "من المحتمل أن تسافر خلال هذا العام"، "قد تتعرض إلى خسارة عاطفية"، "ستؤجل مشروعا كبيرا"، "ستتخذ قرارات صائبة"، "عليك الاهتمام بصحتك في نهاية العام".. وغيرها من التوقعات التي تنتشر بين الفلكيين والمنجمين مع نهاية كل عام وبزوغ آخر.
فمع اقتراب الأيام الأخيرة من العام 2012، تتساءل هبة أحمد (25 عاما)، ماذا يخبئ لها برجها الفلكي في العام المقبل؟، مبينة أن مثل هذه الأمور تعنيها كثيرا، خصوصا أنها ترسم توقعاتها للأيام والأشهر التي تريدها الأفضل، معتبرة أن قراءة الأبراج مهمة، لأن الفلك، في رأيها، يؤثر على الإنسان وعلى حياته في شتى الجوانب. فهو علم قائم بذاته، ولا يمكن تجاوزه، "لست مهووسة بمعرفة التفاصيل الدقيقة، إلا أنني متابعة لتوقعات الأبراج في كل عام".
فيما تعتقد رنا تيسير (27 عاما) أنَّ التنبؤ عن طريق الأبراج "علم قائم بذاته حقا"، يستند للكثير من الأرقام والحسابات وغيرها، وهو مرتبط على الدوام بأحوال الناس بحكم تأثير الفلك على الأفراد. ولا ترى رنا أن في متابعتها للأبراج شهريا، وعند نهاية العام، أي غلو أو شطط أو إسراف، لأن حركة النجوم، حسب اعتقادها، تؤثر تأثيرا مباشرا على الإنسان، يوما بيوم، ولذلك فمن الطبيعي أن يتأثر الفرد بتلك التغيرات الفلكية ويتابعها، لما تحمله إليه من توقعات وآمال.
ويبدي أبومحمد (60 عاماً) عدم إيمانه بالأبراج وتوقعاتها، فيرى أنها لا تمت للواقع بصلة، وأن هدفها هو إشغال وقت الأفراد بأشياء غير ضرورية، معتبرا أن الكثير من المتخصصين بالأبراج، ينشرون كتبا ومجلدات عن أيام السنة، تحمل معلومات بعيدة عن الواقع، وليس لها من وظيفة سوى إشباع غريزة الفضول عند بعض الناس، وجرهم إلى العيش في أرض اللاواقع، ليس أكثر!
في حين لا تشكل الأبراج في رأي سائد عطا (36 عاما)، أي أهمية، فهو لا يؤمن بها ولا بتكهناتها، إلا أنه لا يرى مانعا، إن توفر له الوقت مع عائلته في عطلة رأس السنة، في أن يتابع ما يقال عن برجه، وهو ما يجعله يشعر ببعض التفاؤل أحيانا.
فيما تقول الطالبة الجامعية بيان (21 عاما)، إنها تستغرب من اهتمام صديقاتها الدائم بعلم الأبراج، مبينة أنهن يتلهفن يوميا لمعرفة ما تقوله أبراجهن، بالإضافة لمتابعتهن آخر ما تحمله تنبؤات العام المقبل من تفاصيل عن حياتهن.
وتفسر مثل هذا الهوس بالأبراج، عند الشباب خاصة، بالقول إن الاهتمام بمثل هذه الأمور يجعل البعض يشغل وقته بلا فائدة؛ حيث إنَّ الكثير ممن يقرأون الأبراج يبالغون في وصف ما يتوقعونه من أحداث، ومن أشهر حافلة بالصعاب، معتبرة أنَّ السبب في ازدياد الاهتمام بهذه الظاهرة رغبة الكثير من الناس في التعلق بأيّ خبر سار، أو الأمل في أيام أفضل، هروبا من واقعهم الصعب... نحو الأحلام!
وإذا كانت الآراء في الحصول على آخر المستجدات التي تحملها الأبراج بالنسبة للعام المقبل 2013، تختلف باختلاف الأفراد، فإن رأي اختصاصي علم الفلك والأبراج عبدالله قردحجي في هذا الشأن، أن هوس الأبراج يجتاح الكثير من الناس، مع استقبال العام الجديد، سعيا منهم لمعرفة ما تحمله لهم السنة الجديدة من تنبؤات وأخبار، إضافة إلى طبيعة الأفراد الفضولية في استكشاف ما تخبئه الأبراج، أيا كان رأيهم فيها في النهاية.
ويؤكد أن الكثيرين يهتمون بمعرفة ما سيحدث مستقبلا قبل مجيء الحدث، إما للتفاؤل به والاستعداد له، وإما لتفادي ما تنبئهم به الأبراج من صعاب أو مصائب، مع السعي لمعرف المزيد عمّا هم مقبلون عليه من أيام، وما تحمله من صعوبة وعناء، خصوصا في ظل الأوضاع الصعبة اقتصاديا واجتماعيا.
ولا يستطيع كل عالم بالفلك، كما يوضّح قردحجي، أن يقول ما يريد، أو ما يطيب له من تنبؤات، وإنما يجب أن يُجمِع جميع الفلكيين على التوقعات نفسها، أيا كان الأسلوب الذي يعتمده كل واحد منهم، لأن علم الفلك يعتمد على الحسابات والأرقام.
وبدوره، يجد اختصاصي علم النفس الدكتور محمد الحباشنة، أن اعتماد الشخص في صنع مستقبله وتحقيق طموحاته على التنجيم وما يتوقعه الفلكيون يعني افتقاده لجزء كبير من إرادته، مؤكدا أن الحظوظ يصنعها الإنسان بنفسه وبيديه.
ويبين الحباشنة أن الأشخاص دائما يلجأون إلى "الغيبية لتعظيم الأمل لديهم"، لافتا إلى أن على الأشخاص الإيمان بأن الأمل يأتي من داخلنا ومن العمل الجاد ولا يأتي من مقولة فلك.
ويرى الحباشنة أن إخفاق توقعات علماء الفلك بالنسبة لبعض الأشخاص يجب أن يكون دافعا لدى الناس لمعرفة أن هذا الأمر ليس بأيديهم وإنما هو فعل أيديهم، مبينا أن هذا الإخفاق قد يسبب نوعا من الإحباط لدى هؤلاء الأشخاص ولكن يجب أن يكون لحظيا؛ إذ يجب على الأشخاص أن يتعلموا ويوقنوا أن مستقبلهم سيتحقق بجهدهم وليس بتوقعات الفلك.
ويشاع أن "الأبراج" هي جزء من علم الفلك، عمل به علماء العرب القدماء، والفراعنة، والإغريق والبابليون وكهنة المعابد، إلا أن اختصاصي علم الاجتماع الدكتور في جامعة اليرموك، منير كرادشة، يؤكد أن ما يحاول أن يقوم به الفلكيون من ترويج لتوقعاتهم، سواء بما يتعلق بالأبراج، أو التوقعات السياسية والفنية وغيرها، هو ضرب من الإسقاطات التي تضلل الرأي العام، ووعي الفرد "المواطن".
ويبيّن كرادشة أن هوس الأفراد بمتابعة الأبراج كل عام، إضافة إلى محاولة الحصول على نُسخ المنجمين والفلكيين من كتب، ومن شرح لتفاصيل اليوميات، يعد خللا تتحمل مسؤوليته وسائل الإعلام من جهة، وقلة وعي وإدراك الفرد من جهة أخرى، موضحا أنها مشكلة تزداد وتنتشر في الدول النامية، ومنها العربية، وأنها تشمل أيضا مختلف دول العالم.
ويضيف كرادشة "رغم ما يقوم به المنجمون من وسائل ترويج للأبراج، إلا أن المجتمع ما يزال ينقسم حيال القضية إلى ثلاث فئات: فئة تشغل وقتها وتفكيرها بالفعل في متابعة هذه الأمور، وفئة لا تفكر فيها من باب أنها خزعبلات لا تحتكم إلى العلم، وفئة تهتم بها من باب التسلية وكسر الروتين، وهو أمر طبيعي، نتيجة لتركيز وسائل الإعلام عليها في نهاية كل عام على الخصوص".
ويحذر كرادشة من سقوط المواطن في فخ "عدم الوعي والإدراك"، خصوصا حينما تقوم وسائل الإعلام بالتركيز على بث توقعات الأبراج، والاهتمام بها، لأن ذلك دليل على تضليل إعلامي يؤدي في النهاية إلى انخفاض الوعي عند الفرد. فالأمر برمته لا يحتكم إلى العلم، وإنما مجرد إسقاط يروَّج له من خلال معادلات حسابية وأرقام لا تكون صادقة على الأغلب، وقد تؤثر سلبا على نفسية الفرد وحياته.

sawsan.moukhall@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com