الخميس، 20 ديسمبر 2012

توثيق حياة الناس والبيئة .. والواقع المعاصر

صورة

ناجح حسن - تعرف العالم على السينما الخليجية في بداية عقد السبعينات من القرن الفائت عندما قدم المخرج السينمائي الكويتي خالد الصديق فيلمه الروائي الطويل الاول المعنون (بس يا بحر) العام 1972 .
وجاء العمل اشبه بهدير موجة انشغلت فيها تيارات ونظريات ادبيات النقد السينمائي بالبحث عن بدائل تجاه السينما العربية التقليدية المهيمنة على المشهد السينمائي العربي.
مليا توقف اولئك النقاد امام فيلم الصديق وحملوه معهم بحماس الى مهرجانات السينما العالمية، ليكون له سبق الريادة في مفهوم السينما الجديدة من اقصى المحيط الى الخليج. الصديق الذي وضع بصمته الخاصة على الفن السابع وهو القادم من بيئة مغايرة لاهتماماته السينمائية في فترة لم تكن شهدت بعد عصر الصالات السينمائية، لكنه بفطنته وحرصه على تحقيق شغفه بفن السينما.
اثر الصديق ان يواجه الكثير من الصعاب بشكل مستقل في سبيل ان يصبح مخرجا للافلام، وكان له ذلك بعد فترة معاناة طويلة، ليغدو من ابرز صناع السينما في العالم العربي والعالم الثالث الى اليوم، رغم محدودية افلامه القليلة: (بس با بحر) 1972 ، (عرس الزين) 1979، بالاضافة الى فيلمه الملحمي الاخير والمعنون (شاهين) الذي ما زال يواجه اشكاليات بعد ان صوره العام 1990 في اكثر من بلد بين اسيا واوربا ومنطقة الخليج، متتبعا طريق الحرير .

مفاهيم وتيارات جديدة
عانى المخرج بفيلمه الاخير من ضياع مواده المصورة وتدمير الاستوديو الذي كان يمتلكه في الكويت جراء حرب الخليج الثانية، اضافة الى تلك الافلام الثلاثة، حقق الصديق مجموعة ليست بالقليلة من الافلام الروائية والتسجيلية القصيرة في الفترة التي عمل بالتلفزيون الكويتي بمنتصف عقد الستينات، وجميعها حملت اشارات ودلالات عميقة تدلل على موهبته وبراعته السينمائية، حين حاكى التيارات والمفاهيم السينمائية العالمية الجديدة الاخذة في فرض اساليبها على سينمات الشباب بالعالم كله.
تلك الافلام التي حملت عناوين على غرار: (المطرود) 1964 ، (عليا وعصام) 1964، و (الصقر) 1965، و (الرحلة الاخيرة) 1966، و (الحفرة) 1968، و (وجوه الليل) 1968، و (مسرح الألم) 1969 .. بيد انها للأسف لم تلق الاهتمام الكافي من النقاد العرب انذاك .
الى اليوم ما زال الصديق الذي قادته اشتغالاته السينمائية شريكا في الانتاج الى جوار مخرجين عالميين مكرسين مثل: الايطالي البيرتو بيلوكيو بفيلمه (غابة الحب ) 1983، والمجري ميكلوش يانشو بفيلمه (قلب طاغية) 1985، وسواهم..

البيئة العمانية
 في سلطنة عمان اخذت عجلة السينما بالدوران عبر اسهامات كثير من صناع الافلام بتحقيق افلام روائية وتسجيلية من النوعين الطويل والقصير، حيث عرف مهرجان الخليج السينمائي بدبي ومهرجان مسقط السينمائي الذي يقام سنويا من خلال جمعية السينمائيين العمانيين، بالعديد من المخرجين وكتاب السيناريو الشباب حين نال نص سيناريو (ملائكة الصحراء) لعيسى الطائي بالجائزة الذهبية، مثلما جرى التنويه بنص (سلم ودرجة) للكاتبة ليلي بنت حبيب آل حمدون وجاء في المركز الثالث نص (سيجارة واحدة) وحصل نص (اللص) لكاتب السيناريو خلفان الراشدي المرتبة الثانية، وانجزت المخرجة ربا جمعة الزدجالي فيلم (الحلم) ، وقدمت ليلي الحمدون فيلم ( حياة رتيبة ) وتعرف الكثير من رواد المهرجان على افلام عمانية لافتة مثل ( الاتصال)، ( الحياة البرية )، ( عيون مائية )، ( النقود في عمان ) و( الجبل الأخضر ) إخراج مال الله البلوشي و( الجرز) للمخرج أحمد الحضري.
لكن التجربة الابرز كانت في اشتغالات المخرج الدكتور خالد الزدجالي بفيلميه الروائيين الطويليين : (البوم) و(اصيل) تناول فيهما البيئات العمانية في البحر والصحراء حيث تدور أحداث فيلمه الاول عن الصيد في قرية يتميز أهلها بالأصالة ويتتبع بفيلمه الثاني التغيرات الديموغرافية والتنموية التي تحدث من حين لآخر فى ظل ارتباط سكان القرية بوطنهم حيث يمثلون نموذج لسائر ابناء المجتمع العماني .
حديثا حققت صناعة الافلام في المملكة العربية السعودية مفاجاءات في اكثر من مناسبة ومهرجان من خلال اعمال متفاوتة الاهتمامات والاشكال والتي تؤكد على قدرة الشباب السعودي في الولوج الى هذا الحقل الابداعي بعضها ينهج حرفية لائقة في بلد لا زالت فيه السينما الصالات السينمائية غائبة، والتي غالبا ما تكون الحافز الاساسي على تنمية الذائقة البصرية لدى صناع الافلام .
وشارك العديد من المخرجين والمخرجات السعوديين في فعاليات سينمائية اقليمية ودولية متكئين على جهودهم الفردية من خلال توظيف كاميرا الفيديو الرقمية في خوضهم غمار العمل السمعي البصري الذي سيكون جسرا لهم لبلوغ عالم الفن السابع .
وبهذا الصدد تجدر الاشارة الى جهود رائد السينما السعودية الاول عبدالله المحيسن بعمله الروائي الطويل (ظلال الصمت)، وجهود المخرجة السعودية الشابة هيفاء المنصور كما في فيلمها الروائي الطويل الاول (وجدة) الذي عرض للمرة الاولى في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الاخير وظفر بجائز مهرجان دبي السينمائي الدولي الكبرى هذا العام .
وتناول المخرج الشاب محمد البابلي بفيلمه القصير (لو) محاولات رجل في السعي لاكتشاف ان الحياة مسألة عبثية وعديمة الجدوى مستندا في ذلك على قصة ادبية للكاتب البولندي ساردوفير مرجك.
ركز البابلي على اللقطات القريبة في توجه لمحاكاة النوازع الداخلية التي تنتابه وفيه ايضا يوظف صمت بطله كمفردة بلاغية بعيدا عن استخدامات موسيقية او صوت الراوي .

حلم واطياف من السعودية
واضح ان تأثير تلك القامات الرفيعة التي كانت تقدمها السينما الاوروبية وتحديدا سينما المخرج البولندي/الفرنسي الراحل كريستوف كينشلوفسكي واضحة في تفاصيل فيلمه الذي لا تتجاوز مدته الاربع عشرة دقيقة .
وعلى نسق ذلك يسلك زميله المخرج الشاب عبد الجليل الناصر في فيلمه (أفكار مشتتة) الذي لا يتجاز ثلاث دقائق .. ولئن كان اقرب منه الى ملامسة ومحاكاة الواقع وتفاصيله على خلفية من التجريب لافتا الى ضرورة ان تهتم السينما السعودية الوليدة بمفردات الحياة وايقاعها ويرجع اهتمامه بالفن السابع الى دراسته في بريطانيا واطلاعه على نماذج من السينما الكلاسيكية في تحقيق الافلام الروائية هو حلم دائم لدى الشباب السعودي اليوم وان السنوات القليلة القادم سوف تمكن البعض منهم من انجاز مشاريعهم الذين بداوا في الاشتغال عليها خاصة وان بوادر اهتمام من وزارة والاعلام والمؤسسات السمعية والبصرية ومجموعة من الشخصيات قد ابدت استعدادها على دعم ومساندة تلك المشاريع بعد ان اثبتت جهود من سبقهم المستوى المبشر سواء على الصعيد الجمالي او الفكري كما في افلام المخرجين : عبد الله المحيسن وعبدالله ال عياف وهيفاء المنصور وغيرهم .. 
بدوره سعى الناقد والمنشط السينمائي السعودي احمد الملا على تقديم اول احتفالية سينمائية من نوعها في السعودية تحت مسمى مسابقة افلام من السعودية حين سعى وفريق من زملائه المهتمين بالفن السابع الى ايجاد هذا النوع من المبادرة السينمائية رغم العقبات التي تتعلق باختلاف وجهات النظر تجاه هذا النوع من النشاط .
واضح ان ثمة اهتماما بصناعة الافلام وهو ليس وليد الصدفة حيث تشير ادبيات السينما السعودية انه جرى اقامة الكثير من العروض داخل بيوتات السعوديين لافلام عربية وعالمية في اكثر من حقبة زمنية واليوم يتطلع الجيل المعاصر من الشباب السعودي الى الاعلان عن بدء العروض السينمائية في صالات محلية مجهزة باحدث الاجهزة والمعدات التقنية والكومبيوترية وموزعة حاليا في مراكز واسواق كبرى المدن السعودية.
كما عرض اكثر من فيلم تسجيلي دارت مواضيعهما حول النظرة الى الاخر مثل الفيلم المعنون (السعوديون في اميركا) للمخرج الشاب فهمي فرحات المقيم مع اسرته بالولايات المتحدة حيث صور بقالب من الدعابة قصصا وحكايات لافراد سعوديين قاطنين باميركا، في حين حققت المخرجة السعودية نورا الدباغ في فيلم (ما وراء الرمال) قصص وحكايات مجموعة من طلبة واساتذة احدى الجامعات الاميركية المرموقة وتضعهم في مواجهة مع رجال اعمال واقتصاديين واكاديميين وسياسيين في بلدها السعودية وحوار عن العادات والتقاليد الدارجة، جري من خلاله توضيح الصورة المغلوطة عن المجتمع في بلدها .

افلام من الامارات
وبات مهرجان دبي السينمائي الدولي وقرينه مهرجان الخليج السينمائي وأيضا مهرجان ابوظبي السينمائي ومسابقة افلام من الامارات وقس عليها مهرجان الدوحة ترايبكا ومهرجان الجزيرة للافلام الوثائقية ومهرجان مسقط ومهرجان القرين بالكويت منصات اسناد ودعم للجيل الجديد بوصفها تجمعات تهدف الى تمويل وتطوير قدرات كفاءات ابناء منطقة الخليج، بفعل مثابرة وجهود المخرج والناقد الإماراتي مسعود أمرالله مؤسس مهرجاني أفلام الإمارات وأفلام الخليج والذي يشغل المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي .
كشفت تلك المنابر عن قائمة طويلة من لأفلام الخليجية التي تنافست على جوائز قيمة كان النصيب الاكبر منها لمخرجين ومخرجات من الامارات، وهو ما يؤشر على تنامي المواهب السينمائية الإماراتية بشكل متسارع، فضلاً عن تخصيص جوائز خاصة لهم تحت مسمى الـمهر الإماراتي في مهرجان دبي السينمائي الدولي وجوائز اللؤلؤة السوداء في مهرجان ابوظبي السينمائي وفيهما يجري الاحتفاء بالمنجز السينمائي للمخرجين المحليين، وتوفر لهم أرضية خصبة يقدمون من خلالها ابداعات صناعة السينما الإماراتية للجمهور العالمي، وتلك الأعمال تتميز برقيّ أفكارها وتتنافس ضمن توجه يعمل على ترسيخ المستقبل السينمائي للمبدعين الإماراتيين ومصدراً لإلهام الجيل التالي من المخرجين المواطنين.
حديثا ناقشت جملة افلام اماراتية منها فيلم الفنانة التشكيلية والكاتبة والمخرجة الإماراتية منى العلي حققته تحت مسمى (دوربين) قضية إنسانية بحتة، هي اختلاف وجهة نظر الناس تجاه الحياة، على الرغم من أنها حياة واحدة بالنسبة للجميع، فالتشاؤم مدعاة لأن نراها مظلمة، والسعادة تظهرها برَّاقة، وما بينهما يأتي دوربين أو المنظار الذي ننظر من خلاله إلى هذه الحياة، لتبقى نظرة الصبي معبراً إلى حياة مشرقة.
ومن خلال فيلم (رذاذ الحياة) تتّبعت المخرجة فاطمة عبدالله النايح، الحائزة على جائزة أفضل موهبة صاعدة في مهرجان الخليج السينمائي خطوات عائشة، تلك الفتاة التي تنطلق بكل نشاط وحيوية لا تنقطع استعداداً ليوم الزفاف لكن الفرح ينقلب فجأة إلى حزن.
وأطلت المخرجة أمل العقروبي بفيلمها (نصف إماراتي) على قضية اجتماعية يجسدها خمسة مواطنين إماراتيين يتشاركون المعضلة ذاتها، ويتبادلون قصصهم عن التحديات التي تواجههم، كون أحد الوالدين من جنسية غير إماراتية، وفيه تستكشف ما يتوقّعه المجتمع منهم ومدى احتضانهم في الثقافة التي ينتمون إليها.
وقدم فيلم (الفيل لونه أبيض) للمخرج الحائز على العديد من الجوائز الدولية وليد الشحي، أطول لقطة في فيلم إماراتي حتى الآن، تبلغ مدتها ثماني دقائق ونصف دون انقطاع ، يعود المخرج فيها إلى بيئة إماراتية تقليدية حيث يعيش فتى في مقتبل العمر بين وطأة الفقد وهاجس الموت وهو يخوض صراعاً مع حاضره ربما يرسم مستقبله ويترك بصيصاً من أمل.
وتعرض فيلم (يجب أن نتحدث) لماهر الخاجة الى الجانب الفكاهي للعلاقات الاجتماعية مُستوحياً ذلك من واقع قصة حقيقية، حيث الاستجوابات التي يفرضها أحد الطرفين والمآسي التي يمكن أن يتعرّض لها أحدهم بسبب تلك الورطة العاطفية ولمزيد من التوغّل في جوانب العلاقات الإنسانية استعاد المخرج أحمد زين في فيلم (صافي) الأيام الخوالي في قصة عفوية تسترجع الذكريات الجميلة، قبل أن ينتقل الى الزمن الحاضر سريعا وتختلف علينا الصورة، وتتعقد قضيته وتصبح أقرب للآخرين في كل بقاع العالم بين عفوية الصغار عندما قرروا متابعة أحد الأفلام القديمة عندما فشلوا في تثبيت المحطة التلفزيونية ولم يستطيعوا مشاهدة هذا الفيلم في ذلك الجو الحار جداً ليندبوا حظهم العاثر ويقضوا وقتهم بلعب الورق والاستمتاع بمشروبهم المثلج وفي لحظات ننتقل جميعاً إلى مشهد الهوائي الجديد الذي غير حياتهم وجعل كل دول العالم تتقارب أصواتها وصورها بلمسة زر واحدة.
ومن بين الابداعات الإماراتية اللافتة، فيلم (دار الحي) للمخرج الشاب علي مصطفى (مواليد العام 1981) ، الذي عد من ابرز نتاجات السينما في منطقة الخليج في العامين الاخيرين، وهو المخرج الذي سبق له أن قطف جائزة أفضل مخرج إماراتي عن فيلمه القصير (تحت الشمس)، الأمر الذي مهد الطريق أمامه بان يواصل مسيرته السينمائية بفيلم روائي طويل، بعد نيله شهادة الماجستير في حقل الفنون السينمائية من إنكلترا.
ينضم فيلم (دار الحي) إلى مجموعة الأفلام التي يحققها مخرجون شباب جدد في أكثر من بلد خليجي، حيث يضاف إلى أفلام إماراتية طويلة على غرار (حنة) لصالح كرامة، و(الدائرة) و(ظل البحر) لنواف الجناحي، وافلام : (المريد) و(حمامة) و(امل) للمخرجة والشاعرة الاماراتية نجوم الغانم وسواهم من المخرجين المخضرمين أمثال: خالد الزدجالي في سلطنة عمان، و عامر الزهير في الكويت، وخليفة المراخي في قطر، والمخرج البحريني بسام الذوادي صاحب فيلم (حكاية بحرينية) في اقتحامه الجريء لمناطق جديدة في التناول السينمائي عايشتها ذاكرة جيل المخرج الشاب بتلك الفترة في البحرين و هي من المرات النادرة التي يُسلّط فيها الضوء على أناس لم يتمّ التعرّض لهم سابقاً في الدراما البحرينية التي يجري فيها توثيق هذه الفترة و تسجيلها على نحو يرتبط بالبعد الإنساني.
اختار صناع فيلم اسم (دار الحى) كدلالة تشير إلى دبي، التي تسري فيها أحداث الفيلم .. دون أن يقع العمل في فخ البحبوحة الاقتصادية والترويج الدعائي و الإبهار السياحي أو حداثة وفخامة البناء في المعالم المعمارية، الذي يتوجه إليها عادة زوار المدينة، لا بل فان الكاميرا تغوص في أمكنة وجوانيات لنماذج من شخوصها التي يختصرها الفيلم بمجموعة أفراد، باحثين عن خلاصهم الفردي في زحام المدينة الفريد، والمشرعة أبوابها على تلاوين متباينة من حكايات إنسانية مليئة بسعة الخيال والأحلام المجهضة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com