الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الموسيقى تسهم في علاج الأمراض النفسية


عمان- الموسيقى ببدائياتها من الدندنات والترانيم منتهية بتطوراتها الى الوقت الحالي باستخدام الآلات الموسيقية الحديثة، أمر متجذر في الكيان النفسي للإنسان منذ الأزل.
إنه أمر داخلي، روحاني من مكنونات النفس في كل الحضارات والمجتمعات، فمع ترانيم ودندنات الأم لطفلها كي ينام، والألحان الموسيقية للقراءات والابتهالات والمناسك الدينية، وارتياح الإنسان بسماع الموسيقى الصادرة من الطبيعة؛ كخرير المياه، وحفيف الشجر، وصوت أمواج البحر، وأصوات الطيور، ما يؤكد أن الموسيقى ركن أساسي من الكيان النفسي، وهي ذات تأثير على جميع أعضاء الجسم والكيان النفسي، كما أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية المتواترة عبر عدة عقود.
فمن ناحية تأثيرها على الدماغ والنفس، فقد ثبت أن الموسيقى تنشط جزأي الدماغ الأيمن والأيسر معا، وتؤثر إيجابيا على المراكز الدماغية التي تتعلق بالنفس، فالموسيقى تأخذ الإنسان من عالم الضغوطات عن طريق (الإزاحة والاسترخاء)، وتخفيف هرموني (الكورتيزون والأدرنالين)، وبالتالي معالجة القلق والكآبة، فهي ترفع من الروح المعنوية والدافعية، والشعور بالنشوة، وتحسن النوم.
وثبت علميا أن الموسيقى تؤدي الى ضبط توازن النواقل العصبية الدماغية المسؤولة عن المزاج والسلوك والحركة؛ خصوصا (الدوبامين والإندورفين) المعروفين بهرموني السعادة والنشاط؛ حيث الشعور بالنشوة والفرح والحماس وحسن الدافعية الاجتماعية والأدائية، وتحسين القدرات الذهنية خصوصا التركيز والانتباه، وتقوية منطقة الذاكرة، وزيادة القدرة على تنظيم المعلومات واسترجاعها حتى أنها وصفت من قبل كثير من العلماء بأنها "مفتاح استرجاع الذاكرة"، وهي أيضا تقوم بتحسين القدرات على القراءة والكتابة، وحل المسائل الرياضية، والقدرة على ضبط التوازن الحركي، ولذلك تستخدم حاليا في معالجة ما يعرف باضطراب الحركة الزائدة عند الأطفال.
أما بالنسبة لتأثيرها على أنسجة الدماغ ووظائفه المختلفة، فقد ثبت بأنها تؤدي الى الحفاظ على ليونة الدماغ، وتحفيز نمو العصبونات الدماغية، والمناطق الدماغية المسؤولة عن التوازن الفسيولوجي الجسدي (مراكز الضغط الشرياني والقلب والتنفس).
وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن الموسيقى ذات قدرات عالية في تحسين القدرات الذهنية كافة (الانتباه، والتركيز، والذاكرة والتحليل، والاستنباط)، ولذلك بدأ استخدامها في الغرب في معالجة المراحل الأولى من الخرف؛ خصوصا مرض ألزهايمر، وذلك بالاستماع للموسيقى لمدة طويلة الأمد (عدة ساعات) وبشكل يومي، وبما أنها أيضا تحسن من تناسق الحركات العضلية، فتستخدم حاليا في المرضى الذين يعانون من مرض الرعاش "باركنسونيان Parkinsonian"، وهو مرض ناجم عن تدني الهرمون العصبي في المنطقة الدماغية بما يعرف بـ"Basal ganglion".
ومن الأمور المدهشة في معالجة الجلطات الدماغية، أن الأبحاث الحديثة أثبتت بشكل قطعي أن الموسيقى؛ خصوصا "الجاز"، قادرة على التسريع من التأهيل الحركي والذهني للمصابين بالجلطات الدماغية بتحسين الذاكرة والانتباه والحركة، خصوصا أن الحركات تصاحب الذبذبات الموسيقية، وبالتالي تعمل عمل العلاج الطبيعي.
وقد أثبتت الأبحاث أن الموسيقى قادرة على شفاء الآلام، فهي تخفف الإحساس بالآلام والضغط النفسي الناجم عنه، سواء كان الألم مزمناً أو بعد العمليات الجراحية. ومن ذلك أيضا المفاصل والعظام "كالانزلاقات الغضروفية والروماتيزم"؛ حيث وجدت كثير من الدراسات نسبة الشفاء بالموسيقى ما يقارب 25 %.
وهناك عدة نظريات لهذا التأثير الإيجابي؛ منها نظرية "الإزاحة"، أي إزاحة إحساس الإنسان بالألم تجاه الموسيقى، وأن الموسيقى تعطي نوعا من السيطرة على النفس "ضبط النفس"، كما أنها تزيد من الهرمون المسكن الدماغي "Endorphine الاندورفين".
وتبين الأبحاث أن الموسيقى المريحة تخفف من ارتفاع ضغط الدم الشرياني لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم الشرياني، أما بالنسبة للقلب، فإن الموسيقى المريحة تؤدي الى الاسترخاء، وتقليل سرعة القلب، والتنفس من خلال تثبيط الجهاز السمبثاوي الذي يفرز هرمون "الأدرينالين".
وعليه، فإن تفعيل استخدام الموسيقى المريحة في المؤسسات، والشركات، والمصانع والعيادات والمستشفيات، والمراكز الأكاديمية، والمنازل، يعد ذا مردود إيجابي على الصحة النفسية والعضوية والاجتماعية وحسن الأداء والكفاءة العلمية والعملية والوقاية من الأمراض العضوية والنفسية ووسيلة لشفائها.

الدكتور محمد عبدالكريم الشوبكي
مستشار واختصاصي الأمراض العصبية والطب النفسي
www.altibbi.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com