الخميس، 20 ديسمبر 2012

النزيف الرحمي بعد الولادة

صورة

دكتور كميل موسى فرام - الحديث عن النزيف الرحمي بعد الولادة ييعد بمثابة مصيبة صحية تهدد حياة السيدة الحامل ، بعد رحلة طويلة أحببناها بدأت بترجمة أحداث ليلة عاطفية وانتهت بانضمام فرد جديد للعائلة، حدث يتمناه الزوجان وأي زوجين لاعتباره الترجمة الواقعية لاستمرارية الحياة البشرية على الكرة الأرضية بصورتها الفطرية بعد الزواج.
والولادة بحد ذاتها محطة حساسة ودقيقة تحتاج لفهم دقيق بفقراتها فالابتعاد عن أبجديات العناية لجهل أو لعمد، يقودنا لنتيجة واحدة تتمثل بخطورة واقعية على حياة أي من طرفي المعادلة (الوالدة والمولود) أو كليهما، واقع يفرض علينا التطبيق الدقيق لفنون الولادة وخطواتها بواسطة فريق طبي متمرس ومدرب وقادر على التعامل مع المشاكل الطارئة التي تحدث أثناء التحليق بمنطاد الولادة للاستقرار، فهناك كم هائل من المشاكل التي قد تستجد بلمح البصر، وطيف واسع من المشاكل المرتبطة بالحدث على أن تكون الخطة العلاجية قد أخذت بأبجديات العناية فيكون التعامل بمسؤولية تحمي من المخاطر.

مشاكل الولادة
إحدى المشاكل الطبية الخطيرة والدقيقة التي تعكر أجواء الولادة وفرحتها المتوقعة تتمثل بحدوث نزيف رحمي بعد ولادة الجنين، أو الخلاصة بكمية تختلف عن تلك المتوقعة في الظروف الطبيعية بغض النظر عن طريقة الولادة أو ظروفها، فذلك الواقع يمثل بركانا قاتلا إن لم تخمد ارتداداته بالتوقيت المناسب خصوصا أن التعامل مع معطياته يتطلب درجة سحرية من فنون الأداء الطبي عنوانها المعرفة والدراية والقدرة على ضبط ايقاع الفريق بسيمفونية علاجية تنتهي بالمحافظة على حياة السيدة الوالدة وجنينها بما يناسب الحدث، وربما يصعب التفقيط أو الحصر لأسباب النزف خصوصا أن البعض منها يكون وليد الساعة بغير توقع.
فلا يمكن أبدا التسليم بانتهاء مراسم الولادة بصراخ الطفل بعد استقلاله عن مشيمة الأم، فهناك مرحلة مكملة تتمثل بانسلاخ المشيمة وولادتها يتبعها انقباض الرحم بصورته المثالية والتي تضمن وقف النزيف الرحمي من شبكة الأوعية الدموية، تساعدها وتضمنها سلسلة من الخطوات الفسيولوجية والهرمونية التي تضبط الايقاع خصوصا الهرمونات التي تُفْرَز من الغدة النخامية وأنزيمات ضبط التخثر، بمعادلة دقيقة وحساسة وتتأثر أحداثها بزمن التصرف بوحدة الثانية الواحدة أو جزء منها، على أن تشتمل الخطوة لفترة مراقبة تتحدد مدتها حسب الظروف الصحية بمستوى الحالة الواحدة ليصعب التعميم بالرغم من وجود خطوط عريضة وأبجديات ملزمة لكيفية التعامل.

متابعة الحمل من البداية 
التحديد الدقيق لموقع الخلاصة قبل الولادة وأثناء فترات المراجعة الدورية بعيادة رعاية الحمل يمثل عنوانا رئيسيا يمنع العبث بأحرفه ومعانيه الحصرية، فائدة تجنيها السيدة الحامل من حرصها على متابعة حملها منذ بداياته وهي واحدة من الفوائد العديدة التي يمكن حصادها، فانغراس المشيمة بموقع متدن ٍ وقريب من عنق الرحم يبعث بإشارة تحذيرية لخطورة الحمل ويتطلب الترتيب الدقيق لموعد الولادة وطريقتها سواء كانت مهبلية أو جراحية، بمعطيات أساسية تتطلب التحضير الجيد لتوظيف مهارات التوليد ذات الخبرة والأداء، فذلك الأمر بصورته المبدئية يحتاج لتحضير وحدات من الدم تناسب درجة الخطورة على أن تتم الولادة بأيد خبيرة ومدربة ومؤهلة وضمن فريق متكامل من أطباء التوليد والتخدير والخداج والتمريض بعيدا عن أسلوب الفزعة أو التعامل بالنية.
فترة زمنية قصيرة قوامها ثوانٍ محدودة قد تحدد مصير الحياة لسيدة على سرير الولادة، بواحدة من أولويات الخطورة الطبية وعنوان الحالات الطارئة.
وهنا لا بد من التذكير بحجم الخلاصة ونسبته لمساحة بطانة الرحم عن المعدل المتعارف عليه كمؤشر إنذار لحدوث نزيف رحمي يمكن أن يحدث، فيكون بندا من بنود الخطة العلاجية تحلل معطياتها بالتوافق والتزامن مع ظروف الولادة وطريقتها.

 الأعراض الصحية المرافقة للحمل 
وجود مؤشرات لبعض الأعراض الصحية المرافقة للحمل يمثل وحدة أخرى بعناوين مختلفة تنذر باحتمال حدوث نزيف رحمي مرافق للولادة، فوجود ألياف رحمية خصوصا في عضلة الرحم ومهما كان حجمها يشكل ظرفا صحيا موجبا للحذر لخطورة حدوث نزيف بسبب تداخل الليف بميكانيكية وفسيولوجية انقباض عضلة الرحم بعد ولادة محتويات الحمل خصوصا أن الحمل يشكل فرصة فريدة لمضاعفة كميات الدم التي تصل لليف الرحمي بسبب تغيرات الحمل المؤثرة بالدورة الدموية.
هناك أمر مرضي مهم يجب أن يحتل أولوية عند البحث عن الأسباب ويتمثل بوجود خلل بمكونات جهاز التخثر الدموي المتخصص بوقف النزيف ضمن سلسلة من التفاعلات وبمعادلة محكمة جدا، فالجسم بواحد من وظائفه يمتلك جهازا متكاملا مسؤولا عن النزيف والتخثر ويعمل بطريقة تلقائية بالتعاون مع أنزيمات مساعدة وهرمونات تفرز من الغدة النخامية تعمل على سرعة انقباض العضلة ووقف النزيف.

فقر الدم 
وجود شكل من أشكال فقر الدم مرافق للحمل مصادفة أو بالتناوب قد يتسبب بنزيف رحمي نتيجة إجهاد العضلة والنقص الشديد بالجهد ضمن منظومة فقر الدم المزمن ومؤثراته السلبية خصوصا بين فئة السيدات التي تهمل بالعناية بمرافق الحمل ومنها تناول حبوب الحديد و/أو الاهتمام بالغذاء الصحي المتوازن الذي يضمن بيئة صحية مناسبة للحمل لاعتبارات التغيرات الصحية المرافقة لهذا الحدث العمري، ويؤسفني التذكير بأن ذلك شكل من أشكال الاهمال التي يجب أن تقذف لمتحف الذكريات بعد وصول خدمات الرعاية الصحية وخدمات الأمومة لجميع الأسر بأماكنها، بواقع أفقد شرعية الأعذار الركيكة مصداقيتها.

 الحمل متعدد الأجنة 
الحمل متعدد الأجنة يمثل شكلاً آخر من أشكال التوقع لحدوث نزيف رحمي كحال وجود كمية من السائل المحيط بالجنين زائدة عن المعدل أو أي شكل من أشكال زيادة مساحة وحجم التجويف الرحمي والتي تتسبب بضعف وظيفة الانقباض العضلي، فأخذ الحيطة والحذر يمثل فطنة المشرف على الولادة بتوقع الحدث للتعامل معه واعتباره جزءا من أبجديات الخطة العلاجية، من حيث الحرص على إعطاء الأدوية المناسبة لمراحل الولادة بجرعات محددة بالتوقيت المحدد وتحضير عدد مناسب من وحدات الدم بظرف الحاجة اليها، فنسبة عامل الزمن بالثواني قد تكون كفيلة بإنقاذ حياة سيدة على سرير الولادة بعكس الحدث المؤسف الذي لا نتمناه أبداً.
النزيف الرحمي بعد الولادة يشكل بعناصره ونتائجة عنوانا للعناية المثلى والحديثة بفنون الولادة، فالرحلة الجميلة ومرحلتها النهائية تستحق الاستعداد للاحتفال فيها بنسائم السعادة، فلا أقسى من ولادة طفل لتفارق والدته الحياة نتيجة نزيف رحمي كان بالامكان تفادية بلمسة من الفطنة والاعتبار فالولادة لا تعني صراخ طفل بديل عن والدته إلا ضمن قوائم قوم قد فقدوا انسانيتهم لجهل... وللحديث بقية! 

خبرات

الأسباب الأكثر شيوعا لحدوث نزيف رحمي بعد الولادة تكون نتيجة لحدوث جرح قطعي بالرحم أو عنق الرحم أو تهتك المهبل أثناء الولادة الطبيعية أو حدوث جرح نازف بإحدى عضلات جدار البطن أو أعضائه، أو حدوث جرح قاطع لأحد مفارز الدورة الدموية لتتعاظم المشكلة وتتضاعف بعدم التشخيص أو التشخيص المتأخر بعد أن يكون الجسم قد استنفد وسائل الضبط الذاتية أو أن المشرف على الولادة يفتقد لأصول التعامل مع المضاعفات الطبية لعملية الولادة ومهما كانت ظروفها، سلسلة طويلة من أبجديات العناية يسفر العبث فيها أو سوء تقدير أركانها أو التأخر بطلب المساعدة والنجدة من أصحاب الخبرة، عن نتيجة كارثية والمؤسف أن تنتهي أحداثها بفنجان قهوة إكراما للجاهة الكريمة.

Kamilfram@gmail.com

استاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com