الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

مدينة السلط ..وملامح من الماضي والحاضر

صورة

وليد سليمان - حسني فريز وُلد في السلط عام 1907 و كانت طفولته صعبة تتسم بقسوة الحياة وضيق اليد .. ويصف بعض تلك الأيام فيقول : عملت في العطلة الصيفية المدرسية ببيع الكوسا ،وساعدت والدي في أعمال البناء فحملت الطين !!. 
وبعد ان تجاوز العاشرة من عمره عرف كل حارات السلط ،وجلس في أكثر من بيت من بيوت الفلاحين : « نعم كنت في عطلة الصيف أبيع الكوسا بالقمح غالباً وبالعدس على قلة «. .ومما يذكره أيضاً ان والده اشتغل في بناء بوابة الاتراك (قبيل عين الجادور التحتا )في السلط ، وانه اشتغل معه وكان في سن التاسعة ،وحصل على أجره مثل والده . وفي مدة تقل عن السنة يقول : فتحنا أنا وأبي دكاناً تركها أهلها برأس مال مؤلف من ميزان وسحارة ونصف دينار وأخذنا نبيع ونشترى وذلك في 1917/ 1918
 فلما كانت الدولة الهاشمية اشتغلتُ عند خالي بدكان في (عمان ) .. لكن هذا لم يعجبني فتركت، وعدت الى المدرسة وأتممت الدراسة الثانوية سنة 1927.

كروم السلط 
ويقول حسني فريز عن ذكرياته : السلط او( سالتوس)هذه المدينة الرائعة .. كانت في أيامي بضواحيها بعض الاحراج...ولكن كرومها كان يكسوها الورق الاخضر في فصل الصيف ، وهي الان عريانة الا من شجر الزيتون الذي اخذوا يتنافسون في زراعته، اما الكروم فقد أتى عليها مرض الفلكسرا وقلة الامطار و عزوف الناس عن الارض غير ان ارتفاع اسعار الخضر والفواكه أخذ يدفع الناس الى العودة الى الارض .
وتمتاز أعناب السلط بطعمها اللذيذ وقشرها الرقيق حتى لتبدو البذرة لعين الناظر في حبة العنب وهي في القطف ...
وبعض زبيبها لا مثيل لطعمه في الدنيا ربما .
وكان اصحاب الكروم يصطافون فيها حيث الهواء لطيف البرودة والطقس لطيف الحرارة في الجبال ...و في الكروم تكون الليالي الساهرة على انغام الربابه والقصص التي يقصها الشاعر نثرا وشعرا عن الحب والحرب والكرم ويسمى الذي يلعب على الربابه ويقص القصص وينشد الاشعار(. شاعراً) وان كان غير شاعر وذلك لأنه راوية غزير المحفوظ .
وطالما كان الرواة شعراء . وفي تلقيبه بالشاعر تكريم له . ومن مغيب الشمس كنت ترى الضيوف امام هذه العريشه او تلك ، او ذلك القصر ويطلقون كلمة القصر على العريشه التي تكون جدرانها من الحجارة المبنية كالجدران الاستناديه من غير طين ، والمسقوفة باغصان الشجيرات والنباتات التي يقتلعونها من ارض الكرم . 
وما ابدع النوم في ذلك القصر والهواء يتخلل جوها من السقف ومن الجدران وانت تحت الغطاء الصوفي .كانت سويعات قليله تسد حاجة الانسان من النوم ويفيق نشيطا قد ذهب عنه تعب النهار الفائت.
كان اهل الوجاهة يستعدون للضيف ويهيئون الخراف والجداء. والصيف فرصة للقاء الصحب ولإظهار نعمة الله على الانسان . والسهر والسمر يحييه احيانا الشاعر الذي يحفظ النثر مثلما يحفظ الشعر ويعلق على المواقف النبيلة تحبيذا وعلى الموافق غير المشرفة ذما وهجاء . وهكذا تكون دروس للفتيان في المرؤة وفي تنكب طريق الشر وما يجلب العار من البخل والجبن والتقاعس عن النجده وغير ذلك مما يعاب وبذلك فالمستمعون يلتذون بالقصص والشعر وانغام الربابا ويتعلم الناشئون القيم . 
كانت تجاربي في حياة الكروم وحياة الفلاحين قليلة وان تكن منعدمة والحياة اوالمصيف في الكروم من شأن الفلاحين ، ولا استطيع ان اصف دقائق حياتهم فان ذلك يقتضي للواصف ان يولد في اسرة يعمل ربها وافرادها في الفلاحة ولكنني اعرف حياة العمال الفنيين والعاديين .
ان حياة الفلاح اكثر خصبا وامتع ايام وليالي من حياة العمال ، وانا لا اقصد عمال المدن في هذه الايام ، وانما عمال الربع الاول من القرن العشرين .

حياة الفلاح 
ان الذي يفلح الارض اجيرا كان او مالكا يتصل بالطبيعة في فصول السنة الاربعة ، فهو في الشتاء يبذر الحب ، وفي الربيع يقتلع الاعشاب وفي الصيف موسم الخضار ، وموسم العنب ، وفي الخريف موسم الزيتون والمساطيح (بيادرالعنب الذي يصير زبيباً ) والفاكهة ، واقامة الاعراس . انه يعرف تقلبات الطقس في الشتاء وشدة الحر في الصيف ويستمتع في فصلي الربيع والخريف كما ان زوجته تعينه وتخرج ايضا لجني البقول من الجبال والاوديه . وزوجة الفلاح لم تكن متحجبة فهي تحدث الرجال وتجلس اذا تقدم بها العمر بينهم وتمضي الى الحقل او الطاحون وحدها فهي تعتمد على نفسها ، وبسبب كل اولئك فقد كانت اكثر واقعية من امرأة العامل المتحجبة واحسب انها اقل تصديقا للخوارق والخرافات ، وعلاقتها في الغالب حسنة مع زوجها لانها تساعده ، ولانها ابنة حمولة مثله فاذا وقع عليها منه الضرب والاذى فان عشيرتها لا تسكت على تلك المذله . ومن هنا قيل ان احدهم يخشى ان يضرب زوجته فتبدو الضربة على عضو من اعضائها ولذلك يدفع بالعصا الغليظة تحت ابطها فلا تستطيع ان تكشف عن ذلك امام الرجال ذويها . فاذا اراد الضرب قال (ارفعي ابطك) .
اما العامل فهو لا يرى من الطبيعة الا وجهها العابس في ايام البرد والحر والعطش ، وهو لا يفهم معنى لجمال الربيع لانه ان كان يعمل لم يكن لديه وقت للاستمتاع وان كان عاطلا شغلته الحاجة عن كل جمال . ولم يكن العمل متوفرا طول السنه ولا نصفها فهو اذا عاد من العمل كان مرهقا من الشغل ، واقل كلمة عابرة : كالسؤال عن صحته تثير نقمته من زوجته التي يظن انها متبطله مع انها ترعى طفله او اطفاله وتنظف البيت وتطهو الطعام .
واحيانا كثيرة يؤنب زوجته ويشتمها وتمتد يده اليها بالاذى دون ان يخشى الانتقام منه ، اذ قد تكون لاحول لها ولا قوة ، ثم انها محجبة تخشى ان هي تمردت عليه ان تكون عالة على أهلها لانها لا تستطيع ان تعمل فهي امية لاتقرأ ولا تكتب ، وهي لا تعرف الا ان تكون خادما ، وكيف تتقن الخدمة مع ما يتقول الناس ،وهكذا تبقى في الجحيم الذي هو صحبة ذلك الزوج في رحلة الحياة . وقد تبلغ الامور حدا لا يتحمله احد الزوجين فيكون الطلاق ، واني اعرف عاملا فنيا ضرب وجه زوجته بالسوط فتورم جفنها وصار ازرق،ولا اعلم ان لذلك الضرب سببا . وعاملا اخر كان يتهم زوجته انها تسرق صوف الفرشة وتبيعه لتشتري بعض ما تحب ، وان الفرشه مع الايام صارت مخدة للطفل . واعتقد انه كان كاذبا .
وكانت الجارات عند الضحى يجتمعن ليشربن القهوة والحقيقة ان الاجتماع يكون حتى (تفش) بعضهن قلوبهن بالتنديد بأ زواجهن ، ولكل منهن قصة ولكل منهن شكاوى من تجني الزوج ومن تنمره ، وبعضهن يشكو بخل الزوج وشحه ، وانهن لا ينلن ما يكفي من الطعام ، ولا يخلو الحال من واحدة تدعي ان زوجها كريم وانه يحبها الا انه عصبي المزاج صعب المراس .

حياة العامل
والصعوبة هذه تأتي من القواعد السيئة التي اتخدها العمال في معاملتهم النساء وهي انه كلما نبت للمرأة رأس وجب كسره ، فانه لا يؤمن جانب المرأة اذا هي عاشت في بحبوبه نفسيه وجسمية ، وان المرأة يمكن الاستغناء عنها واستبدالها بغيرها ، ويقولون هذا بالفاظ يخجل القلم ان يوردها فهى دون ذلك المثل السيء الذي قرأتة بالانجليزية (النساء مثل التكسي اذا فاتك واحد اخذت الاخر ، فاذا قلت لاحدهم وامك اين موقعها ، ثار وكذلك يفعل الجهل المطبق والتعصب الاعمى . لقد كان الرجال في ضلال واي ضلال وكانت النساء في اسوأ الاحوال ، واتعس الامال ومن العجيب ان بعض هؤلاء العمال كانوا يصومون ويصلون ويتعاملون بصدق وشرف مع الناس .
وان الانسان ليعجب ان يرى في الناس ذلك العمى الاجتماعي في ناحية وان يرى قوة البصر وصحته في ناحية ثانية من نواحي الهيكل الانساني الواحد ، فمرة تراه في اسوأ الاحوال ومرة في احسنها ان مثل هذا التناقض ومثل هذه المفارقة موجودة على الغالب عند العامل في ذلك الزمان ولا ريب عندي اننا لا نزال بوصفنا امة عربيه، وشعوبا اسلاميه نعاني من انواع من هذه المفارقات . واعرف في هذه الايام كثيرا من الخوادم يصمن ولكنهن يكذبن وبعضهن لا يتورعن عن السرقة .

العالم الاسلامي
وانا اذا نظرت الى هذا العالم الاسلامي العظيم ارى عجبا فانه يبدو وكأنه متصل ، ولكن الحقيقة ان التعاطف الاسلامي الى الان لا يزال يتخذ الكلام والخطابة وسيله لحل اخطر القضايا التي تمس جوهر الفكر الاسلامي والحياة الكريمة الا ترى قلة الاهتمام وسوء الفهم لقضية مسلمي الفلبين ، انهم لا يضامون الا لانهم مسلمون وقد تعاونت الفلبين والولايات المتحدة على كبحهم وكبتهم . وها نحن نرى الذي يجري في فلسطين وفي غيرها فأين قوة العالم الاسلامي واين راية الموحد. وعملهالمؤكد في سبيل التخفيف من ويلات المسلين في تلك البلدان ان العزة لله ولرسوله والمؤمنين . 
ولا عزة الا بالعمل . المسلمون كالجسد الواحد اذا مرض عضو تداعت له سائر الاعضاء بالحمى والسهر . هذا هو الجوهر لا في التسابيح ولا في التأويل والتفاسير التي تبلغ حد الاعتداء على الدين كما فعل شيخ الازهر حين فسر وان جنحوا للسلم فاجنح لها. اين هو السلم والسادات هو الذي يترامى على الاقدام واين هو السلم واليهود وانصارهم يقتلون العرب والمسلمين ويدمرون البيوت وبيوت الله ويدنسون المسجد الاقصى .
هناك في نفوس المسلمين ايمان بالقيم وممارسة للعبادات، ولكن المسلمين يتراخون في امر المعاملات وفي الدفاع الحق عن الاسلام وفي العمل على نشرة ورفع الضيم عن المسلمين
هناك مفارقة بين الانسان المسلم المتعبد وبين المسلم عند تطبيق القيم التي يؤمن بها . 
افهم ان يكون هناك تناقض بين سلوك الفرد خارج بيته وسلوكه داخله في الربع الاول من هذا القرن ولكنني لا افهم الان تقاعس المسلمين عن عمل موحد . ان اسباب التناقض في سلوك 
الفرد كان ناجما عن عصور من التخلف او الانحطاط الخلقي والفكري . وان سبب انقطاع العالم العربي عن تجارته مع الشرق الاقصى لاستيلاء البرتغال عليها وتغلبهم على الاسطول المصري، ثم استيلاء العثماني على هذه الديار مدة اربعة قرون، شاعت فيها الامية وعششت الخرافة وانعدمت الحرية السياسية والحرية الشخصية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com