الاثنين، 31 ديسمبر 2012

"المحاضن العائلية" أفضل فضاء للاحتفال بأعياد رأس السنة


تغريد السعايدة

عمان- رغم الدعوات الكثيرة التي تتلقاها هبة (33 عاما) من صديقاتها لقضاء ليلة رأس السنة الميلادية معهن، إلا أنها تفضل قضاء هذا اليوم في بيت العائلة الكبير؛ حيث تفرح بتجمع بنات العائلة في سهرة جميلة، وتكون فرصة للتواصل والالتقاء، فهو بالنسبة لهبة "يوم جميل يتخلله احتفال بعام مضى ضمن جلسة عائلية يتخللها المرح وحديث الذكريات".
وتقول هبة إن بعض صديقاتها يخرجن مع أزواجهن وعائلاتهن، للسهر خارج المنزل، إلا أنها تفضل كباقي بنات العمومة "التجمع في بيت الجد، وتناول الحلويات، والعشاء معا، والجلوس ساعات طويلة تدور فيها الأحاديث عن عام انتهى بكل ما فيه".
فيما تشعر رندا عند الجلوس مع أفراد عائلتها في مثل تلك الساعات "بالراحة والطمأنينة التي تتمنى أن تحل في هذا العالم"، مضيفة "نحن نتسامر، ونأكل ونشعر بالدفء، في أجواء عائلية جميلة، نتابع فيها ساعات انتهاء عام، والدخول في عام جديد. وكذلك نتابع تنبؤات أبراج العام الجديد على شاشات الفضائيات من باب الفضول".
وتحرص كثير من الأسر الأردنية على الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، عن طريق الاجتماع في بيت العائلة الكبير، ومتابعة احتفالات العالم على قنوات التلفاز، وكذلك متابعة آخر ما ينبئ به عالم الأبراج، وإعداد الأطباق الشهية التي عادة ما يشترك بها أفراد الأسرة كافة.
وتُفضل العشرينية جمانة أن تبقى في البيت الذي تجتمع فيه كذلك مع أخواتها وبنات العائلة، من جميع الأعمار؛ فهن يستمتعن بالبقاء في البيت من أجل "متابعة احتفالات رأس السنة، على التلفزيون الذي يبث مظاهر الفرح والابتهاج في العالم، بعام جديد يأمل فيه الناس بأن يكون أفضل من العام الذي سبقه".
وتتحدث جمانة عن ندرة الجلسات العائلية بين الفتيات في هذه الفترة التي أمسى فيها التواصل الاجتماعي على الفيسبوك وتويتر هو وسيلة التواصل بين أفراد العائلة الواحدة. ولذلك فهي ترى في حدوث مناسبات عامة فرصا جيدة لتحويلها إلى جلسات عائلية "بغض النظر عما يدور حول الاحتفال من آراء وأحكام. فنحن فقط نجتمع لنتواصل في مناسبة لا يمكن أن نغفلها، فالعالم كله يتعامل مع التوقيت الميلادي، وهو مُنظم حياتنا".
أما أم حسام، فتقول إن عائلتها باتت تتواصل معها عن طريق الهاتف والفيسبوك، حتى في تبادل الحديث، وعرض الصور. ويفضل كل شخص منها الجلوس إلى الكمبيوتر والتواصل مع أصدقائه وأفراد عائلته على صفحات الفيسبوك، وتقول أم حسام أيضا "في السابق كانت نفسية الناس أفضل بكثير، وكان لديها الوقت للجلوس سوياً، أما الآن فلا يجد أحدهم مجالا للجلوس مع الآخر، لغياب الأحاديث التي يمكن الخوض فيها، وغياب المتعة".
خبير التراث الأردني نايف النوايسة، يؤكد في هذا الشأن أن الاحتفال بنهاية السنة "ظاهرة دخيلة على المجتمع الأردني"، وأن الحساب والتقويم برأس السنة، أو مطلع العام، أو الشهر، وغيرها، كان "غير معمول به ولا يحظى بأي اهتمام في تراث الأردنيين"، مبيناً أن الحساب كان بـ"المواسم التي يمر فيها المجتمع؛ مثل الكوانين (كانون الأول والثاني...)، وموسم الحصاد، والزواج، والربيع، وغير ذلك من المواقيت".
وبحسب النوايسة، هناك عدة أسباب لذلك؛ أبرزها "الطبيعة الريفية التي يتمتع بها الأردن، والتي تنبذ الاحتفالات الخارجة على إطار المألوف، والبعيدة عن الفرحة المرتبطة بحاجة دينية وروحية، مشيرا إلى أن الاحتفال بالمناسبات على النحو الذي تجري فيه هذه الاحتفالات بثوبها الحالي "تطبعه اليوم أهداف تجارية في جلها".
ويؤكد في هذا السياق أن الشعوب، بشكل عام، باتت "مقلدة"، بمعنى أن "التقليد بشكل متكرر يؤدي في النهاية إلى تحويل هذا التقليد إلى عادة".
وتبين دراسات نفسية أسرية أن الاحتفالات والتجمعات العائلية "تعطي الشخص شعوراً بالمتعة، ونوعا من تغيير السلوك الروتيني، وكسر الرتابة، ليصبح الشخص جزءا من عائلته الكبيرة".
وترى هذه الدراسة أن الحديث عن ذكريات الماضي يعطي متعة وسعادة ومزيدا من الحنين إلى الأيام الماضية بذكرياتها الجميلة، عند تبادلها مع الأقارب؛ مثل الأعمام والعمات، وأبناء العم، حيث تجد الذكريات حيزاً جيداً من الاستماع لاسيما إذا امتزجت بجرعات من نكهة الطرافة والمتعة.
ويرى القائمون على دراسة هذه الظاهرة أن التقاط الصور في التجمعات العائلية يعد وسيلة رائعة للاستمتاع باليوم العائلي، وإرسال الصور عن طريق البريد الإلكتروني، أو البريد العادي يعد وسيلة رائعة أيضا لإظهار حال العائلة، وفي ذلك ما يزيد في توطيد العلاقات الأسرية.
من جهته، يؤكد استشاري الاجتماع الأسري، الدكتور مفيد سرحان، أهمية التواصل في الأسر الممتدة، من خلال شتى المناسبات الاجتماعية، مبينا أنه "يجب ألا يقتصر ذلك على مناسبة رأس السنة الميلادية" وحدها.
وبغض النظر عن الحكم الذي يمكن إصداره في الاحتفال بهذه المناسبة، فإن سرحان يرى في "الأسرة الممتدة والجمعيات، وديوان العائلة، وبيت الجد، محضنا اجتماعيا بديلا لأبنائنا في المجتمعات التي تحتفي بدخول عام جديد على العالم".
ويؤكد سرحان أن مثل تلك المحاضن تعد "مأوى اجتماعيا"، مثلها مثل الاجتماع في مختلف المناسبات العائلية والأعياد؛ كعيدي الفطر والأضحى، ليكون التجمع هنا فرصة لتبادل المشاعر الأخوية الإيجابية بين أبناء العائلة و"توطيدا لمعاني التكافل المادي بين أفرادها".
ويعتبر سرحان أن الأسرة الممتدة هي من ميزات مجتمعاتنا الأسرية العربية، فهي تعزز العلاقات الاجتماعية بين أبناء العائلة الواحدة، وتسهم في تنمية صلة الأبناء بالأقارب، ويحبَّذ أن تكون تلك اللقاءات "دورية ومستمرة بين الأبناء، خصوصا في الأوقات التي يرغب فيها الأبناء بالجلوس إلى أصدقائهم وأقاربهم من الأجيال ذاتها"، لاسيما مع توجه الشباب وانفتاحهم على التعامل مع المناسبات التي أمست تقليدا، ولذلك يمكن أن تصبح "العائلة هي الحاضن لهم في مثل هذه المناسبات".
يشار إلى أن رأس السنة الميلادية يشهد الكثير من الاحتفالات على مستوى العالم، ويحتفل كل شعب بما يتناسب مع ثقافته وتقاليده، إلا أن الطابع الاجتماعي الأسري المميز ما يزال هو الغالب في مجتمعنا الأردني، وقد أضحت الجلسات العائلية ملاذاً للأسر التي ترغب في "الحفاظ" على أبنائها من "مزالق" السهر خارج المنزل، والتواجد خارج البيت لساعات متأخرة.

tagreed.saidah@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com