الخميس، 27 ديسمبر 2012

السكن بالإيجار: قلق دائم وخوف من المستقبل


تغريد السعايدة 

عمان- خوف دائم وقلق على مستقبل الأبناء يسيطران على مشاعر الخمسينية أم حبيب التي لا تشعر بالاستقرار، وفق قولها.
أم حبيب تعزو مشاعر القلق التي تتملكها كونها تعيش في سكن بالأجرة، وأن البيت الذي يضمها وزوجها وأبناءها ليس ملكا لهم. 
وتقول "لا أملك القدرة على التعامل مع معطيات المنزل كما هي، أو حتى تغيير تصميمه كما يحلو لي"، مضيفة أنها تختصر الكثير من الأشياء التي ترغب في تجديدها؛ لأنها على علم بأنها ستغادر هذا البيت يوماً ما، بناء على ظروف لا تعلمها، أو بحسب طلب صاحب المنزل.
يعيش غالبية المستأجرين قلقا حيال استقرارهم في بيت يتملكونه، وبعضهم لا يملك حق تغيير ما يريده في منزل الأجار كونه ليس صاحب سلطة في ذلك، فقد يتنقلون من مسكن إلى آخر لاختلاف الظروف العائلية او الاقتصادية.
وعن مشكلتها في بيتها المستأجر تقول جميلة أم راشد، الأم لثلاثة شباب وفتاتين، بعد أن كبر أبنائي وأصبحوا بالغين، لم أجد المكان المناسب ينفردون به كفتيات وشباب.
حاولت أم راشد حل الموضوع بتقسيم غرف المنزل الواسعة إلى غرفتين، إلا أن مالك البيت عارض أي تغيير في تصميم البيت، لتبقى المشكلة قائمة وامتناع "أبنائي ذكورا واناثا من مساحتهم الشخصية وخصوصيتهم".
في هذا الشأن يرى الخبير الاجتماعي الاقتصادي، حسام عايش أن المسكن بطبيعته "يعد من الاحتياجات الأولوية في حياة الإنسان"، حتى يشعر فيه بالأمن والاستقرار العائلي، المعيشي والاقتصادي على السواء، مؤكدا أن توفير المسكن واحد من أهم عوامل العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم استقرار الأسرة اجتماعيا واقتصاديا.
ويتابع في حال تعرض هذا "المأوى السكني" للخلل أو التصدع في جانب من جوانبه، أو في جميع جوانبه فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى خلل في طبيعة العلاقات الأسرية بشكل عام.
ويشدد عايش على أن الضغوط التي قد يتعرض لها الزوجان من خلال الشعور بعدم الاستقرار في المكان، إن كان المنزل الذي يأويهما ليس ملكا لهما "قد تؤدي إلى نشوب مشاكل بينهما عند اختلافهما على نقاط معينة"، كالاختلاف حول اختيار هذا المسكن أو ذاك، أو ترتيب المنزل، مؤكدا في هذا الصدد أن المنزل الممتلَك هو "غاية كل مواطن، والضالة التي تظل تراود فكره بلا انقطاع إلى أن يحققها". 
من جهته يقول جعفر عبد الكريم، وهو صاحب شقة سكنية، إنه يؤجر شقته منذ فترة طويلة لعائلات صغيرة، أو لمتزوجين جدد، موضحا "أسعى دوما للحفاظ على شكل البيت وغرفه ومرافقه"، منوها إلى أن "الأسرة الصغيرة لا يوجد لديها أطفال يعبثون بالمرافق، وحتى لا يثقل أي تغيير كاهلي مادياً، بعد خروج هذه الأسر من المنزل".
ويؤكد عبدالكريم أنه لا يجد حرجا في أن "يطلب من المستأجرين مبلغاً من المال، في حال تعطل مرفق من مرافق البيت أو أي شيء من محتويات المنزل، حتى يصلح الأعطال". 
وفي السياق ذاته تؤكد أم يحيى، التي تشرف على تأجير شقق العائلة السكنية، لعدم تفرغ زوجها لذلك، أنها "لا تتدخل في تفاصيل ما تفعله العائلات المستأجرة في المنزل، إلا في الحالات التي تؤدي إلى إحداث تغيير كبير في أجزاء المنزل، كالحفر وتقسيم الغرف بالبناء وغيره، وفق قولها.
إلا أن أم يحيى تتحدث عن بعض المضايقات من قبل بعض المستأجرين، ومنها ما يروجونه من أن أصحاب العقارات عادةً ما يسيئون استغلال المستأجرين، وتقول إن من حق كل شخص مالك أن يحافظ على مقتنياته، ومن حق صاحب العقار "أن يطلب من المستأجرين إخلاء السكن في حال تجاوز المستأجر للحد المسموح به له قانونا".
ولا ينفي عايش من ناحية أخرى بأن السكن بالإيجار هو حلٌّ لكثير من المشاكل المادية بالنسبة للعديد من الأسر(وما أكثرها)، والتي لا يتوفر لديها المال الكافي لبناء، أو لشراء بيت يمتلكونه، إذ تبين الإحصاءات، وفق عايش، أن "أكثر من 40 % من أصحاب الدخل الشهري يسكنون في مساكن مستأجرة"، على الرغم من أن هذه المساكن، ولأسباب عديدة، لا تخلو من مشاكل، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، محدودية الدخل، أو حجم المساحة المحدودة التي قد لا تناسب عدد أفراد الأسرة".
ويؤكد عايش أن البقاء في منزل صغير غير ملائم لأفراد الأسرة كثيرة العدد "قد يؤدي إلى الضغط على أعصاب الزوجين وإلى توترهم"، وهو ما ينعكس سلباً على علاقات الأبناء بعضهم ببعض، لاسيما في غياب الخصوصية التي يجب أن يتمتعوا بها في غُرف منفصلة، خاصة في حال وجود شباب وفتيات متفاوتي الأعمار والطباع والأمزجة.
ويرى عايش أن ما سبق "يؤثر سلباً على التحصيل العملي"، بالإضافة إلى "عدم وجود أسباب ووسائل ترفيهية في متناول الأطفال في داخل المنزل".
فيما تقول لمياء إنها اضطرت إلى الرحيل من المنزل بعد أقل من سنة واحدة، بسبب "المضايقات التي يتسبب فيها صاحب البيت، من خلال تدخله المتكرر في تحركات ساكني المنزل"، بالإضافة إلى عدم السماح لهم بـ"وضع مسمار في الحائط لئلا يتلفون جدران المنزل"، على حد تعبيرها.
وترى لمياء أن في تنقلها مع زوجها من بيت إلى ثانٍ يسبب ضغوطات نفسية ومادية تؤدي بالنهاية إلى "مشاجرات بينها وبين زوجها، حول مشاكل قد تكون بسيطة في بدايتها، لكنها سرعان ما تتطور نحو الأسوأ بسبب قلقهما من المستقبل".
وتتابع لمياء أن مخاوفها تزداد لأنها على وشك إنجاب ابنهما الثالث، وبسبب خشيتها وزوجها من ألا يقدرا على توفير الأجواء التربوية المناسبة لأطفالهما، وأيضا بسبب حرصهما على ألا يكون تنقلها من بيت إلى بيت، وتحويل أطفالهما من مدرسة إلى مدرسة على حساب تحصيلهم العلمي واستقرارهم النفسي في النهاية. 
اختصاصية علم النفس الدكتورة خولة السعايدة ترى في عدم الاستقرار المكاني "سببا لحدوث التوتر والضغط النفسي على الأسرة ككل وليس على الوالدين فقط"، مبينة أن الأزواج يفتقدون للخصوصية الزوجية في حال كان البيت ضيقاً، والأطفال يشعرون ببعض الرتابة في بيت صغير لا يجدون فيه متسعا للعب والحركة.
وتضيف السعايدة أن السكن في بيت مستأجر وغير مستقر يجعل الزوجين يحددان الكثير من امور التخطيط لحياتهما المستقبلية، قد تصل إلى "تنظيم الأسرة وزيادة عدد أفراد الأسرة"، ما يؤثر سلباً على طريقة تفكيرهم، إلا أن ما يزيد من سوء الحالة هو "إدراك الشخص مسبقاً بأنه غير مستقر مكانياً، وان هذا سيؤدي إلى إعاقة أمور حياته".
"الصراع بين طرفي المعادلة، المالك والمستأجر دائم" وفق عايش الذي يعزو الأمر لوجود بعض التدخلات من المؤجر، وبسبب وجود قوانين تجعل المستأجر في حالة ترقب دائم، مثل قانون المالكين والمستأجرين الحالي، الذي يعيق بعض الأسر من الانتقال إلى منزل أكبر، لوجود فرْق قيمة الإيجار". 
وللاستشاري الأسري الدكتور أحمد عبد الله رؤية أخرى، أكثر تفاؤلا وإيجابية، في موضوع تأثير السكن بالإيجار على الحياة الأسرية، فهو يؤكد أن السكن بالإيجار "لا يشكل ظاهرة اجتماعية سلبية بالضرورة"، حيث إنه، رغم صعوبته في بعض الأحيان، قد "يتحول إلى حالة من الإبداع ومن التأقلم أكثر بين الزوجين وبين أعضاء العائلة ككل".
ويعتبر عبد الله بأن تلك الحالة، الصعبة أحيانا، قد تكون فرصة ثمينة "لإنتاج أفكار جديدة، وعلاقة متينة بين أفراد العائلة".
وبحسب عبد الله فإن العائلة التي تكون علاقتها مستقرة في الأصل، سواء كان البيت ملكا أو مستأجرا، فإنه فرصة ليصبح مدخلاً للأسرة، لإثبات ترابطها، وتحمّلها للظروف الاقتصادية التي تمر بها، بالإضافة إلى "إمكانية إشراك الأطفال في إحداث تغيرات إيجابية، وتنمية روح الإرادة الإيجابية لديهم، وتحويل المشكلة إلى استثمار".
غير أن عبد الله "لا ينفي" وجود بعض المشاكل في حالات قد يؤثر فيها عدم الاستقرار المكاني، إذ يؤدي ذلك إلى الاضطراب النفسي، وإلى حدوث مصاعب وتعقيدات، لأن الاستقرار العائلي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي من المتطلبات الطبيعي لكل أسرة، ناشئة كانت أو كبيرة. غير أن متانة العلاقة تظل دوما هي المحرك الرئيس في كل الأحوال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com