الأحد، 7 أبريل 2013

التربية .. الصراع على الإبداع ..ممكن أحيانا!


صورة


سامح المحاريق -  التعامل مع مرحلة الطفولة المبكرة مسألة صعبة وشائكة؛ فأي باحث في هذا المجال يتعامل فقط مع ما يقوم به الطفل، ويحاول أن يضع من قبله الافتراضات التي تفسر السلوك الخاص به، ولكن الطفل الذي لا يمكنه التعبير يبقى بمثابة اللغز أمام أي محاولة بحثية رزينة لتفهمه، وتقويم سلوكه وتعديله.
  عادة ما تطلق الأسر التي تحاول أن تتفهم أطفالها أحكاما عمومية مثل إطلاقها حكما بأن الطفل عنيد أو مشاغب، وهذه الأحكام عادة ما تحاول أن تلقي بكل شيء على جانب الطفل، وكأن مسألة العناد أو الشغب هي مسألة متأصلة فيه، وربما وراثية، وليست مجموعة معقدة من ردود الأفعال التي يتخذها الطفل تجاه ما تقوم به الأسرة، فالأم التي تحاول أن تستخدم نبرة الصوت العالي، والتهديد الذي عادة لا يفهمه الطفل، على أساس أنها تقوم بواجبها التربوي، عادة ما تقوم بتصدير مشاكل خفية لدى الطفل، ولأن الحوار مقطوع أو هو من جهة واحدة، ولأنه لا توجد لغة مشتركة تقريبا، فإن الطفل يصوغ سلوكه في أحيان كثيرة، بطريقة هي العكس لكل ما تحاول الأسرة أن تجعله يتبناه.

 النزعة الإبداعية في التربية

تربية الطفل تخصص شائع، والكثير من الطلبة يلتحقون به، ولكن معظم الأسر في الأردن، وفي العالم العربي، لا تسعى للتواصل مع المختصين في مجال التربية، وبعضهم التحق بدراسة هذا التخصص دون أن يكون مهتما به في الحقيقة، وكانت كل دوافعه تتلخص في معدل التوجيهي الذي أجبره على الدراسة، ولذلك فإن النزعة الإبداعية في التربية غير موجودة، أو نادرة بصورة مقلقة، وعليه، فالأسرة تدخل تجربتها مع الطفل في مرحلة ما قبل اكتسابه  للمهارات اللغوية اللازمة، وهي تخطو في منطقة مستغلقة عليها، وكثير من الأمهات يدعين، أنهن يفهمن أطفالهن تماما، وفي الحقيقة، هن يفهمن الأطفال أكثر من غيرهن، ولكن ليس بالطريقة اللازمة أو الكافية على الإطلاق.

المكتبات تحفل بالكتب التي تعني بتربية الطفل، والمشكلة أن معظم هذه الكتب تبقى على حالها، فالأمهات والآباء غير مقتنعين بجدوى القراءة، ويحاولون تربية الأطفال بأسلوب (يوم بيوم) وهو أسلوب لا يمكنه أن ينتج شيئا متميزا، ويعتمد أكثر على التجربة والخطأ، كما أن كثيرا من رياض الأطفال تبيع وهما بأنها تقدم برنامجا متميزا للتربية، بما يغري الأسرة بأن تمارس الكسل الخطير تجاه مسؤوليتها في تربية الطفل وتفهمه، وفي النهاية، فإن الأسرة لا يمكنها أن تصدر حكما بأن ما يتلقاه الطفل هو المناسب والصحيح، أم أنه بعيد تماما عن المسارات التي تتمناها الأسرة للطفل، والاحتياجات التي يجب أن يتم تزويد الطفل بها ليستكمل حياته النفسية ويبني شخصيته بصورة صحية تنسجم مع المجتمع من حوله.
كثير من رياض الأطفال المتخصصة تعتمد على مناهج تربوية مستوردة، وتطبقها كما هي، ولكن هذه المنهجيات قائمة أساسا على مجموعة من الافتراضات الأخلاقية والقيمية التي تتناسب مع مجتمعات أخرى، فتكون النتيجة هي طفل يحمل في داخله الكثير من التناقضات، ويتوجه منذ مرحلة مبكرة في حياته نحو الاغتراب عن مجتمعه، وفي المقابل فإن رياض الأطفال التي تحاول أن تضع تصورها لعملية التربية وفق قيم وأخلاقيات المجتمعات الشرقية فإنها تفعل ذلك بصورة ارتجالية، غير قائمة على أي منهجية علمية متماسكة.
بعض رياض الأطفال تهتم بتعليم الفتيات الباليه، وهي المسألة التي يمكن أن تكون مناسبة لو أن دور الأوبرا تملأ العالم العربي، والحقيقة، أن الباليه رقصة تتطلب ثقافة موسيقية تتسم بالخصوصية ترتبط ببيئة عامة غير متوفرة، وغير مطلوبة، وغير ضرورية في منطقتنا العربية، ولأسباب فسيولوجية صميمة، فإن العالم العربي من محيطه لخليجه لن يقدم راقصة باليه يمكن أن تقترب في مستواها من أي راقصة باليه درجة ثالثة في روسيا أو أوكرانيا، بينما لا تهتم رياض الأطفال، وخاصة التي تحاول أن تحتفظ بـ (برستيج) اجتماعي معين، بالدبكة، مع أنها رقصة وطنية، استمدت حركاتها من البيئة والطبيعة وقيم التعاون والمشاركة في مجتمعاتنا، كما أنها أيضا تحقق مستوى اللياقة المطلوب للطفل، وتساعده على اكتساب التناسق السمعي والايقاعي الذي يفيده في حياته ويجعله أكثر قدرة على الأداء بانسيابية وبصورة منظمة حتى داخل بيئة العمل.

كما يراها أفلاطون
تربية الأطفال، كما يراها أفلاطون، هي مسألة أكثر أهمية من أن تترك للأسرة، ولكن ليس الحل الذي قدمه بأن تتولى الدولة هذه المهمة، وتلغي دور الأسرة، هو الحل المقبول، أو المعقول، وإنما الحل يكمن في أن نعترف بأن التربية ليست مهمة سهلة على الإطلاق، وأن الجميع يجب عليه أن يتعلم، لأن مرحلة التربية تكون لمرة واحدة في حياة كل طفل، ومع التقدم في العمر، تصبح التربية وتغيير وتعديل السلوك أكثر صعوبة، وليس عيبا، أن يتم رفع سوية النظرة الاجتماعية لمختصي تربية الطفل، فالدين الإسلامي مثلا، اهتم بهذه التربية، ووضعها في مقدمة المهام التي يتوجب على الأسرة أن تقوم بها، ولعله كانت المرة الأولى في تاريخ البشرية أن تتطرق أي منظومة دينية لحقوق الطفل ابتداء من حقه في الحصول على اسم مناسب، وبالمناسبة، لماذا لا تقوم الجامعات وبعض المراكز التدريبية بطرح برامج في التربية يحضرها الأب والأم الزاميا لمدة أسبوعين أو ثلاثة، فذلك على الأقل أهم من الامتحانات النظرية التي تمنح الشخص رخصة السواقة، أهم وأخطر بكثير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com