الثلاثاء، 2 أبريل 2013

الوحمات الدموية: الانتظار أفضل من العلاج




برلين - يظهر لدى الكثير من الأطفال حديثي الولادة ما يُسمى بالوحمة الدموية في صورة بقع حمراء أو مائلة للزرقة على رؤوسهم أو أعناقهم وأحياناً على ظهورهم. وصحيح أن مظهر هذه الوحمات يجعلها تبدو خطيرة، إلا أنها على العكس من ذلك لا تُعرض الطفل لأي مخاطر ولا تستلزم الخضوع للعلاج في أغلب الحالات، لأنها عادةً ما تختفي من تلقاء نفسها.
وعن أسباب ظهور الوحمة الدموية لدى الأطفال حديثي الولادة، قال اختصاصي الأوعية الدموية البروفيسور نوربرت فايس: "إذا تجمعت مجموعة كبيرة من الأوعية الدموية في مكان واحد أثناء تكوّن الأوعية الدموية في جسم الجنين داخل رحم الأم، ستظهر حينئذٍ الوحمة الدموية لدى الطفل عند ولادته".
وأضاف فايس، عضو الجمعية الألمانية لطب الأوعية الدموية بالعاصمة برلين، أن تركيب هذه الوحمات يكون مشابهاً لقرص شمع العسل، لافتاً إلى أنها غالباً ما تظهر على رأس الطفل أو رقبته، وقلما تظهر على ظهره أو على أعضائه الأخرى، ولكن يُمكن أن تُصيب الكبد بشكل خاص.
أسباب مجهولة
وتلتقط طبيبة الأمراض الجلدية أوته شلوسبرغر بمدينة كولونيا الألمانية، طرف الحديث وتقول إنه لم يتسنّ للأطباء حتى الآن تحديد سبب تكوّن الوحمات الدموية على وجه الدقة، موضحة: "يعتقد البعض أن الهرمونات والعوامل الوراثية تلعب دوراً كبيراً في ذلك، لكن لم يتم إثبات أي من هذه الاحتمالات بشكل علمي حتى الآن".
وأضافت شلوسبرغر أنه قد ثبت فقط أن معدل ظهور هذه الوحمات لدى الفتيات يزداد على معدله لدى الأولاد، وأن البقع الحمراء المقترنة بهذه الوحمات لا تتسبب في الشعور بأي ألم، لافتةً إلى أنه من المؤكد أيضاً أن هذا الخلل في تكوّن الأوعية الدموية يختلف من طفل إلى آخر فيما يتعلق بحجم المنطقة المصابة وعدد البقع الناتجة عن هذا الخلل وكذلك في مساره.
وأكدت اختصاصية الأمراض الجلدية الألمانية، أن أغلب الوحمات الدموية تختفي من تلقاء نفسها في مرحلة الطفولة، لافتةً إلى أنها تختلف في مسارها المرضي عن بعضها بعضا، حتى وإن كانت موجودة في الطفل نفسه. وأشارت شلوسبرغر إلى أنه لا يُمكن لأي شخص توقع ما إذا كانت هذه الوحمات ستتلاشى من تلقاء نفسها أو سيزداد حجمها أو ستبقى كما هي.
ونظراً لهذا التطور المرضي الذي لا يُمكن التنبؤ به؛ يجد آباء الأطفال المصابين بهذه الوحمات صعوبة بالغة في حسم أمرهم في خضوع الطفل للعلاج الفوري أم لا. وتوصي شلوسبرغر الآباء بأنه من الأفضل أن ينتظروا وألا يسرعوا في خضوع الطفل للعلاج؛ لأن مثل هذه الوحمات لا تستلزم الخضوع للعلاج إلا في حالات معيّنة، كأن يتزايد حجم الوحمة بصورة كبيرة وبشكل سريع. ولكن في أغلب الحالات لا تحدث الإصابة إلا بالوحمات الصغيرة، التي غالباً ما تتلاشى تماماً من تلقاء نفسها مع مرور الوقت.
علاج بالليزر
وأشار البروفيسور فايس إلى وجود العديد من الإمكانات العلاجية، يأتي على رأسها العلاج بالليزر، موضحاً: "يؤدي تسليط أشعة الليزر على الوحمة الدموية إلى التهاب الأوعية الدموية وانغلاقها وتندبها"، موضحاً أن تندب الأوعية الدموية على هذا النحو يُعيق مرور أي دم بداخلها بعد ذلك؛ ومن ثم تتلاشى الوحمة الدموية وتختفي تماماً، لافتاً إلى أن العلاج بالتبريد يتمتع بتأثير مشابه للعلاج بالليزر.
وأردف اختصاصي الأوعية الدموية الألماني أن الأطباء لا يلجأون للتدخل الجراحي واستخدام المشرط في استئصال مثل هذه الوحمات إلا في حالات ضئيلة للغاية، كأن تكون الوحمة الدموية في موضع يحجب الرؤية عن العين مثلاً أو تُوجد على جزء معين من الشفاه يعيق الطفل عن تناول الطعام.
وأشار فايس إلى أنه قلما يتم اللجوء إلى الأدوية، إلا إذا كان حجم الوحمة الدموية كبيراً للغاية لدرجة أنه لا يمكن استئصالها من خلال الجراحة أو أن إجراء الجراحة سيتسبب في نشوء ندبة كبيرة للغاية في موضع الوحمة، ما يشوه مظهر الطفل.
وأضاف الطبيب الألماني أنه لم يتم التعرف أيضاً حتى الآن على سبب اختفاء بعض الوحمات الدموية من تلقاء نفسها، في حين أن هناك وحمات دموية أخرى لا تختفى إلا عند الخضوع للعلاج، لافتاً إلى أنه ربما يرجع السبب في ذلك إلى الهرمونات المسؤولة عن نمو الأوعية الدموية نفسها، مع العلم بأنه إذا اختفت الوحمة الدموية من تلقاء نفسها، فتعمل الهرمونات حينئذٍ على تندبها.
وإلى جانب العوامل الطبية، أكد الاختصاصي النفسي هينريك بيرت من مستشفى دريسدن الجامعي، أن النواحي النفسية تلعب دوراً مهماً في علاج الوحمات الدموية الكبيرة؛ لأنه إذا وقعت هذه الوحمة على مقدمة أنف الطفل مثلاً، ستكون محط أنظار الآخرين له في كل مكان بدءاً من مرحلة الحضانة.
وعن عواقب ذلك، قال بيرت: "أكثر ما يُعاني منه الأطفال في هذا الشأن هو المضايقة التي يتعرضون لها بسبب مظهر الوحمة"، لافتاً إلى أنه عادةً ما يظهر تأثر الطفل بهذه الوحمات من الناحية النفسية في بكائه وإصابته بالسلس البولي واضطرابات النوم، مع العلم بأنه بمجرد أن يصل الطفل إلى مرحلة عمرية معيّنة سيبدأ في الاستفسار عن الوحمة الموجودة بجسده.
وكي يتعامل الآباء مع مثل هذه التساؤلات على نحو سليم، أوصاهم اختصاصي علم النفس الألماني بيرت بقوله: "يُمكن للآباء أن يخبروا طفلهم أن البقعة الموجودة بجسده ما هي إلا نتوء صغير، لكن يُفضل أن يبتعدوا عن قول مصطلحات كبيرة كورم مثلاً، لأنه لن يتسنى للطفل فهم ذلك".
وأضاف بيرت أنه لا يوجد أي داع لخضوع الطفل للعلاج النفسي، موضحاً: "يُفضل الذهاب لطبيب أطفال، حيث يُمكنه استئصال الوحمة. وبذلك تزول المشكلة تماماً بدون اللجوء للعلاج النفسي"، مؤكداً أنه حتى في مثل هذه الحالات يُفضل أيضاً الانتظار بعض الشيء؛ لأن الوحمة قد تختفي من تلقاء نفسها ولا تحتاج للعلاج.-(د ب أ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com