الخميس، 17 يناير 2013

"أبو العريف": شخصية تلمّ بكل المواضيع.. وتهرف بما لا تعرف


مجد جابر

عمان- في بادئ الأمر، استغرب العشريني إيهاب محسن، من صديقه الذي كان كلما حدّثه في أمر أو موضوع معين إلا وقاطعه فوراً ليخبره أن ذلك الأمر قد حدث معه في الماضي، وأنه مُلمّ بالموضوع تماما، ويدرك كل أبعاده.
ومع تكرار الأمر مرات عديدة، وتحدثه في المواضيع كافة، ومشاركته فيها، من صناعة وتجارة، وطب وهندسة، بات إيهاب يشعر بالانزعاج، وأحس من صديقه الإسراف والمبالغة، واعتبر أنه من غير المعقول أن يكون شابا في مثل عمره، مُلماً بكل هذه المعرفة، وخبيرا بكل هذه التجارب.
يقول إيهاب "لم يعد الأمر محتملا بالنسبة لي، وهو ما جعلني أخبر باقي الشلة وأسألهم عنه، إلا أنّ ردة فعلهم ما لبثت أن فاجأتني، لأنهم سرعان ما ضحكوا مني بشدة، وأخبروني أنهم يطلقون عليه اسم "أبوالعريف"، لأنه لا يمرّ عليهم أمر من الأمور إلا وادعى أنه قد خبر مثله، أو ما يشبهه".
وهو الأمر الذي جعلهم يعتادون عليه، ويتركونه يتحدث كما يريد، رغم أنه كثيرا ما يبالغ فيما يرويه من قصص، ويظهرُ على وجوه الشباب عدم تصديقهم له، لكن بدون فائدة، لأن هذا الصديق مقتنع تماماً بما يقوله، ومُصدّق له تماما.
ولعل شخصية "أبوالعريف" من النماذج التي اعتاد كثيرون رؤيتها كثيرا، فهي تتكرر في المجتمع، وبشكل كبير أحياناً، بين الأصدقاء، أو حتى داخل العائلة الواحدة.
الثلاثينية سناء أسعد، واحدة من اللواتي يعانين من هذا النموذج، داخل عائلتها؛ إذ تبين أنها لا تكاد تبدأ في سرد قصة، أو شيء حدث معها حتى يقاطعها في داخل العائلة، أخوها الأكبر منها، ليخبرها أنه مُدرك تماما للموضوع الذي تناولته، ولأبعاده.
وتضيف أنها في أحيان كثيرة توجه الحديث إلى شخص بعينه، لكنّ أخاها، رغم ذلك، لا يجد حرجا في التدخل فيه، وكأن الموضوع يهمّه شخصيا. وتتابع حديثها أنها اعتادت على كل ذلك من أخيها، الذي سرعان ما يتدخل ويتوسع في الأحاديث كافة؛ السياسة منها والاقتصادية.
وتكمل حديثها "إلا أنه ما لبث أن جاء ذات يوم ليفاجئها، عندما تدخل، بعد أن سألت طبيبا من أقربائها عن علاج للحساسية التي تعاني منها، ليخبرها عن المرض وأبعاده، وما يلزمها من علاج، والأدهى من ذلك أنه نصحها في نهاية المطاف بألا تُصغي لنصيحة قريبها الطبيب، بحجة أنه يتحدث عن تجربة، وأنه يعلم ما لا يعلمه ذلك الطبيب!!".
الاختصاصي الاجتماعي د.حسين الخزاعي، يقول إن مثل هذه الشخصية موجودة للأسف الشديد في مجتمعنا، وفي كل بيئات العمل، وحتى في الصلات القرابية، حيث تمثل هواية بعض الناس، لغرض معين؛ مثل حب الظهور، والغرور، والأنانية، وعدم الاعتراف بقدرات الآخرين.
ويرى أنها نمط منفّر في المجتمع، وغير محبوب، هدفه الأساسي جلب الانتباه، وعدم إعطاء فرصة للآخرين في التعبير عن آرائهم التي قد تكون أهم وأكثر صوابا.
إلى جانب أن الوجاهة والمكانة الاجتماعية تلعبان دورا كذلك، ولعل أهم دافع في الأمر هو الحب المفرط لإثبات الذات، وفي هذا السياق، يبين الخزاعي أن تمادي بعض الأشخاص في مثل هذه الهواية السيئة سببه تفادي قمع الناس لهم، لافتا إلى أن هذا العيب قد يكون نوعا من أنواع التعويض عن شيء نفسي في داخل هذا الشخص "أبوالعريف" المهووس.
وفي هذا الموضوع، تعاني شذى إسماعيل، هي وصديقاتها، من صديقة مصابة بمثل هذا المرض النفسي، يطلقن عليها اسم "أبوالعريف"، وفي أحيان كثيرة يطلقن هذه الصفة في وجهها، بدون أي تحرّج منها.
وتضيف شذى "نحن نُحبها كثيراً، ونستمتع برفقتها، إلا أنها لا تترك لأي شخص مجالا للحديث؛ إذ تستحوذ عليه، فهي تعرف كل شيء، وقد مرّ عليها كل شيء، وحدثت معها كل المواقف".
وتضيف شذى أن صديقتها هذه تحب أن تنظر كثيرا إلى الجميع وهي تتحدث إليهم بثقة "مزعومة" لا تملك ذرّة منها على الإطلاق، لافتة إلى أنها صفة ملازمة في هذه الصديقة، لا يمكن تغييرها، وهي صفة لا تنفي مع ذلك، حبهن لها.
اختصاصي الطب النفسي د.جمال الخطيب، يعتبر أن "أبوالعريف" سمة عند بعض الأشخاص، وأن أسبابها تتباين من شخص إلى آخر. فقد تُعبّر عند أشخاص معينين عن الرغبة في الظهور بمظهر العارف، والمتمكن من كل شيء، وقد تكون عند البعض الآخر بدافع الكذب والنصب، وقد تعبر عند آخرين عن عُقد نقص كامنة في نفوسهم.
ويضيف الخطيب أنها موجودة منذ القدم، عند العرب، وهي الآن موجودة في المجتمع، وتختلف أسبابها وتتباين؛ هناك أشخاص طبيعة شخصيتهم تقوم على حب الظهور بمظهر المدرك والعارف لكل شيء، مشيرا إلى أنها لا تُعد صفة إيجابية، لأنها لا تُحقق لصاحبها أي فائدة.
في حين يرى الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله، أنه ليس بالضرورة أن تكون الأسرة هي المسؤولة عن زرع هذه الصفة المرضية، وإنما هي انعكاس لقلة تقدير الذات عند صاحب هذه الصفة الذي لا يتغذى فكريا ونفسيا وسلوكيا إلا على أسئلة الناس له.
ويشير إلى أن الأسرة، على العكس، قد تكون هي من قمع هذا الشخص وأحبطت بعض الدوافع النفسية الإيجابية عنده، لتخلق ردة فعل عكسية. وليس من المستبعد أن يكون لهذا الشخص نموذج من عائلته نفسها، من نمط "أبوالعريف"، يقلده ويحتذي به، ويتقمص الشخصية عن وعي، أو من غير وعي منه. 
ويضيف عبدالله قائلا "إن المجتمع نفسه كثيرا ما يسهم في ولادة هذه الشخصية، لأنه يتلقى أحيانا، وبسلبية، المعلومات، من أي شخص، من دون التأكد منها، فتتحول المعلومة إلى خبر يذاع ويشاع، وكأنه خبر مهم".
ويضيف عبدالله في الأخير، السبب في وجود هذه الشخصية يعود إلى عاملين اثنين؛ انعكاس قلة تقدير الذات لذاتها، ثم التربية المجتمعية الخاطئة.

majd.jaber@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com