الخميس، 17 يناير 2013

ضبط المعادلة الهرمونية عند المراة « 1/2»

صورة

د. كميل موسى فرام - تعكس البيئة الداخلية للأنثى صورة من التوافق الهرموني والمعدني المسؤول بالدرجة الأولى في المحافظة على وظائف الأعضاء بالشكل المثالي والذي يرضي، حيث الارتباط الوظيفي الوثيق بين مكونات المحور والذي ينعكس بجزء من نتائجه على الشكل الخارجي للفتاة وقوة الجاذبية التي تتمتع فيها حيث تترجم مفاتن الجمال، كما ينعكس على الأداء الوظيفي بالدرجة الكاملة للعديد من الأعضاء المكونة ومنها الجهاز التناسلي بصورة مناسبة لأحداث الدورة الشهرية بالتوقيت والمواصفات، إضافة لمثالية القدرة الانجابية عندما يتطلب الأمر والظرف بذلك، ناهيك عن منعطفات صحية تترجم صورا معينة من الخلل أو الانضباط، هذا الترابط الوظيفي يصلح كنموذج للبناء على المستوى الأكبر بظروف تتعدى حدود المسلمات التي تحكم عملنا.


تداخلات فسيولوجية معقدة

قبل الاسترسال لأسس المحور الهرموني فلا بد من التوضيح أن حدث الدورة الشهرية بحد ذاته يترجم تداخلات فسيولوجية/تشريحية معقدة بين الأداء الوظيفي للغدة النخامية، المهاد، المبيضين، وبطانة الرحم، فالإفراز الدوري لهرمونات التحفيز من الغدة النخامية وارتباطها بهرمونات الستيرويد المنتجة من الخلايا الوظيفية للمبيضين، ستتسبب بتغيرات نسيجية وشكلية ووظيفية تتكلل بإطلاق البويضة بهدف الاخصاب، يقابلها تغيرات ببطانة الرحم لتعلن جاهزيتها إما لانغراس الضيف القادم لو قُدِّر للأمر حدوثه بظروفه أو انسلاخ البطانة ونزف بحدود المقبول بالتوقيت والكمية إعلانا لبدء الاستعداد لدورة مقبلة.
يمكننا التحليل تمهيدا للحكم المنطقي على تآلف وتناسق العمل الوظيفي لأعضاء التحالف السابق، فالتغيرات الهرمونية المتسببة والناتجة هي محصلة لأحداث هرمونية تحدث بالتتابع الدقيق ضمن الخارطة الجينية فتؤلف وحدة من التناسق بضبط عصبي لمؤشرات الدماغ، وبالتحديد في المركز الدماغي المسؤول.
 تقبع الغدة النخامية بقسميها مباشرة تحت المهاد بتجويف عظام الجمجمة، يفصلها عن مادة الدماغ نسيج واقي عازل حساس، حيث يغذيها شبكة من الأدوعية الدموية والتي تساهم بنقل محفزات المهاد للجزء الأمامي من الغدة، التي تضم بمكوناتها خلايا متخصصة لإفراز الغدة النخامية المتعارف عليها والتي تشمل بالعموم نصف دزينة من الهرمونات ومكون رئيسي لها البروتين وهي هرموني تحفيز الاباضة، هرمون تحفيز الغدة الدرقية، هرمون ضبط إفراز الحليب، هرمون النمو، وهرمون ضبط إفراز الكورتيزون من خلال قشر الكظر، بينما يساهم الجزء الخلفي من الغدة بإفراز هرمون التحكم البولي وهرمون الانقباض للخلايا الملساء.
يجب أن تكون مساهمة الهرمونات المذكورة بالأساس بطريقة مبرمجة بتحكم ذاتي ضمن مساق الدورة الشهرية خصوصا أن الفترة الزمنية لنصف العمر تتراوح بين دقائق معدودة لساعات معدودة، ناهيك بوجود مستوى معين من هذه الهرمونات بمعادلة التغير حسب الفترة الزمنية الشهرية للدورة الشهرية أو الفترة العمرية.

الضبط الداخلي
مشاركة الغدة النخامية بطقوس الدورة الشهرية وأحداثها تعكس بالأساس درجة الضبط الداخلي للبيئة بتناغم وتجاوب المستقبلات الهرمونية المنتشرة، فتتداخل التسميات حسب المعطيات لتجزأ الدورة بصورتها النسيجية لشقين متتالين بالتوازي مع السيادة الهرمونية، فالدورة الشهرية الإفرازية تبدأ بمجرد حدوث النزف الشهري تحت تأثير هرموني التحفيز ليؤسس على إفراز بويضة قادرة على الاتحاد من النواة الجينية للحيوان المنوي، يقابلها بنفس الوقت إفراز هرمون الاستروجين من خلايا متخصصة تعمل على بناء بطانة الرحم وتهيئتها لاستقبال ضيف قادم بظرف مثالي.
 حتى إذا وصلت البويضة لحجم معين، فيفرز هرمون التطور لإنجاز اللمسات الأخيرة على جاهزيتها بالتوافق على زيادة ضغط السائل المكون متسببا بتحرر المادة الجينية تمهيدا للوحدة المتوقعة، حيث يترافق ذلك مع تكون الجسم الأصفر والذي يساهم بإفراز هرمون البروجيستيرون كأساس لتوفير البيئة النسيجية لإنغراس الجنين، لحظة تتميز بارتفاع مستوى الهرمونين الأساسين: الاستروجين والبروجيستيرون، فيعمل الأول على ارسال رسالة للمهاد والغدة النخامية لمنع إفراز هرمونات التحفيز بتصور ظرف وهمي، حتى إذا فشل الحمل ليضمر الجسم الأصفر ويضعف انتاجه، فيصبح مستوى الافراز للهرمونين غير مقنع لوقف الغدة النخامية عن أداء عملها، كنتيجة رد فعل عكسي فيفرز الهرمونين بالتوافق مع انسلاخ الطبقة النسيجية لبطانة الرحم وهكذا الحال.
نلاحظ أن هناك ضبط دقيق للمعادلة الهرمونيه بشقيها، يتمثل الأول بمستوى هرموني التحفيز المفرزين من الجزء الأمامي للغدة النخامية، بينما يتمثل الثاني بتوأمة هرموني الاستروجين والبروجيستيرون، وكلا الشقين مسؤول بدرجة مباشرة عن مرحلة نسيجية لبطانة الرحم سواء البنائية بالفترة الأولى للدورة أو الانسلاخية بالفترة الثانية لها.

 دور المهاد 
يساهم المهاد (السكرتير المنفذ للدماغ) بواسطة وظيفته الافرازية للهرمونات بضبط محكم الأداء، خصوصا بإطلاق هرمونات استثارة الهرمونات المحفزة للمبيضين، ضمن معادلة دقيقة تحكمها معطيات الشيفرة الوراثية بالأساس بتوقيت عمري مناسب، فتلعب دورا محوريا نتيجة احتلالها لقلب المعادلة المحورية خصوصا أن موقعها التشريحي يسمح لها بدور الضابط المنظم للأداء الأنثوي، وبعيدا عن الاجتهاد أو العبث، فلو رجعنا لخطوة البدء برحلة قطار التطور والنمو والانجاب، لنجد أن شرارة الرحلة وخطوتها الأولى تبدأ من المهاد الذي يفرز بصورة حصرية هرمونات تحفز الشطر الأمامي من الغدة النخامية فتنشطه وتنظم عمله بالتوازي مع مستوى الهرمونات المساعدة لتبدأ الخلايا المتخصصة بالتحرر من المثبطات وترجمة تحررها بإشارت البدء للإفراز.

 الدور الأساسي للغدة الدرقية
 قبل الشروع بتوضيح مفاصل الدورة الشهرية على مستوى الرحم والمبيضين، فلا بد من الاشارة للدور الأساسي للغدة الدرقية التي تزود الجسم بهرموناتها الأساسية لضمان الديمومة لتشغيل جميع أجهزة الجسم مذكرا أن وظيفتها بالأساس تحت ضبط دقيق من هرمون الضبط المتخصص والذي يفرز من الجزء الأمامي للغدة النخامية، ليساهم هرمون الغدة الدرقية النشيط بتزويد الأعضاء بالطاقة اللازمة للأداء الوظيفي، لنخلص بالنتيجة أن الخلل الوظيفي للغدة النخامية قد يترجم بخلل معين بالدورة الشهرية، بل قد يكون التشخيص نتيجة خلل بغير مسرب للتفكير، شأنه وهرمون الكورتيزون الذي يمثل لبنة البناء الأساسي للجهاز الهرموني ضمن مساحات الوظيفة التي يؤديها أي من الهرمونات بالجسم والتي لا تسمح بالمناورة بحدود الزمن لسهولة خلخلة درجات البناء بالشكل الذي يبعد النظر للمهتمين إن لم يكن واردا بالحسبان أن ثمة احتمال لخلل غير منظور قد يكون السبب.
الدورة الشهرية هي عنوان آخر للأنوثة بشكلها الوظيفي أو المظهري، والاختلال بأي من مقاطعها الأفقية أو العامودية سيعطي نتيجة واحدة تتمثل بزعزعة استقرار البيئة الداخلية بمعادلتها الهرمونية أو الأيونية والمعدنية، سببا قاهرا للدخول بنفق الشكوى والبحث عن المساعدة الطبية، يظفر بإحراز درعه من تملك عائلة حريصة أو زوج متفهم ويستوعب الدرس وهو موضوع مقالتي في هذه الزاوية من الأسبوع القادم وللحديث بقية. 


خلايا متخصصة

تكوُّن المني بخصية الرجل ،يحتاج لفترة زمنية تمتد لأربعة وسبعين يوما، يتبعها فترة زمنية أساسية بفترة الاكتمال والجاهزية تجعل المحصلة النهائية بحدود ثلاثة شهور كاملة.
و يمر الحيوان المنوي بمختلف مراحل البناء في الخلايا المتخصصة، وبالرغم أن معدل عدد الحيوانات المنوية بالظروف الطبيعية يتراوح بين 40 إلى 200 مليون بجلسة الأنس الواحدة، إلا أن عددا يقل عن مائتي حيوان منوي تحظى بشرف الوصول لشرفة البوقين حيث تقطن البويضة بعرش الكبرياء تمهيدا للاتحاد، فيفوز واحد فقط بوسام الاتحاد كمشروع جنين ضمن الظروف البيئية المناسبة، علما أن البويضة تصبح قادرة على الاندماج والاتحاد بعد حوالي أثنتي عشرة ساعة من تحررها ولفترة زمنية لا تزيد عنها، خصوصا أن الحديث عن ساعة بيولوجية لبطانة الرحم لالصاق الأجنة قد أصبح حاضرا لتفسير سبب الفشل بالحمل بعد استنفاذ مناطق الخلل ولنا بحث طويل للتوضيح.

أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد- مستشفى الجامعة الأردنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com