الاثنين، 25 مارس 2013

أحلام اليقظة فرصة للهروب من الواقع


من منا لم يغرق في بحر أحلام اليقظة للهروب من واقع مليء بالضغوطات والمشاكل المستعصية، التي يصعب علينا إيجاد حل لها يناسبنا ويرضينا.
لذلك نلجأ لهذه الأحلام، لكي تساعدنا على تحقيق جميع الأمنيات والأفكار التي نعجز عن ترجمتها على أرض الواقع، قد يكون ذلك لأننا نخشى مواجهة الحقيقة، أو لأننا نتمنى وجود أشياء خيالية يستحيل حدوثها إلا في أحلامنا الوردية، وأحيانا قد يفضل الإنسان العيش في عالم الخيال المفروش بالورود والسعادة وفرصة تحقيق ما يتمناه حتى لو كان ذلك وهما، رافضا العودة إلى واقعه المؤلم الذي هو أشبه بغابة كبيرة تحفها المخاطر من جميع الجهات، كل ما فيها يدعو إلى الخوف والقلق. وأحلام اليقظة بمقدورها أن تحملنا على جناح السعادة، لنحلق في فضائها الواسع الجميل، وهناك باستطاعتنا أن نحقق جميع الأهداف التي نعتقد أن إمكانية تحقيقها على أرض الواقع تعد ضربا من المستحيل، ونظن بذلك أن هذه الأحلام أفضل فرصة لتفريغ جميع الأمنيات والعمل على بناء أكبر عدد ممكن من القصور الرملية التي ستؤول بالنهاية إلى السقوط.
وقد تسيطر علينا أحلام اليقظة فلا نعود نفرق بين ما نعيشه في الخيال وما نعيشه في الحقيقة، ونبدأ في نسج الأحداث مستمتعين بكل تفاصيلها، وبذلك نتمكن من تعويض ما ينقصنا بدون أن نهتم إلى حقيقة تلك الأحلام وأنها عبارة عن سراب وليس لها وجود إلا في عقولنا.
ومع ذلك تبهرنا هذه الأحلام وتجعلنا نصوغ قصصا بعيدة كل البعد عن واقعنا، فتسمح لنا بتذوق طعم النجاح والسعادة والقوة والثراء والجمال، متناسين ما ينتظرنا من مشاكل وهموم ومسؤوليات، ومتشبثين بذلك الشعاع الخفي الذي يدعى الأمل، فهو قادر على إعطائنا جرعة كبيرة من التفاؤل والإرادة.
وأحلام اليقظة نوعان؛ أحدهما إيجابي يساعدنا على الاسترخاء والتأمل والإبداع، ويلعب هذا النوع  دورا مهما في حل المشاكل التي تواجهنا خلال حياتنا اليومية، والآخر سلبي يقودنا إلى تخيل مواقف وأحداث مخيفة تؤثر كثيرا على تفكيرنا وتشوهه بأشياء قد تؤذينا أو تدفعنا إلى إلحاق الضرر بمن حولنا، نتيجة شعورنا بالانتقام تجاه ما يخيفنا ويزعجنا ويسبب لنا القلق.
وغالبا ما نلجأ إلى التحليق في ذلك العالم الافتراضي، الذي رسمنا أحداثه وشخصياته بأنفسنا، لكي تتناسب مع رغباتنا وأمنياتنا، ولتعوضنا عن كل ما نفتقده في واقعنا، فنحن عندما نحلم نستطيع أن نصنع شخصيات حسب المواصفات التي نتمناها ونرغب في رؤيتها على أرض الواقع.
ومهما كانت الشخصية التي نرسم ملامحها في أحلامنا تعجبنا وترضي طموحاتنا، إلا أنها ستبقى شخصية خيالية لا تستطيع أن تعيش إلا في خيالنا، وهنا تبدأ المقارنة بين ما نشاهده في أحلامنا من شخصيات وما نشاهده في الحقيقة.
ونحن نخطئ عندما نظن أن بإمكاننا عقد مقارنات بين الأشخاص الموجودين في أحلامنا والأشخاص الموجودين في الواقع، صحيح قد تكون هناك صفات مشتركة بينهم، لكن من المستحيل أن يكونوا استنساخا لما نحلم به، ولذلك نرفض أحيانا أولئك الأشخاص الذين لم نصنع شخصياتهم بأنفسنا، لمجرد أنهم لا يتشابهون مع ما نراهم في أحلام اليقظة، فنقرر أن نستسلم لأحلامنا لعلها تمنحنا قليلا من السعادة والطمأنينة، فيؤدي ذلك إلى انسحابنا من الواقع، معتبرين أن هذه الأحلام تبعدنا عن كل ما يضايقنا ويؤلمنا.
وفي بعض الأحيان، قد تصبح أحلام اليقظة مرضا خطيرا يصعب شفاؤه أو حالة من الإدمان تتسبب في تعطيل نشاطات حياتنا اليومية وسيطرتها على جزء كبير من وقتنا وتفكيرنا، فيرغمنا ذلك على قطع الاتصال مع من حولنا، والابتعاد عن حياتنا العملية والاجتماعية.
وتعمل هذه الأحلام على بناء جدار عازل يفصلنا عن واقعنا، فتعترينا الكآبة نتيجة انقطاعنا عن عالمنا، ونعيش حياة قاتمة تجتاحها الوحدة، فأحلام اليقظة من الأمور المهمة التي نحتاج إليها جميعنا ولا نستطيع الاستغناء عنها، وخصوصا إذا عرفنا كيف نستغلها ونحولها إلى حقائق واقعية، وذلك من خلال إخراجها من عالم الخيال، وإدخالها حيز التنفيذ وبهذه الطريقة تصبح أحلامنا ذات قيمة وهدف وليس مجرد تسلية أو مضيعة للوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com