الأربعاء، 20 مارس 2013

"ما محبة إلا بعد عداوة": المعرفة الحقيقية تغني عن إصدار الأحكام





منى أبو صبح
عمان- لم تتوقع ملك رشوان (29 عاما) أن يتحوّل كُرهها وعدم تقبلها لأحد زملائها في العمل لمشاعر مفعمة بالحب والاحترام انتهت بزواجهما. فلم يكن هذا التحوّل مفاجئا لهما وحدهما، بل نزل خبرُ زفافهما كالصاعقة على جميع المقربين منهما.
تقول رشوان "لم أكن أستسيغ سماع صوته، أو رؤيته أمامي، وسرعان ما أبادر بالخروج من المكان الذي يتواجد به. وعندما أضطر للحوار معه في شؤون العمل سرعان ما يبدأ الخلاف بيننا يتفاقم، ويتدخل بعض الزملاء لتهدئة الموقف".
وتضيف "فكرت مرارا وتكرارا في الانتقال لقسم آخر في العمل، لكن بدون فائدة. وبعد مرور ثلاث سنوات، التقيت به صدفة في إحدى الحفلات، فتجاهلته في البداية، لكنه أصر على الجلوس على الطاولة ذاتها، وشيئا فشيئا بدأ الحديث بيننا بأسلوب لم نعهده من قبل، وقد أخذنا الحديث تدريجيا إلى أبعد مما كنا نتوقعه؛ إذ حاول كل واحد منا أن يعرف الآخر، ليجد فيه، فيما بعد، النصف الآخر الذي طالما تمناه".
كثيرا ما نسمع المثل القائل "ما محبة إلا بعد عداوة". وما أكثر القصص في الذاكرة عن أشخاص مروا بتجارب انتهت بالمحبة والتراضي، بعد خصام وخلاف. قد يلتقي الإنسان بشخص ويتعرف عليه لأول مرة، ويحدث بينهما موقف ينتج عنه سوء تفاهم أو مشكلة يتولد عنها كرهٌ من أحد الطرفين أو منهما كليهما معا تجاه الآخر. لكن قد يحدث أيضا أن يمنح أحدهما لنفسه فرصة لمعرفة الآخر، فتتبدل الأحوال، وتنقلب العداوة إلى محبة ووئام.
ترى سلمى عبدالله (26 عاما) أن أجمل قصص الحب هي تلك القصص غير التقليدية؛ حيث تمنح الحب مذاقا خاصا، مثل الحب الذي يأتي بعد العداوة، ويكون مميزا، وهو نادر، لأنه ليس من السهل أن تتحول العداوة إلى حب، إلا إذا كان هذا الحب حقيقيا.
وفي هذا الشأن، يشير الاختصاصي النفسي د.خليل أبوزناد، إلى أن المحبة قد تتولد بعد الكره بين شخصين، وهذا لا يتم إلا إذا كان الطرفان صادقين ومخلصين، وشعر كل منهما بالندم، لأنه لم يحاول فهم الطرف الآخر من البداية.
ويقول "أما النوع الخطير من العداوة التي لا يمكن أن تنقلب إلى حب فهي العداوة التي يكون فيها لدى أحد الطرفين حقد مرضي وعدم تسامح. فهذا الشخص من المستحيل أن يُغير موقفه، أو وجهة نظره تجاه الشخص الآخر".
خالد بدوي (38 عاما) يقول "أحيانا تتولد المحبة بعد العداوة، وأعتقد بأن العلاقات التي يشوبها شيء من النفور والحساسية تعود في المقام الأول إلى اختلاف في الآراء والمعتقدات، لكن إذا تقبل أحدهما الآخر وفهمه، انقلبت المعادلة، واستحال النفور قبولا ومحبة".
ويضيف "كلما جعلتُ مساحة الاختلاف بيني وبين الطرف الآخر أقل، كانت علاقتي معه جيدة. كما أن المواقف والتجارب التي نعيشها مع الآخرين، وتقربنا منهم، كثيرا ما تقلب الكره والبغض إلى صداقة ومحبة حقيقية".
ويوافقه الرأي الخمسيني أبورؤوف، بقوله "في الواقع هناك الكثير من الأشخاص الذين اختلفوا في بداية تعارفهم ووصلوا لحد العداوة، ولكن طول الأيام التي جمعتهم قلبت في النهاية هذه العداوة إلى محبة وصداقة. ولعل ما يحدث بين شخصين يظنان أن بينهما عداوة، سببه مجرد سوء فهم، أو حكم ذاتي لا يستند إلى حقائق موضوعية، ولذلك فقد يحدث أن تتهيأ لهما على حين غرة ظروف يكتشف فيها أحدهما أو كلاهما حسنات الآخر، فيؤدي ذلك إلى نشوء المودة بينهما".
ويضرب مثلا على ذلك بقوله "كان لي صديقان ظلا يتخاصمان لدرجة أنه إذا قال أحدهما "يمين" قال الآخر "يسار". وقد ظللت أبذل الجهد حتى أصلح بينهما، إلى أن تقبل كل منهما الآخر، وتوطدت العلاقة. وصار كل منهما يقف إلى جانب صديقه يسنده في العديد من المواقف، بعدما كان لا يطيق كل منهما الآخر".
وفي هذا الشأن، تبيّن استشارية الأسرة والإرشاد التربوي، سناء أبوليل، أن العداوة قضية تُبنى على التفكير الخاطئ والمشاعر العفوية المبنية على إسقاطات لاواعية، تجر صاحبها إلى مواقف يظنها سليمة ولكنها سيئة، فيبني عليها أحكامه ومواقفه، ولا يكتشف خطأها أحيانا إلا بعد فوات الأوان.
وتؤكد سناء أنه من المفروض ألا نحكم على الناس، وأن نعرفهم أوّلا، لأن المعرفة الصحيحة تُغنينا عن إصدار الأحكام، وتجعلنا متسامحين مع كل من نتعامل معهم. فمع مرور الزمن، تقول أبوليل، ومن خلال بعض المواقف، نكتشف أننا أخطأنا في حق الشخص الذي تسرعنا في الحكم عليه، ولذا يجب التروي قبل إبداء أي رأي أو حكم في حق الآخرين.
فالأمر إذن يحتاج إلى وعي، كما تقول أبوليل "وهنا يأتي دور الآباء الذين يجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم، من خلال توجيههم نحو معرفة الآخرين، وعدم الحكم عليهم من خلال الانطباعات السيئة التي قد توحي بها تصرفات هؤلاء من أول وهلة".
ويرى أستاذ علم الاجتماع، حسين خزاعي، أن سبب العداوة ينجم عما يتراكم في عقول الناس من أفكار خاطئة وغير صحيحة عن سلوك الآخرين، أو عن تفسيرات غير صحيحة حول سلوكاتهم. ويظل هذا العداء مكبوتا إلى حين انفجاره.
ويقول "يمكن للشخص أن "يفرغ" مشاعره نحو الآخرين، في هدوء ومحبة، وبلا تزمت في الرأي، ومن موقف مسبق، ومن دون إيذاء مشاعر الآخرين".
ويضيف "إن العداوة في معظمها هي عبارة عن معلومات غير صحيحة، وظنون يؤججها سوء فهمنا لمواقف ودوافع الآخرين، أو يفاقمها مُحرضون من أصحاب النفوس المريضة". وأهم معوقات التفكير الإيجابي، في رأيه، سوء الظن الذي لا يستند إلى رؤية الناس على حقيقتهم.
ويبقى أن نقول إن المؤسف في الأمر حقا، أن هناك عداوات تخلق من لا شيء، وأكثرها خطورة تلك التي تنشأ بين الأهل والأقارب والأصدقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com