الأربعاء، 20 مارس 2013

اكثر من مجرد ربيع .. للأرض .. و الأم .. وما بينهما من الشعررن


صورة

يُطِل الربيع .. مع حرارة الشمس اللطيفة .. تتفتح مسامات الأرض وتورق البراعم وتتورد الأزهار .. وتعود الكائنات الحيّة جميعاً إلى الاستيقاظ بعد سبات شتوي طويل .. والإنسان يغدو أكثر حيوية وتفاؤلاً بجدوى استمرار تعلّقَه بالحياة .. فيبتهج بعودة أسراب الطيور .. وزقزقة العصافير .. وتنقّل الفراشات الملونة بين زهرات الدحنون والسوسن .. وأشجار الفاكهة أو سنابل القمح والشعير والحبوب بأنواعها .

الأرض .. الأم
الأرض تجدد نفسها ؛ كما الآلهة الأنثى في حضاراتنا القديمة ؛ إنانا أو عشتار أو عشتروت وإن تغيرت التسمية من سومر إلى بابل إلى كنعان إلى آرام ، تبقى الآلهة الأنثى العاشقة والمعشوقة لتموز أو دموزي أو أدونيس ؛ إنها أم الأرض في ثقافات تلك الحضارات التي عاركت الأهوال في العالم السفلي لتعيد حبيبها إلى الحياة من جديد ليستمر العطاء والخصب للطبيعة ..للحب بين البشر .

احتفالات .. الربيع
في بلاد ما بين النهرين أطلق على عيد الربيع اسم ( أكيتو ) أي حصاد الشعير في التقويم السومري ، وفي الحضارة البابلية أطلق على عيد الربيع اسم ( رش شاتيم ) أي رأس السنة وكان يحتفل بها في 21 آذار من كل عام احتفالاً بنصر الإله مردوك على أعداء بابل . وفي الحضارة الفارسية الزرادشتية يعتبر هذا اليوم بمثابة بداية العام الجديد النوروز كما يطلق عليه بالتقويم الزرادشتي وتحتفل به شعوب عديدة كالأذريين والأفغان والكرد والطاجيك وبعض المناطق في تركيا . وفي هذا الاحتفال تستحضر النار وتوقد المشاعل فوق المرتفعات .. فالنار في الثقافة الزرادشتية هي رمز التطهر ، وحرق الموتى هي عادة تحمل رمزية التطهر على الأرض ، كما يعتقدون بأن النار تطهر القديم وكل ما هو ميت في الطبيعة لتفسح مجالاً نقياً للكائنات الجديدة زراعية كانت أو بشرية . كما يشترك الهندوس في شبه القارة الهندية بارتباط النار بالنقاء ؛ لكنهم يحتفلون بعيد الربيع بطريقة مرحة إذ يتبادل الناس رش المياه والمساحيق الملونة على بعضهم البعض .

الربيع .. وعيد الأم
هناك العديد من المهرجانات والاحتفالات التي تقام سنوياً في العالم وأكثرها شهرة كونية عيد الأم فالعالم يحتفل به على الصعيد العام وعلى صعيد الأفراد والأسرة .. الأبناء يكرّمون أمهاتهم بالهدايا والورود والقبلات / أتمنى أن يأتي اليوم الذي يصر به الأبناء على منح أمهاتهم إجازة خاصة من العمل اليومي المنزلي ، أو على الأقل مشاركة أمهاتهم في تلك الأعباء / .

ربيع الشعر
تقول الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث :» الطبيعة ، كما أعتقد : الطيور ، النحل ، الربيع ، ... أعتقد بأن قدوم الربيع ، والنجوم من فوقنا ،وما يشبه ذلك إنما هي هِباتٌ للطفل ، للشاعر الصغير . « وحين سألها المحاور وبالأساس تشكل كتابة الشعر مبعث رضا في حياتك ، أليس كذلك ؟ أجابت :» أوه ، الرضا ! لا أعتقد بأني قادرة على العيش من دون الشعر . إنه مثل الماء والخبز ، أو مثل شيء أساسي بالتأكيد . إني أجدُ نفسي ممتلئة تماماً حين أنتهي من كتابة قصيدة ، حين أكون أكتب قصيدة
يبدو أن الشعر عند كل شعوب الأرض ارتبط بالربيع وبذات الشعر الفطري الذي عبرت عنه البشرية بأهازيجها الأولى كأغاني الحصاد ، أو التأمل بالسماء الزرقاء والغيم الأبيض الرقيق بين ثنايا ضوء القمر ، أو الحب تلك العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة .. ولأن الشعر هو إعادة تشكيل مفردات اللغة بصيغة إبداعية فنية ؛ يخلق معنى تجديدياً للكلمات ؛ كانبثاق زهور الطبيعة من جديد ؛ رأت منظمة اليونيسكو أن تحتفل كل عام « باليوم العالمي للشعر» في 21 آذار « عيد الربيع « . كذلك ليتاح لشعوب الكرة الأرضية الاحتفال في الهواء الطلق بين أحضان الطبيعة في تجمعات كبيرة تدعمها تلك المؤسسة الدولية ، خاصة للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المعنية الخاصة منها والعامة مثل : المدارس والبلديات ، والتجمعات الشعرية ، والمتاحف ، والرابطات الثقافية ، ودور النشر والسلطات المحلية وغيرها ، فأين الأردن ومؤسساته من إمكانية الاستفادة من هذا الدعم الأممي ( اليونيسكو) أم إنهم يستفيدون ولا نجد تلك النتائج على الأرض ...!
إلا أن الشعراء كتبوا وما زالوا يكتبون فمن : أتاكَ الربيع الطلق يختال ضاحكاً إلى شعراء الحداثة اليوم .. فالشاعر حكمت النوايسة كتب في ظل غيمته :
خارج النص أيها الشعراء
نَسَلتْني من السماء سماء
أرشفُ الغيمَ لست أخشى الثّريّا
فهي أمي وجدّتي الجوزاءُ
والغزالات تقطفُ الحبّ شِعري
وشعوري شعوره الأنواءُ
نطقت بي الحروف بعدَ احتباسٍ
فأنا الماء يرتجيه الدعاءُ
راية الشِّعر سلّمتني رؤاها
ومشت بي المجنونة الأهواءُ .
أما الشاعر موسى حوامدة فبدأ ب :
قديماً ، قالت ليّ الأرضُ :
ازرع نشيدَكً بالزهور.
ثم يضيف في مكانٍ آخر من قصيدة مختلفة :
سنحتفي بفضيلة الاستغناء
بالكتب القديمة
ونقوش الحجرِ
فوقَ خدِّ النهار
سنحتفي بالربيع
وهو يفتحُ بستان الأمل
ويسكب خمرة الاندهاش
في حضرة شياطين النعاس.

 
الأم .. والشعر
كتب الشاعر محمود درويش قصيدته « أمي « التي أصبحت على كلِ لسان ، واعتبر في مقام آخر أن أم الشهيد هي « أجملُ الأمهات « :
حنّ إلى خبز أمي

و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ،فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!
 
ولعل الشاعر زياد العناني كتب لأمه قصيدته الخاصة جداً جداً :
أمي دوّخَها السُّكرُ
بتروا قدميها
أمي
أمي
أمي
ماذا عني
كيفَ سأبحثُ عن جنةِ ما قالوا
تحتَ الأقدامْ ؟
وأعود للشاعر موسى حوامدة وما كتب لأمه بعد رحيلها دون وداعه :
خطرتِ ببالي يا أمّي؛
قلتُ السلامُ عليكِ
السلامُ على أبي الذي قادَكِ للقبر
السلامُ على قريتنا المنسية إلا من دوريات الجند والجواسيس،
قلتُ السلامُ عليكِ يا بلد ،
ولدتُ فيها كما تلدُ الوشايات
تحتَ زيتونة رومية
رأتني أمي هارباً منها
أبحثُ عن غصنٍ أخضر
لا لأرفَعَه في يدِ الرئيس الموهوم
ولكن لأفقأ عينَ الحضارة
تلك التي شاءت أن أولدَ بلا سريرٍ أو وطن .
وفي اليوم العالمي للشعر نذكر هؤلاء الشعراء الذين حوربوا أو عُزِلوا أو سجنوا أو رُحّلوا عن أوطانهم أو تعرضوا للتصفية الجسدية في مشرق الأرض ومغربها ،نذكرهم .. بقراءة أشعارهم .. واستعادة تجاربهم العظيمة في الحياة وفي عشق الشعر والحرية .. ومن هؤلاء الكبار الشاعر بابلو نيرودا شاعر الحب الذي تعرّض لأقصى تنكيل على يد الدكتاتورية .. وما زالت إلى اليوم تتردد قصائده على شفاه الملايين الناطقة بالإسبانية :
يتألم الحسد ، يموت ، تُنهِكُهُ أغنيتي .
يحتضر ربابِنتَه الحزانى واحداً بعدَ الآخر .
أقولُ الحبّ ، فيمتلئ العالم بالحمام .
كل مقطع يُعجّلُ بقدوم الربيع .
كذِبَ منْ قال بأني أضعتُ القمر ،
وتنبأ لي بصحراء قاحلة ،
ونشر بلسان بارد تلك الشائعات ،
وأرادَ أن يلعنَ زهرة الدنيا .
لكني فقأتُ عيونهم ، وبرماحِ الحب
الباهر ، شككتُ قلبَكِ وقلبي .
قطفتُ الياسمين الذي تركته خطاكِ .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com