الثلاثاء، 19 مارس 2013

"بينالي الشارقة 11": خريطة فنية تتجاوز كل الحدود في مكان واحد





إسراء الردايدة
الشارقة- للفن البصري لغة خاصة تختزل كل المعاني والكلمات في صور ومجسمات متعددة وتتضاعف قيمتها إن تكثفت في مناطق تراثية لتعانق الماضي والأصالة وتتوحد معها بشكل معاصر وحديث مولدة انسجاما تاما فيما بينها.
وترتبط هذه الأعمال في ثيمة واحدة هي تطوير وإبراز مفهوم الباحة أو الساحة في منطقة تراثية في إمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة ضمن فعاليات "بينالي الشارقة 11"، الذي انطلق منذ الأول من الشهر الحالي ويستمر حتى أيار (مايو) المقبل، وفيه رائحة وأجواء الفن في كل مكان في تلك المدينة العريقة.
ففي كل باحة من الباحات المخصصة للعروض الفنية والتي قسمت لمناطق تلونت بالفن المعاصر والقديم حتى برؤية صانعها، هنالك أكثر من 100 فنان ترك كل واحد منهم بصمته الخاصة فيها.
ويعكس هذا البنيالي حضور الثقافة العربية و"الفناء أو الباحة فيه"، وهو أشبه بفضاء لإنتاج الوعي والمعارف الجديدة، وساحة للاختبار والتجريب؛ إذ يعكس حضور إمارة الشارقة كمنطقة حيوية توفر مناخاً من التحول والتطور والإبداع، لاسيما أن هناك ثقافة الحوش أو الباحة، وهي مرتبطة بالثقافة الإسلامية، التي وجدت في الشارقة من خلال منطقة قلب الشارقة، وهي ثقافة انتشرت على مر العصور، كذلك اعتمدت على مصادر الخرائط، التي استلهمتها من دارة حاكم الشارقة؛ إذ إن الخرائط أعادت رسم الباحات الموجودة في المنطقة، التي يلتقي بها الناس الذين يمتلكون ثقافات مختلفة، ما يولد إنتاج معرفة متنوعا، وربطاً بين الحاضر والماضي.
أما الأعمال الفنية التي تعرض في الشارقة في منطقة التراث وبين ساحاتها والبيوت التراثية التي تحولت لمساحات فننة مؤهلة فتحتضن أعمالا وابتكارات بصرية تجمع بين مختلف المدارس الفنية الكلاسيكية والحديثة.
وبين الأعمال المعروضة، يجد الزائر نفسه أمام غرفة محكمة الإغلاق تحمل اسم "الصخرة اللامتناهية"، وهي غرفة مكسوة من الداخل بالمرايا وتعكس صورة من يدخلها ليحلق في فضائها بشكل كبير وهي للفنانة الألمانية ثيلو فرانك.
 ومن أجمل الأعمال وأكثرها تميزا وتفردا أعمال الإيرانية منير شهرودي فارمايان، والتي استخدمت في حديقة شاه زادة المرايا الكثيرة لتمزج بين الفنون التبسيطية والتعبيرية التجريدية، والتراث الثري للتقنيات الفارسية لفسيفساء المرايا، والأنماط الهندسية والرسم الخلفي على الزجاج المقلوب بلمسات عصرية، وجمعت بين رسم الزهور والزجاج والنقش في أعمال واحدة.
وأعمال فارمايان التي تستخدم فيها تصميم المرايا على الورق، ومن ثم تنفذ حرفيا، تغوص بتأملها في تعقيدات واحتمالات لامتناهية تخلفها تلك الأشكال الهندسية المعقدة في مجموعتها النادرة وتحويلها إلى الأشكال السداسية إلى مضلعات وإلى مثمن وكلها مستوحاة من تقسيمات الدائرة أساسا.
وضمت العروض أيضا مزجا بين فن الفيديو آرت والأعمال المجسمة، التي توزعت ضمن مناطق متعددة من الشارقة شملت منطقة الفنون في الشويهين، بل تتوزع في مناطق مختلفة في الشارقة؛ شارع البنوك، وساحة الخط العربي، ومؤسسة الشارقة للفنون في المريجة. ولم يقتصر الفن المعروض على الزجاج والتراث بل شمل التجريد واللوحات والمنحوتات منها ما هو من الخشب التراثي القديم وأخرى من البلاسيك المعزز بالألياف والزجاج والحديد المستوحاة من الحياة اليومية المعاصرة وتناقضاتها، وتمثل هذا في أعمال اليابانية ميكي كاساهارا، التي قدمت أعمالا مرتبطة بشخصيات جالبة للحظ ابتكرتها الوكالة اليابانية للطاقة الذرية، وحولت تلك الشخصيات الكرتونية إلى ألعاب للأطفال وعليها علامات تحذيرية من هذه الظاهرة التي تسببت بكارثة فوكوشيما قبل عامين.
ومن الأعمال التي تلفت النظر عمل للفنان الإماراتي ناصر نصرالله، وعو عمل التفاعلي يتيح للزائر البحث عن كلمات شخصية في بطاقات مخفية داخل صندوق صُنع خصيصاً لذلك؛ إذ لا يمكنهم رؤية البطاقات أثناء عملية الكتابة. وتحضر مجموعة شخصية في متحف الفنون للشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، وتضم لوحات للمستشرقين في مصر وأخرى من العالم، إلى جانب عرض لوحات منها للمصري خالد جرار بحجم كبير وهي طابع بريدي عن فلسطين حرة وصدر العام 2011 ونفذ ضمن مبادرة "عش واعمل في فلسطين".
كما عرضت لوحات للخط لكل من الخطاطين العراقيين؛ وسام شوكت وحسن مسعودي، والسوري منير الشعراني، والفنان الياباني يويتشي إنوي، الذي يقدم أعمالاً تظهر المعنى البدائي في عملية كتابة الأحرف بالطريقة الصينية، التي نشأت منذ ألفي عام على قواعد محكمة.
وجمعت هذه الأطروحات الفنية المختلفة أطيافا من الفنانين والمعماريين والموسيقيين الذين طرحوا قضايا الهوية والهجرة والثقافة وفقا لرؤاهم الشخصية، والتي احتضتنها الشارقة بطبيعة بيئتها التي تضم تعددا للثقافات في المشهد الثقافي المحلي، لينطبع هذا البينالي بكل هذه الأجواء مشجعا على مزيد من التفاعل بين الحضارات الإنسانية في لغة واحدة هي الفن.

israa.alhamad@alghad.jo


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com