الأحد، 24 مارس 2013

.. وكــــان ربيعــاً!


صورة

سامح المحاريق -    كانت فصول السنة تحمل معالم واضحة، ويمكن أن يتم فرزها من بعضها البعض، لدرجة أنها حملت أيضا دلالات عميقة حول حالات النفس الإنسانية والمجتمع بأسره، الربيع والخريف، تحديدا كانا الأكثر ارتباطا بالدلالة المعنوية، وارتبط الفصلين بفكرة العمر والتجربة، ربيع العمر وخريفه، الربيع العربي، خريف العلاقة، ولكن اليوم يعاني كل من الربيع والخريف أمام تغول الصيف والشتاء مناخيا، يتراجعان، يلوذان بالحائط الأخير قبل أن يعلن فقدهما نهائيا من أجندة الإنسان المعاصر.
مع بوادر الربيع الأولى، ازدحمت جنبات بعض الشوارع الخارجية في عمان، شارع الأردن وطريق ياجوز وطريق المطار، وغيرها، وتحول الطريق إلى الأغوار إلى نهر من السيارات التي تبحث عن فرصة لقضاء يوم مغاير لأيام الشتاء التي دفعت الناس لأن يلوذوا بمنازلهم طويلا، وأن يتعاملوا مع طقوس «الكنكنة»، وأصبح أهالي عمان يدركون أن الربيع في زياراته السريعة لن يدعهم يستكملون علاقتهم مع المدى المفتوح، والأفق، و(البراح)، وأنه لن يفكر مرتين قبل أن يسلم مكانه للصيف الذي أخذ يتزايد حدة وضراوة السنة بعد الأخرى، وبعد أن كان مشهد أجهزة التكييف دليلا على الرفاهية المالية التي تغري باقتناء الكماليات ببذخ ودون تعقل، أصبحت المكيفات أحد التجارات الرابحة في الأردن، ولم يعد مشهدها وهي تتعربش على البنايات في مختلف الأحياء يثير أي دهشة أو استغراب.
الربيع في الثقافات الشرقية يحتل مكانة مهمة، فالفرس مثلا يعتبرونه بداية السنة، وفيه يجري أهم أعيادهم على الإطلاق، وهو عيد النيروز، وفي ذلك يقاسمهم وينافسهم الأكراد، وفي مصر عيد شم النسيم، القريب من النيروز في توقيته وطقوسه، وفي الأردن ليس ثمة عيد للربيع، فالربيع لم يكن غريبا على الأردن طيلة التاريخ، والأجواء الجبلية المعتدلة كانت تجعل الأردنيين معتادين على فكرة الربيع أكثر من غيرهم، فهم في معزل نوعي عن الصحراء، ولكن التصحر أخذ يحاصر الأردن ومنطقة الشام بشكل عام، حتى أصبحت الجنة الأردنية التي أثارت قديما أهل الجزيرة العربية وجعلتهم يتصورون جنة الخلد أقرب إلى ما يرونه في الأردن أثناء رحلة الصيف، أصبحت للأسف أثرا بعد عين.

مجرد زائر عابر
هل غيبة الربيع كظاهرة مناخية طبيعية، يمكن أن تؤثر على الربيع بصفته وصفا إنسانيا يرتبط بالايجابية والمبادرة والطموح والتفاؤل؟.
 
وهل يمكن أن ينعكس الربيع الذي تحول من فصل شبه مقيم في الأردن، إلى مجرد زائر عابر لا يطيل الإقامة؟.
 
ان ما يجري حولنا - بيئيا- إلى مجموعة من السلوكيات الاجتماعية، هل يمكن أن تتشاكل علاقة عكسية بين الربيع القصير والباهت، وبين التسامح وسعة الصدر في الشخصية الأردنية، بالتأكيد يمكن أن ننظر إلى ذلك كأحد عوامل التوتر الاجتماعي بعيدة المدى، ولكن ما هي الحلول التي يمكن أن تتاح أمام الأردنيين في هذه الحالة؟
إن الحديث عن الحفاظ على النطاق الأخضر والأحراش أصبح مكرورا بصورة تثير الضيق أكثر مما تستحث المواطنين للاندماج في عملية الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية، والمطلوب، هو عملية ممنهجة لحماية الطبيعة في الأردن، يمكن أن تتم من خلال المحافظة على المساحات البكر في المدن الرئيسية ووقف عمليات التوسع العمراني، وتوجيهها إلى مناطق أبعد وأكثر اقترابا من الطرق الخارجية، ويمكن كذلك التفكير في التوسع الرأسي في المدن، توسع رأسي حقيقي، وفي تخفيض مساحات الشقق السكنية بصورة تجعلها أكثر عملية لاستغلال الأسرة الصغيرة الحجم، التي أصبحت هي التوجه الواسع بين الشباب الأردني، تفكير في مساحات سكنية صغيرة قليلة الاستهلاك للطاقة سواء لأغراض التدفئة أو التبريد، وكذلك الاحتفاظ بالمساحات الخضراء التي يجري التعدي عليها بصورة مستمرة ومنظمة.

 
الثروة الطبيعية   ملك للجميع
هل ذلك يمثل تدخلا من الدولة في الخيارات الشخصية للأف راد، وهل حرية السوق تكفل لأي شخص أن يمتلك ما يريده طالما لديه القدرة على دفع الثمن، عدا ونقدا، أو من خلال قرض سكني، بالتأكيد، لا يجب أن تتوقف أي دولة في العالم بسلبية أمام محاولة المحافظة على وضعها الطبيعي والبيئي ، حتى لو كانت قراراتها في هذا السياق تمثل استفزازا للبعض.
 
فالثروة الطبيعية هي ملك ليس لجميع الأردنيين، ولكن للأجيال القادمة، لملايين جديدة من حقها أن تتعايش مع بيئة نظيفة ومفتوحة، بدلا من البحث عن مساحة صغيرة على جنبات الطرق.

وجود الخضرة الكثيفة
الحدائق والمتنزهات أيضا غير كافية في الأردن، لا على مستوى حجمها، ولا على مستوى انتشارها في الأحياء السكنية.
 
أن معظمها  - لمن يراها- يجب أن يركز على وجود الخضرة الكثيفة، حتى لو كان ذلك قائما على الحلول التكنولوجية في الزراعة، وليس مجرد توفير مساحة خالية تمكن الأطفال من اللعب، أما الأحراش القائمة فعلا، فيجب الاهتمام بالتشجير الطوعي القائم على توظيف شباب الجامعات في برامج الخدمة الاجتماعية، وتشديد الرقابة على زوارها، والحيلولة دون ممارسة مجموعة من  الأنشطة مثل الشواء، وكذلك إغلاق بعضها لإطلاق مشروعات تشجير كثيفة لسنوات، بحيث تستعيد حيويتها وإمكانياتها الطبيعية، وعدا ذلك فإننا سنتحدث لأطفالنا في المستقبل عن شيء كان يسمى ربيعا، وسنضطر لأن نستخدم الصور القديمة لنشرحه لهم، كما أننا نستخدم نفس الصور لندلل كم كانت مدننا نظيفة وجميلة في الماضي.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com