الأربعاء، 27 مارس 2013

سوق الخضار وسوق الأنتيكا في عمان


صورة


وليد سليمان - زميلنا سليم أيوب قونه المتخصص بالكتابة باللغة الإنجليزية عن عمان الشعبية : ناسها وحكاياتها وأماكنها الحميمة بالأشواق والحنين ، أهدانا هذه الصورة التي كان قد إلتقطها في عمان بكاميرته الشخصية القديمة عام 1963 ، حيث يظهر فيها المدخل الرئيسي لسوق الخضار المعروف والواقع ما بين شارع طلال وسقف «سيل عمان» ..وفي الصورة نشاهد أيضاً سوق الأنتيكا الواقع على جانب السيل ،والذي أصبح يُعرف حديثاً بسوق خان الخليلي .
وخان الخليلي في عمان للأدوات والخردوات المستعملة والستوكات يتم الدخول إليه بواسطة نزول عدة درجات لنمشي فيه في ممرٍ طويل تتواجد على جانبيه العديد من المحلات المتخصصة ببيع تلك الادوات والقِطع والاجهزة ..وكأن هذا السوق يقع تحت الارض بسبب عُلو البنايات الشاهقة من جانبيه حتى لا تكاد ترى السماء !! .

سوق خان الخليلي
والشخص المتجول هذه الايام في سوق خان الخليلي سيلاحظ المتاجر المتنوعة بعرضها لمستلزمات البيوت الكثيرة جداً مثل: الزرافيل والمفاتيح والسُكرات ..وكذلك أدوات الحدادين والنجارين ،وآلات وأجهزة طباخات الغاز وقِطعها ،ووكذلك آلات خلاطات الفواكه والاطعمة وأجزائها ودِرلّات حفرالخشب والحديد وأدوت وأسلاك الكهرباء والأدوات الصحية كالحنفيات وما يلزم الحمامات ثم بوابير الكاز وتصليحها والصوبات وقطعها وهنالك أيضاً محلات للتحف الشرقية القديمة من النحاسيات والخزف والمواد والانتيكا الكثيرة .. وما يلزم الثلاجات والاجهزة الكهربائية الاخرى .. الخ ثم هناك مقهى شعبي قديم كان في السابق مطعماً يسمى بمطعم الشعب !! .

الحلاقة الشعبية
وقديماً ... كان هذا السوق المكشوف كما في الصورة القديمة يُشرف بمحلاته من جهة واحدة على وادي ومنطقة سيل عمان ،حيث أمام محلاته يتواجد بعض الحلاقين الشعبيين لشعر الرأس الذين يحلقون للرجال و الاولاد في الهواء الطلق , حيث الجلوس على كرسي خشبي والحلاق يضع أدواته القليلة في حقيبة صغيرة أو على صندوق خشبي بسيط ويأخذ بالحلاقة على مرأى من المارة .. ثم تكون أجرة الحلاقة بحدود الشلن أي خمسة قروش أو أقل للأولاد !! وكان بعض الحلاقين البسطاء الحال لا يملكون كراسٍ للحلاقة .. فكان زبونه يقعد على أي حجر كبير أو تنكة فارغة ليحلق بعدة قروش فقط . وهذا ما يظهر جلياً في هذه الصورة القديمة إذ نلاحظ بعضهم وهم يحلقون لزبائنهم وهم جالسون على الكراسي الخشبية الطويلة .. وتبدو أيضاً في منتصف الصورة آلة تجليخ السَّكاكين والمقصات التي اشتُهر بالعمل عليها بعض النجاريين الذين كانوا يتجولون بين مناطق عمان الشعبية وهم يحملون آلة التجليخ ذات العجل الدوار على ظهورهم .. وعند التجليخ يضعونها أرضاً لممارسة عملهم .. ومنهم من كان يتواجد في هذه المنطقة قرب سوق الخضار بجانب السيل .

يمَّا ..اشتريلي
وتأخذنا هذه الصورة وفي القلب لهفة للعودة إلى ذكريات الزمن المليء بالبساطة والتواضع ففي أواخر الخمسينات وأوائل الستينات حيث كنت شبه زبون دائم لهذا السوق الشعبي للخضار ولكن ليس وحدي .. فقد كنت في أواخر الخمسينات وانا ولد صغير أذهب كل عدة أيام مع أمي المرحومة إلى هذا السوق للتبضع حيث نأتي من منطقة رأس العين القريبة مشياً لهذا السوق .. وكانت أمي تحمل معها سلة من البوص الخشبي لوضع الأغراض فيها من خضار وفاكهة وحلوى ... الخ وفي مرات كانت تحملها على رأسها بعض المسافات على ما أذكر !!! ثم بيدها أيضاً .. وأنا مرافقها المدلل الذي لا ينثنى عن طلباته من المأكولات الشهية التي يراها في المحلات .. يمّا بدي هريسة وعوامة .. يمّا بدي فلافل كبيرة محشية .. يمّا اشتريلي كبده.. يمّا يمّا .. وكانت الأم تنصاع في اكثر الاحيان لطلباتي لأني كنت آخر العنقود كما يُقال .
وتوفيت الأم عام 1963 وجاء دور الأب الذي كنت أرافقه لسوق الخضار هذا ..كل يوم جمعة فقط يوم إجازته الاسبوعية فقد كنت وإياه نذهب معاً لشراء الخضار والفاكهة ووضعها في سلة ضخمة يحملها حمّال, وفي طريق العودة أعود أنا فقط معه إلى البيت ليفرغ حمولته وليستريح قليلاً وربما نسقيه الماء أو الشاي مثلاً ثم أعطيه أجرته المتفق عليها . بينما يكون أبي قد أكمل مشواره بالذهاب لصلاة الجمعة في المسجد الحسيني الكبير الذي لا يبعد سوى عدة دقائق مشياً على الأقدام .

مداخل السوق
 ومن سهولة التعامل مع سوق الخضار ا الشهير هذا في وسط عمان القديمة أن له عدة مداخل ومخارج للمتسوقين كانت قديماً ( 8 ) مداخل ومخارج أما الآن فهي ( 7 ) لأن المدخل الذي كان يؤدي إلى سوق -السقط -أي الاطراف والكرشات الواقع تحت هذا السوق في طابق سفلي قد ألغي منذ حوالي ( 15 – 20 سنة ) وبذلك فقد ظلت المداخل الاخرى تتوزع كالتالي : ثلاثة منها جهة شارع الملك طلال ومدخلان من جهة شارع حمام النصر أوجسر الحمام , وثلاثة مداخل من جهة شارع سقف السيل .
والمتجول في هذا السوق يشعر بالمتعة والانشراح لرؤيته تلك الألوان والاكوام المتنوعة والمتعددة من الخضار والفواكه من كل لون وصنف وحجم وشكل .. ثم سوف تخترق مسامع أُذنيه نداءات بعض باعة الخضار على بضائعهم , ومنهم من ينافس جاره بائع الخضار الآخر بالنداء بصوت عالٍ كنوع من المباراة أو الدعابة .

خضار زمان !!
ومما أذكر قديماً ان أمي كانت في أيام الصيف وعندما تكثر مادة البندورة ويرخص سعرها كانت تشتري كمية كبيرة لتجفيفها على سطح المنزل بعد تسطيح الحبة إلى نصفين وذلك لنقع بعضها في فصل الشتاء عندما تريد الطبخ واستعمال مادة البندورة .. وفي مرحلة متقدمة صارت ونساء الحي يشتركن بطبخ البندورة لعمله مية بندورة أو رُب البندورة .
أما المواد الاخرى والتي كانت تشتريها لتجففها صيفاً لاستعمالها شتاءً فهي البامية الخضراء التي تشكها في خيط ملاحف وتعمله كقلادة ليجف في الشمس وكذلك الميرميه والملوخية والبابونج .. الخ . وكان قديماً لرائحة تلك الخضار الطازجة نكهة جذابة وطعم شهي لذيذ كالبندورة والخيار و المشمش والخوخ بعكس هذه الأيام التي تراجعت نكهات تلك الخضار والفواكه ربما بسبب أنها أصبحت شبه صناعية من سقي الماء والأسمدة , عكس المنتوجات القديمة البعلية!!. ويتميز هذا السوق أيضاً وما زال بكثرة باعة اللحوم والضأن والماعز والعجول والجمال والدجاج المذبوح والاسماك والكبدة والقوانص . الخ .. ثم هناك عند مداخل أخرى للسوق من جهة شارع الملك طلال ..حيث ما زال يتواجد صباحاً باعة الطيور البلدية الحية كالدجاج والحمام والزغاليل والبط والديوك والبيض البلدي والسمك الحي .. وهناك باعة الخضار الورقية الطازجة على أرصفة شارع طلال عند مداخل السوق الذين يعرضون ويبيعون الخبيزة والعكوب والحويرنة والهندباء والشومر والبقدونس والنعنع والريحان وباعة الأرصفة هؤلاء اكثرهم من النساء الفلاحات وذلك منذ حوالي نصف قرن !! .

ترانيم الباعة
واذكر من نداءات وترانيم وصراخات بائعي الخضار والفاكهة بهذا السوق قديماً تلك العبارات اللطيفة والجذابة ومنها مثلاً :
-    ريحاوي يا موز .. أبو نملة يا موز .
-    خليلي يا عنب .
-    سلطي يا تين .
-    حبش يا ملوخ – ملوخية - .
-    عالسكين يا بطيخ .. احمر ومليح يا بطيخ .
-    أصابيع البوبو يا خيار – وتلك العبارة استعملت فيما بعد منذ سبعينات القرن الماضي !! .
-    يا أبو عبد الفتاح .. طاح العنب طاح .
-    حرير يا دوالي .. يا دوالي حرير ... الخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com