الجمعة، 29 يونيو 2012

أعباء الحياة تجعل الأزواج يميلون إلى تنظيم النسل


منى أبو صبح

عمان- الظروف الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع هذه الأيام، تحتم على الكثير من الأسر، إعادة ترتيب أولوياتها، والانضمام إلى أصوات الجمعيات ومراكز الأمومة والطفولة وأصحاب الاختصاص لتنظيم الأسرة، والتقليل من أعداد المواليد.
فهذا عماد مزين (42 عاما)، الذي يتحمل أعباء إعالة أطفاله الستة، يواجه صعوبات كثيرة في الحياة، "فالظروف المعيشية ترهقني وتجعلني أعمل ليل نهار، فراتبي لا يكفي أبدا لتأمين المتطلبات من تعليم ومواصلات وغيرها"، وفق ما يقول.
ويرى أنه لو كان عدد أفراد أسرته اثنين أو ثلاثة فقط، لتمكن من القيام بواجباتهم من الرعاية والاهتمام على أكمل وجه، مبينا أن إنجاب ستة أطفال، أدى لتقديم زوجته استقالتها حتى تتفرغ لتربية الأبناء، وبالتالي انعكس سلبا على الوضع المادي لعائلته.
ويرى مختصون أن الإنجاب العشوائي لأفراد العائلة فوق حدود الدخل، يمنع بصورة مطلقة توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة، ويؤدي إلى حرمان الفرد من أبسط مستحقاته، لذا يجب تنظيم النسل.
أستاذ علم الاجتماع في الجامعات الأردنية د.سري ناصر، يشير إلى أهمية إصرار المجتمع على الأسرة في الحد من المواليد، لأن كل مولود بحاجة إلى رعاية وطاقة ليصبح فعالا في المجتمع.
ويضرب مثلا لما يحدث في مصر من مشاكل بسبب أعداد المواليد الكبيرة التي تطغى على التنمية، "فإذا لم تقم المجتمعات العربية بإيجاد معادلة في تنظيم النسل، فالعالم العربي لن يستطيع أن يواكب التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، وفق قوله.
وتضع الزيادة السكانية، بحسب ناصر، ضغطا كبيرا على المصادر الموجودة في المجتمع، ما يجعل الحياة أكثر صعوبة، مؤكدا أنه من الضروري أن يكون تنظيم النسل ليس على المستوى الوطني فحسب، بل على المستوى الفردي.
تقول وفاء عمران (38 عاما) ولديها ثلاثة أبناء، "اتفقت مع زوجي لوضع حد لعدد الأولاد حتى نستطيع تأمين متطلباتهم الحياتية"، معتبرة أن ظروفها كموظفة لا تسمح لها أن تنجب عددا كبيرا من الأولاد، إلى جانب أن المرأة عندما تعتمد المباعدة بين الولادات، تكون صحتها جيدة، كما أن تعرضها للأمراض يكون أقل، وتحافظ على رشاقتها أكثر.
واتفقت عمران مع زوجها على أن هذا العدد يعد المثالي لتكوين أسرة حديثة؛ إذ يسعيان للقيام بواجبهما على أكمل وجه، ليأخذ كل طفل حقه في الرعاية والتعليم.
فريال مسعود (26 عاما)، التي تزوجت حديثا، تنوي مع زوجها تأسيس أسرة مكونة من طفلين فقط، حتى يتمكنا من تعليمهما وتنشئتهما بالشكل المطلوب، "فزوجي متعلم ومتفهم للأمر، وظروف الحياة الاقتصادية تتطلب التفكير بهذه الطريقة، فسعادة الآباء تكمن بنجاح الأبناء وتفوقهم في الحياة، وهذا يتحقق من الرعاية وتوفير متطلبات الحياة"، وفق قولها.
وتشير مسعود إلى ارتفاع مستوى البطالة ومحدودية فرص العمل، بالإضافة إلى تخمة سوق العمل بالشهادات الجامعية بسبب محدودية الفرص المتوفرة في القطاع العام، "لذا فإن عملية تنظيم الإنجاب والاكتفاء بطفلين ضرورة للفرد والمجتمع" بحسب ما ترى.
ويرى أستاذ الشريعة الدكتور منذر زيتون "أن تنظيم النسل لا يمانعه الدين على الإطلاق، وهناك نصوص شرعية تشير إلى استحباب تنظيم الولادات، والشريعة الإسلامية لا تحبب عدم الإنجاب أو تحديده، وهذا لا يعني الإنجاب بصورة مستمرة".
ويؤكد أنه "يجوز للزوجين إمكانية إيقاف الإنجاب بناء على الظروف بعد ثلاثة أو أربعة أطفال، ولا يجوز تحديد العدد قبل الزواج أو بدايته، كما يحدث في بعض الدول التي تحدد طفلا لكل عائلة".
ومن إيجابيات تنظيم النسل العناية بالمرأة، بحسب زيتون، وعدم إرهاقها بالحمل والولادة وشعورها بالحياة، حرصا على صحتها البدنية والجسدية، وإعطاء الفرصة لنيل المولود حقوقه في العناية والرعاية، وتنظيم الأسرة نفسها في تأمين مصاريف الطفل واحتياجاته بيسر وسهولة.
الخمسينية أم بهاء، التي أنجبت تسعة أطفال، مع أنها تؤمن أن الطفل يأتي ورزقه معه، إلا أنها تعتبر أن الظروف الحياتية اختلفت عن السابق، "فالمتطلبات كثيرة، ولا تستطيع المرأة الآن إنجاب عدد كبير من الأبناء"، بحسب رأيها.
وتنصح ابنتيها المتزوجتين بضرورة تنظيم النسل، وهذا ينبع من شعورها ويقينها بأن تنظيم النسل، وإنجاب عدد مناسب من الأبناء، يكفل رعايتهم وتعليمهم بشكل أفضل.
وتشير طبيبة النسائية والتوليد د.وفاء محسن، إلى أن المباعدة بين الأحمال، تساعد على إرجاع جسم المرأة كما كان قبل الولادة، وتفيد صحتها وسلامة الجنين الآخر.
وتستطيع المرأة تنظيم الإنجاب باستخدام حبوب منع الحمل أو اللولب، بحسب محسن، ومن الاعتقادات الخاطئة أن الوسائل قد تسبب العقم؛ لأن خصوبة المرأة ترجع بعد ستة أشهر من إيقاف استخدام الموانع.
ولا تنصح بالإنجاب بعد الخامسة والثلاثين، إلا إذا تم الزواج في سن متأخرة، كما أن كثرة الإنجاب تؤثر سلبا على صحة المرأة، وعلى العظام ومخزون الفيتامينات في الجسم، وتعمل على ترهل عضلات البطن.
وتؤكد الاختصاصية الأسرية والإرشاد التربوي سناء أبوليل، أن التنظيم الإنجابي يحقق نتائج إيجابية، فكل طفل سيأخذ احتياجاته النفسية والمادية، ويحظى بالرعاية والاهتمام من الوالدين، حيث تتمكن الأسرة حينها من غرس القيم والأخلاق في نفوس الأطفال منذ الصغر.
"ومثل هذه الأسر تخرج لنا نوعية أبناء فعالة في المجتمع، بطريقة تفكيرهم، حيث يمكن أن نرى بعض الأطفال يتحدثون كالكبار، فهذا رقي في التربية والتعامل مع الآخرين"، وفقا لقولها.
وتؤكد أن الأطفال عندما يأخذون حقهم في التربية، تكون لديهم القدرة على التكيف الاجتماعي، لأنهم أخذوا حظا وافرا من العناية والرعاية، وليس لديهم نقص في ناحية ما، إلى جانب إمكانية وسرعة معالجة الخلل داخل الأسرة إذا حدث مع قلة العدد والتنظيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com