الجمعة، 29 يونيو 2012

الألعاب القديمة: أساطير وعادات وتقاليد


نيقوسيا - بين القصص الخيالية والهدنة العسكرية التي أنبتت سلاما وتنافسا شريفا ترتبط بداية المباريات الرياضية أو كما تسمى "الألعاب الأولمبية" التي كانت تمتحن القوة والمرونة والسرعة لدى المشتركين. والتي كانت تجرى في مدينة أولمبيا إحدى المدن الإغريقية القديمة - بأساطير خيالية وروايات رائعة كثيرة، تستمد من أفقها الواسع وفروعها المتشعبة جوانب الحكمة والطرائف في آن واحد.
ومنها ما كان يروى عن ان زيفس إله السماء قاتل والده كرون إله الأرض قتالا مريرا حتى انتصر عليه وصار السيد المطلق للأرض والسماء... وكلل انتصاره بإقامة أعياد كانت تجري خلالها الألعاب الرياضية التي أطلقت عليها تسمية "الألعاب الأولمبية القديمة".
وذكرت رواية ثانية إن هيراكلس هو مؤسس الألعاب الأولمبية بعد انتصاره على القيصر الظالم والبخيل أفغي... وتعود الشهرة له كمؤسس أول أطلق على المناسبة اسم "أولمبية"، وحافظ على تقاليدها وإقامتها كل سنة خامسة؛ لأنه هو وأخوته كان عددهم خمسة.
ومن الأساطير الشعبية الشائعة في ذلك العصر يقال إن القيصر الاليادي اوتوماوس أخبر بواسطة الآلهة بأنه سيقتل علي يد صهره زوج الأميرة هيبوداميا، والتي تقدم لها خطاب كثر نظرا لجمالها وفتنتها... لكن القيصر الشجاع اقترح على كل متقدم لخطبة ابنته إن يبارزه في سباق العربات على الأحصنة الأربعة، وشروط المبارزة كانت قاسية جدا. إذ إنها تتيح للخطيب الزواج من الأميرة وتتوجه قيصرا في حال انتصاره... ويقطع رأسه فورا في حال هزيمته.
وتمكن القيصر اوتوماوس من تزيين قصر الأمير برؤوس ثلاثة عشر من الخطاب المنهزمين... كيف لا وخيوله كانت هدية من إله الحرب لذا فان انتصاره مؤكد لا شك فيه. غير ان الخطيب الرابع عشر الملك بيلوبس تفوق في المبارزة، وفي نهاية السباق انقسمت عربة القيصر بخروج إحدى عجلاتها وكانت على سرعة عالية أودت بحياة القيصر وتحققت الأسطورة.
واحتفالا بالنصر والزواج أقيمت المهرجانات وتخللتها المباريات الرياضية، إذ أصبح بيلوبس سيدا على مقاطعة الالياد بما فيها أولمبيا، وقرر تخليدا للمناسبة إقامة الألعاب مرة كل أربع سنوات وحدد مكانا لها بجوار مدينة أولمبيا في أكبر شبه جزيرة يونانية سميت بلوبونيز تيمنا باسم القيصر المتوج.
وهناك بعض الروايات قيام الأعياد الرياضية إلى تحالف حصل بين ايفينوس ملك ايليس وكليوستينس ملك بيزا وليكورغوس ملك اسبرطة. إذ إن اليونان كانت تعيش النزاعات والصراعات الداخلية بين مقاطعاتها، وجاءت "الألعاب المقدسة" لتوقف الحروب طيلة مدة إقامتها. ومن الإثباتات الملموسة وجود نص عن المعاهدة التي حصلت وقتذاك بين القادة المذكورين على صحن من البرونز حفرت عليه بنودها، ومحفوظ حتى تاريخه في متحف أولمبيا.
وجاء في أحدها "أولمبيا مكان مقدس، من يتجاسر على دخوله وسلاحه في يده، يكون قد انتهك حرمته".
وأقيمت الألعاب القديمة الأولى العام 776 قبل الميلاد، لكن يرجح تنظيم مباريات رياضية محدودة في أولمبيا قبل ان تستقطب متنافسين من المقاطعات اليونانية القديمة.
وحددت مدة العيد الأولمبي، كما كان يسمى، بشهر واحد يبدأ مع اكتمال القمر في آخر شهر من فصل الصيف، ويحتفل فيه كل 1416 يوما، وهو الرقم الذي يؤلف السنة الأولمبية في اليونان القديمة... خلال " الشهر المقدس".
تسود قوانين محدودة، فيعلن السلام المقدس وتتوقف أشكال الحروب والمنازعات كلها على اختلافها. ويلتقي أعداء الأمس في الساحات الرياضية يتصارعون، يتبارزون بروح رياضية، متنافسين على ألقاب الشرف: الأقوى - الأسرع - الأعلى.
وكان اجتياز امتحان القبول للمرشحين للتنافس في الألعاب عملا شاقا، إذ لا يكفي إن يكون المرشح حرا أي مواطنا يونانيا؛ لأنه كان يحظّر على العبيد أو البربري بالاشتراك - بل عليه اجتياز مرحلة تحضير لا تقل مدتها من 10 إلى 12 شهرا يمثل في نهايتها أمام لجنة امتحان من الالياديين الصارمين... بعدها يخضع الناجحون لتأهيل جديد لمدة شهر.
وكانت النزاهة أهم صفات المتبارين، فإذا ضبط أحدهم بجرم الغش يدفع الثمن غاليا. وإذا انتهت الألعاب وأعلنت النتائج ثم تبين الغش يجرد المخالف من اللقب ويعاقب جسديا بقسوة، ويفقد حقوقه المدنية.
وتضمن برنامج الألعاب القديمة مباريات الساحة والميدان (ألعاب القوى). فهناك الجري من المرحلة الواحدة وطولها 192،27 م حتى سباق ألـ 24 مرحلة (نحو 5 كلم).
والوثب الطويل ورمي الرمح ورمي القرص والمصارعة وسمي مجموع هذه المنافسات بـ "الألعاب الخماسية" (بنتاتلون)... والمميز إن الرياضي في حالة الجري أو الوثب كان عليه إن يحمل في يديه ثقلين من الحديد أو الحجر لاعتقاده بانهما يساعدان في زيادة السرعة والوثب الأبعد.
ولم يكن للمرأة دور في الألعاب القديمة، حتى انه حرح عليها مشاهدة المباريات. وكان جزاؤها الموت لو حضرت بشكل كمتفرجة فقط ربما لان المشاركين كانوا يتبارون عراة. لكن كان للنساء الحق في امتلاك عربات وخيول وإشراكها في الألعاب.
ومن النوادر الملفتة بعض العادات التي اتبعت في دورات معينة، مثلا في الدورة الـ 65 ( 520 ق.م.) فرض على المشاركين في ألعاب القوى أن يكونوا مدججين بأسلحتهم كاملة.
ميزت الألعاب ألـ 37 (632 ق.م .) بمشاركة الشباب الذين تقل أعمارهم عن العشرين سنة. وسمح لهم في خوض سباقات الجري والمصارعة وبعدها في الألعاب الخماسية. وبعد 12 عاما، باتوا يشاركون في مصارعة اللكم.
وكانت الألعاب مقتصرة على يوم واحد، وامتدت إلى ثلاثة أيام في الدورة الـ 77 (472 ق.م.)، فضلا عن يومين يحتفل فيهما بتتويج الأبطال. وهكذا أصبحت مدة الألعاب خمسة أيام.
وشارك بعض عظماء ذلك العصر ومنهم: المؤرخ هيرودوث والناشر الخطيب ديموستين والفيلسوف سقراط، وعالم الرياضيات بيتاغور الذي توّج في المصارعة، والكاتب الأديب لوقيان.
وكان الأبطال المنتصرون يتوجون أمام معبد زيفس بغصن من الزيتون يقطع بمقص ذهبي من الحديقة الإلهية.
وأدخلت لعبة البونكراتيون (المصارعة الحرة واللكم حتى القضاء على الخصم) في الدورة الـ 23 التي أقيمت سنة 688 ق.م. واعتمدت مباراة الفروسية في الدورة الـ 25 (680 ق.م.) ، لكن الفوز كان للعربة وليس للفارس الذي يقودها... وفي الدورة الـ 33 (648 ق.م.).
ولم تتوقف الألعاب الأولمبية حتى بعد استيلاء الرومان على الأراضي الاليادية... وفي خلال 1168 سنة أقيمت 293 دورة إلى ان حان العام 394 وأمر الإمبراطور تيودوس الأول بوقفها ومنع الاحتفالات الدينية... وهدمت لاحقا الملاعب والأمكنة الرياضية والأبنية والمنشآت وأتت هزتات أرضيتان قويتان العامين 522 و 551 على مدينة أولمبيا بأكملها.
وفي نهاية القرن التاسع عشر تمكّن علماء الجيولوجيا والآثار من تحديد معالم مدينة أولمبيا القديمة، وعملوا على إحياء بعض الأقسام والأمكنة الرياضية منها. - (ا ف ب)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com