الجمعة، 9 مارس 2012

الأرقام أداة سيكولوجية في خدمة الإنسان


مدني قصري
عمان- علم الأرقام ودلالاتها علم قديم قدم تاريخ الكتابة. فهو أداة سيكولوجية قوامها الطاقة، لمعرفة الذات، إذ تكشف لنا عن قوانا، وضعفنا، وطاقاتنا الكامنة، وتجعلنا نكتشف طاقاتنا السلبية التي تحدّ رؤيتنا وإمكاناتنا، وتكشف عن مخاوفنا، وكآباتنا، وشكوكنا، وتبعيتنا.
 عمليًا تستعمل الأرقام ودلالاتها في معرفة ما سيأتي من أحداث، وفي تحديد طباع الأفراد وحالتهم الصحية، وكذلك في إيجاد حل لمشكلة شخصية أو مهنية. 
في هذا الشأن يؤكد اختصاصيو علم الأرقام الغربيون ارتباط دلالات الأرقام بمعرفة أسرار الذات، وبدوافع الآخرين. فمن هنا كان علم الأرقام هو علم معرفة الإنسان بواسطة الأرقام. وعلى من تهمه أسرار الأرقام أن يفتح كفّيه: سيكتشف أن كفه اليمنى تحمل رقم 18 (أي 9)، وأن كفه اليسرى تحمل رقم 81 (أي 9).
 ذلك يعني أن للأرقام دلالاتها الخفية في حياة الإنسان. اختصاصيو دلالات الأرقام متفقون، على أنه كلما عرفنا كيف نطبق لغة الأرقام على حياتنا اليومية أدركنا أن المستقبل ليس ثمرة من ثمار الصدفة. حيث إن دراسة دلالات الأرقام وعلاقتها بالحروف تكشف لنا أسرار ذواتنا، وطاقاتنا الكامنة، ودوافعنا الدفينة.
 علم الأرقام يتيح لنا التعرف على الخطوط العريضة لأقدارها على نحو ما هي مسطرة عند ولادتنا. فهو يستند إلى القوة الارتجاجية للأرقام، ومن ثم يتيح لنا بأن نفهم ذواتنا، ونفهم الآخرين بشكل أفضل. ففي هذا العلم كل شيء له حسابه: تاريخ الميلاد، وكذلك الحروف التي يتشكل منها اسم ولقب الفرد. دراسة الأرقام تعلمنا إذن كيف ندير حياتنا بكامل حريتنا، لأنه من الخطأ الاعتقاد أن كل شيء ثابت ولا متغير. ومثل هذه الحقائق هي ما نكتشفه في كتاب الباحث العربي الأردني الدكتور أحمد أبو الرب "أسرار الأرقام في حياة الإنسان"، الذي نقرأ في مقدمته "حظي علم الأرقام منذ القدم باهتمام كبير، فقد كان العالم الرياضي اليوناني المشهور "فيثاغورس" شديد الاهتمام بعلم الأرقام، وبكيفية نشوء الأعداد".
 وقد نقل عن جاليليو، عالم الرياضيات قوله "إن الطبيعة كتاب مكتوب بلغة الأرقام". فحول هذا الموضوع تدور فصول كتاب الباحث، إذ يقول "إن الديانات السماوية تضمنت إشارات كثيرة تتعلق بالأعداد ومدلولاتها، فقد جاء في سفر الرؤيا، الإصحاح الثالث عشر، الآية 18 "هنا الحكمة، من له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد الإنسان، وعدده ستمائة وستة وستون (666) التي يكون الناتج فيها 9"، ويمثل هذه العدد الأرقام التسعة التي بنى عليها الإنسان كل حساباته، والعدد 9 كما يذكر سفر الرؤيا هو عدد الإنسان، وهو عدد آدم عليه السلام، والرقم تسعة هو رمز المادة. وقد ورد هذا الرقم كثيرا في القرآن الذي شمل كل وجوه الإعجاز. لذلك يدعونا الباحث لتأمل الرقم 9 في حياة الإنسان: "عمر الجنين في بطن أمه تسعة شهور، ومتوسط درجة الحرارة في جسم الإنسان 36 درجة مئوية ( 36 من مضاعفات 9). وأجهزة جسم الإنسان 9، ومنافذ جسم الإنسان 9 أيضا، إلخ. هل كل هذه الأشياء جاءت بالصدفة؟ العلم يقول لا توجد صدفة في علم الأرقام، فالإنسان رقم وحرف، وقد دلل الباحث على ذلك بأمثلة كثيرة في كتابه. وللأرقام أيضا صلة وثيقة بالحروف. هذه الصلة تناولها الباحث بكثير من التوسع والدقة، وأورد فيها أمثلة عديدة من العلم، ومن القرآن، ومن مصادر علمية أخرى. "يقال إن أساس الترتيب الأبجدي ترتيب سرياني نزل على آدم وإدريس ونوح وموسى وعيسى عليهم السلام. وقد استخدم رجال الدين اليهودي الأرقام في حساباتهم وتنبؤاتهم، واستخدمها المسلمون ولا سيما المتصوفة، ومنهم ابن عربي، لحساب الجمل في التاريخ والوفيات والأبنية وغيرها. فضلا عما أورده الباحث في كتابه من آيات قرآنية كثيرة تحمل أرقامًا ذات دلالات عميقة، كما خصص فصولا كثيرة لعلاقة الأرقام والحروف بطبع الإنسان وأمراضه، ومواهبه واستعداداته، ومستقبله، وبيّن أن للرقم والحرف تأثيرا لا شك فيه على الإنسان، وتحدث كثيراً عن اختيار الأسماء وأهميتها في حياة الفرد، وأورد في هذا السياق أمثلة كثيرة عن ظاهرة تغيير الأسماء في الجاهلية. فقد ذكر العقاد في كتابه "عبقرية الإمام علي "أن عليا كرم الله وجهه، عندما ولدته أمه فاطمة بنت أسد أسمته "حيدرة"، باسم أبيها "أسد"، والحيدرة هو الأسد، ولكنّ أباه سمّاه عليّا، وبه عُرف واشتهر بعد ذلك. وأورد الباحث كذلك أمثلة من صميم الإسلام، ومنها ما جاء في رواية في صحيح البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم غيّر اسم عاصية، وقال "أنت جميلة". كما ذكر الباحث أمثلة عن ظاهرة تغيير الأسماء في العصر الحديث أيضا، مبينا مدى تأثير ذلك في تغيير طباع الناس، وأهمية العمل على اختيار الأسماء لما لها من صلة وثيقة بشخصية الفرد، ومصيره، وعلاقاته بالآخرين، وفي اختيار الشريك، والعمل، والمهنة، وما إلى ذلك. 
تضمن كتاب الباحث عشرين فصلا، خصص الفصل الأول منها للتعريف بلغة الأرقام، وخصص الفصل الثاني لتوضيح خصائص أرقام الحروف وما يربط بينها من علاقة وثيقة. فيما خصصت باقي الفصول للتعريف بالصفات العامة للأرقام من واحد (1) إلى واحد وثلاثين (31)، وخصائص كل رقم، الإيجابية منها والسلبية، حيث تطرق إلى دراسة علاقة الإنسان بهذه الأرقام وتأثيرها عليه. وقد أورد في هذا السياق أمثلة كثيرة من القرآن الكريم والحديث الشريف، ومن حياة الأنبياء والرسل عليهم السلام، وأمثلة من التاريخ القديم والحديث. ففي الفصل الخاص بالرقم 13، مثلا، تناول المؤلف أمثلة طريفة عن سر خوف معظم الناس من الرقم 13، ومن الأمثلة الطريفة التي ذكرها في هذا الصدد ما يعانيه الأميركيون اليوم من تشاؤم من الرقم 13 إذا وقع هذا الرقم يوم جمعة، وذكر ما أوردته بعض الدراسات من أن الشركات الأميركية تخسر كل يوم جمعة رقمها 13 في أي شهر حوالي 750 مليون دولار، لعزوف الناس عن التسوق أو السفر في يوم 13 إذا وقع يوم جمعة.
 هذا وقد تناول الباحث دلالات رقم 13 في القرآن الكريم وارتباطه بالعدد 114 وهو عدد سور القرآن الكريم. كما بين الصفات الإيجابية عند الفرد الحامل للرقم 13 مؤكداً أن صاحب هذا الرقم يكون راجح العقل، وصاحب قوة وسلطان، ويسعى دائماً نحو الأفضل. هذا مع الاشارة إلى أن الرقمين 11 و22 يتمتعان بارتجاجات أقوى من باقي الأرقام، ويشيران إلى أن حاملي هذين الرقمين يمتلكان طاقات قوية يجب أن يضعوها في خدمة الآخرين. 
وهذا ما يتفق فيه باحثنا مع كافة علماء الأرقام في الغرب. ففي الغرب أضحت تطبيقات علم الأرقام عديدة ومتنوعة. فعلم الأرقام صار مستعملا على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأميركية، في توظيف العمال في المؤسسات، وفي التوجية المهني، وفي تنمية المهن، والتوجيه التربوي في المدارس والمعاهد. فضلا عن استخدام هذا العلم في اختيار اسم منتج من المنتجات المختلفة، أو في اختيار اسم شركة، أو اختيار شريك في مؤسسة، أو شريك الحياة. أما دراسة الحالة الصحية بواسطة علم الأرقام فقد بدأت تفرض نفسها بالفعل في المجالات الطبية كمُكمل للتشخيص الطبي. ويبدو أن النتائج في هذا الحقل مشجعة للغاية، لكنها ما تزال غير كافية. ففي فرنسا وكندا، مثلا، ظهر علم الأرقام منذ عهد قريب، فبعد أن كان مجرد "موضة" فهو الآن يفرض نفسه، وينتشر في كافة الميادين المذكورة، كمنهاج فعال وعملي وسريع. 
إن علماء الأرقام في الغرب يؤمنون، بامتلاكهم لأسرار هذا العلم، أنّ بحوزتهم اليوم الوسيلة الصارمة التي تقودهم إلى الحقيقة التي كثيرا ما لا يصلون إليها بوسائل العلم الأخرى المعروفة. ولذلك يجب أن ينظر إلى هذا العلم بما يستحقه من عناية واحترام. وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن كل رقم من الأرقام يحمل في آنٍ مضمونا إيجابيا وآخر سلبيا، أو بالأحرى أنه يبثّ ارتجاجات إيجابية وسلبية على السواء، ويعني ذلك أنه إذا كانت كل أرقامك الخاصة أرقاما يفرضها عليك اسمك الشخصي واسم عائلتك، وتاريخ ميلادك فأنت في المقابل حر في أن تعيش هذه الأرقام إيجابا، أو أن تعيشها سلبا! لأن الأرقام تهيئك من دون أن تفرض نفسها عليك! شريطة أن تفهم دلالاتها !
هكذا يعود علم قديم قدم التاريخ، إلى الظهور من جديد، ليغير أحوال الناس نحو الأفضل، متحديا بذلك الكثير من العقلانية العلمية التي كانت سببا، على مدى قرون من الزمن، في طمس أصول هذا العلم الذي كان في يوم من الأيام أداة عملية فاعلة بين أيدي الفلاسفة والحكام والحكماء والباحثين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com