الأربعاء، 28 مارس 2012

سلام على روحك إيها المثقف الشريد

صورة

وليد سليمان - نبيل عبدالله حساين شخصية عمانية شهيرة وأحد مظاهرها التي اعتادت بعض شوارع عمان على التعايش معها يومياً.. حتى اختفى عنها مؤخراٍ في 21/2/2012 حيث انتقل الى رحمة الله.
وكان يلاحظه أهالي وسكان عمان وتجار وسط البلد في قاع مدينة عمان الشعبية منذ أكثر من عشرين عاماً دائم المشي وبيده كتاب ما يقرأ فيه منسجماً وهو يتمتم وكأنه مطلوب منه ان يحفظه ويبصمه غيباً لتأدية امتحان ما في معلومات هذا الكتاب, أو غيره من المجلدات الضخمة الاخرى التي اشتهر بحملها وهو يسير لا يتلفت لشيء سوى للقراءة بشغف واستغراق سواء كان الطقس حاراً أم بارداً!!.
ونبيل هو أحد الشريدين المثقفين الذي هام حباً وعشقاً جارفاً للمشي مع كتبه في وسط المدينة, وبالذات في مناطق ساحة الجامع الحسيني الكبير ومنطقة مكتبة عمان والساحة الهاشمية وشارع الهاشمي وشارع سقف السيل تلك كانت أماكنه الاثيرة لديه يومياً.

لطيف ومهذب
كثيرون يعرفونه عن بعد حيث شكله مميز بضخامة جسده وشعره المنكوش ولحيته البيضاء غير المشذبة وملابسه الرثة وحذاءه شبه البالي البسيط وثوبه العربي الطويل. لم يكن مختلاً عقلياً رغم كل صفاته تلك.. بل كان انساناً مهذباً جداً عزيز النفس.. ولم يكن يقبل أخذ أية نقود أو طعام أو أي شيء من الآخرين.. وكتبه التي كان يقرأ فيها كان يشتريها من ماله المخصص له!!.
ورغم أنه كان قليل الكلام والحديث مع الغرباء – وكأن لسان حاله يقول دعوني بحالي – الا انه كان يسترسل بالحديث مع الآخرين المقربين منه الذين يعتبرهم بمثابة أصدقاء مثلاً.. فقد كان يرد على أسئلتهم الثقافية والمعرفية بكل دقة.. كانوا يسألونه عن آية قرآنية أو سورة فيسترسل بالحديث والشرح عنها بكل معلومات مستفيضة.. حتى كان يحفظ الابعاد والمسافات ما بين الدول والمدن والمعلومات التاريخية والجغرافية العامة أيضاً.
وكان يخاطب معارفه القليلين مبتدئاً حديثه أو طلبه بجملة: (يا استاذ) ويشكر من يستضيفه منهم بكأس شاي مثلاً بجملة: (الله يجزيكم الخير).

شاحنة من الكتب
وعرفنا من أحد المقربين منه والذي كان بمثابة همزة الوصل بينه وبين أهله حيث أوضح عن الكتب التي كان يقرأوها نبيل بما يلي: لقد كان أهل نبيل رحمه الله يخصصون له مبلغاً شهرياً وهو (150) ديناراً بحيث يعطيه منها يومياً (5 دنانير) ليصرف ويشتري لنفسه الطعام والشراب ولدفع أثمان الكتب إما دفعة واحدة أو بالتقسيط من بعض مكتبات عمان وسط البلد.. تلك الكتب التي يقال انه كان يحفظها عن ظهر قلب!!
وعن الكتب التي كان يطالعها نبيل فهي القرآن الكريم والتفسير والاحاديث والمعاجم وكتب اللغة العربية والتاريخية وقصص الانبياء والصحابة والكتب التراثية حتى بعض الكتب المدرسية!!.
هذا ويقال ان الكتب التي اشتراها وقرأها نبيل لو جمعها وبقيت عنده لكانت تتسع لشاحنة كبيرة من الكتب.. لكنه كان كل عدة أشهر يبيع الكتب القديمة بثمن بخس ليشتري غيرها أو أشياء حياته اليومية.
وكان مشهوراً عنه انه يشتري الكتب الضخمة عادة والتي يتراوح ثمنها ما بين 20 – 30 ديناراً.. وعندما توفي مؤخراً كانت لديه عدة أكياس مليئة بالكتب ارسلت الى بعض ذويه هنا في عمان.

سر نبيل
وعن حياة التشرد التي كان نبيل يعيشها في شوارع عمان لم يكن هناك أي سبب منطقي, أو أنه مثلاً تعرض لصدمة قوية ونفسية في حياته!! فكل ما في الامر ان حالة نبيل كانت مجرد مزاج نفسي خاص!! فقد عاش في بلدته السابقة في فلسطين قلقيلية معززاً مرفهاً, ثم انه سافر يعمل مساحاً للاراضي في السعودية.. وعندما رجع الى عمان استسهل حياة البطالة طالما ان النقود تصله من أهله الموسرين الى حد معقول!! لكن هناك من يعتقد بان سبب حالته تلك هو فقدانه لاشقائه الطبيب في اسبانيا والمهندس في السعودية والله أعلم!!.

صديق القطط
وكان من أصدقائه الاوفياء والذين يحبهم كثيراً ويتعايش معهم بكل رقة وحب مجموعة من القطط التي كان يعتني بها في مكانين هما: في منطقة سقف السيل وفي منطقة درج الشابسوغ حيث كان يتردد على هذين المكانين في مداخل بعض الادراج او البيوت المهجورة لينام فيها ليلاً – فلم يكن لديه بيت مستقر ينام فيه!!
وكان نبيل من عشقه للقطط يخصص مبلغاً من مصروفه اليومي الـ (5) دنانير لشراء الطعام للقطط حيث يشتري لها السردين والمرتديلا.. حتى خاطب قطة قبل ايام من وفاته قائلاً لها: تصوري يا فلانة (.....) انك تأكلين سردين الطن الغالي وأنا آكل ساندويتش الفلافل الرخيص!!.

سلام على روحك
ونبيل حساين الذي رحل عن عمر (51) عاما لم يكن متزوجاً وقد انهى الثانوية فقط هذا الانسان المثقف والشريد والمهذب وعزيز النفس وطيب اللسان اقامت له جمعية قلقيلية في عمان عزاء كبيراً ووزعت على روحه الطاهرة الاطعمة والصدقات.. فالى جنات الخلد ايها النبيل والمثقف النادر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com