الجمعة، 16 مارس 2012

الضحك: نور ساطع يضيء الحياة

 

مدني قصري
عمان- يقول جاك ديبيرن (وهو من مؤيدي التقارب بين التقاليد الشرقية والغربية) بأن أسطورة الغرال Graal، تروي أن ابنة الملك كانت جميلة جداً، كما كُنّ جميلات كل أميرات الحكايات الشعبية التلقينية. لكنّ هذه الصبية، ابنة الملك لم تكن تضحك أبداً. فلِمن سيزوّجها أبوها، وهو واحد من الحكماء؟ بالطبع سيزوّجها لحكيم مثله! ومَنْ هو صاحب الحظ تُرى؟ إنه الرجل السعيد الذي يعرف كيف يرسم الابتسامة على شفتيها، ويبسط أساريرها".
وفي الضحك يقول المغني الفرنسي شامفور "إن أسوأ يوم في العمر هو اليوم الذي لا نضحك فيه". وأما المثل الهندي القديم فيقول: "إن الشاب الذي لم يبكِ قط هو رجلٌ متوحش، والعجوز الذي لم يضحك قط رجل لا عقل له!". 
 إن الضحك يُحدث فتحةً في الحواجز العصبية، ويُزيح السُّحب القاتمة التي تحجب الأفكار النيّرة، ويكشف في لمح البصر عن نور ساطع، مثلما يحدث عندما نشاهد من على الطائرة سماء زرقاء صافية فوق سماء رمادية ملبدة. لذلك ليس غريبا أن تعني كلمة Yele في لغة قبائل البامباراس الإفريقية "ضحِك" و" فَتَحَ " معا".
يروي المؤرخ اليوناني بلوتارك Plutarque أن الفلاسفة اليونانيين الذين كانوا يرافقون ألكسندر الأكبر، كثيرا ما كانوا يواجهون في طريقهم نُسّاكاً هنوداً فيلقون عليهم أسئلة، ومنها هذا السؤال: "ما الذي ظهر أوّلا، أهو الليل أم النهار؟"، فيجيب أحد هؤلاء النسّاك قائلا: "إنه النهار، لكنه لم يسبق الليلَ إلا بيوم واحد!". هذه الطرفة تعني أن المزاح والحكمة متعايشان منذ العصور الغابرة.
يبدو أن التيبتيين، بوجه عام، هم على الأرجح، أكثر الناس ابتساماً على هذه الأرض. الدالاي لاما Dalai-Lama ، الزعيم الروحي لبلاد التيبت كثيراً ما يُطلب منه التحدث في المناسبات، وهو ما يُقْدِم عليه طواعيةً فيتحدث بكلمات تزيّنها ابتسامات عريضة. لقد أنهى الدالاي لاما حديثه أمام الفدرالية الفرنسية للبوذية التيبيتية (نسبة إلى إقليم التبت الواقع تحت الهيمنة الصينية) ذات مرة بهذه الجملة قائلا: "أما النقطة الأخيرة فهي أنه ينبغي أن تكون عقولنا سعيدة، وأن نُتقن فن الابتسام!". إن الجلاء (الصفاء) الروحي، بمعنى الصحوة عند البوذيين، يرافقه في غالب الأحيان ضحكٌ ذو جوهر متميز يصفه الباحث بليث بـ " ضحك الموافقة المندهش". أليس الحكيم، كما يقول أندريه جيد André Gide هو الذي "يندهش لكل شيء"؟
طرح أحدُ الصحفيين ذات يوم على مصمم الرقصات العالمي موريس بيجار، سؤالا عن أسباب أزمة العالم المعاصر، وعن الحلول التي يمكن أن يقترحها، فأجاب بيجار قائلا: "لا يسعني أن أُقدّم رسالةً في هذا الشأن، أو أقترح حلا، لكنّ ظني أن الضحك مفيدٌ، لأنّ الضحك مُهمٌّ جداً، فالضحك يجعلنا نتنفس...هناك ضحك الطفولة، وهناك ضحك الغبطة، وهناك ضحك الصحة، وضحك السعادة! أليس هذا الضحك هو ضحك الحكيم، وهو الضحك الذي يمكن أن نسميه ضحك الفيلسوف؟"
أما الفيلسوف برغسون Bergson فإنه يرى أن "الضحك حالةُ قطيعةٍ في منطق معين". وأكثر منه قطيعةً فإن الضحك، في رأيي الخاص، مسافةٌ... مسافةٌ محرِّرة (أي تحررنا من قيد معين) تولَد من الاندهاش. ألم يكن الاندهاش مع الشك مصدرَيْ الفلسفة أصلا؟ أما في رأي المفكر جون أومرسون Jean d’Omresson فإن "الآلة التي تحرك التساؤل الفلسفي هي نفسها التي تحرك نوبات الغبطة". إن الضحك في رأي هذا الأكاديمي الظريف والكاتب الهزلي، هو نوع من الفلسفة المُجهَضة".
وفي سياق آخر يخبرنا جاك ديبيرن أن المطبّبين السحرة من قبائل الهنود الأميركيين يفجرّون فورات الضحك حتى يطردوا الكائنات الشريرة (الجن). وأما اليابانيون فهم دائما على قناعة بأن "السعادة تحالف الذين يضحكون"، كما يؤكد ذلك مثلٌ تقليدلي من أمثالهم الشعبية الشائعة، ولذلك فقد أنشأ اليابانيون مدارس خاصة لتعليم الضحك. "فمتى نستفيد نحن من تعويضات التأمينات لتقوية الحجاب الحاجز (العضلة الفاصلة ما بين الصدر والبطن) ومكافحة نقص الفيتامين "بـ12" بسبب نقص الضحك؟" يقول جاك ديبيرن.
"الضحك ينتمي، كما تقول الكاتبة الفرنسية الشهيرة جاكلين كيلين، إلى كرم الكائن البشري وسخائه". لقد أدرك الأطباء النفسانيون منذ بعض الوقت أنهم يستطيعون أن يعالجوا مرضاهم باللجوء إلى الضحك، حتى يُسقطوا المقاومات اللاشعورية. لكن من البديهي أن الضحك لا يمكن أن يحقق الشفاء لصاحبه إلا إذا كان عفويا. والطبيب الناجح هو الذي يعرف كيف يضحك، إذ كيف يمكن لطبيب مكتئب أن يعرف إن كان مزاج مريضه رائقاً؟ أما عن صورة العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين التي يعرض فيها لسانه إلى الناس، فقد سئل ذات يوم ناسك بوذي ما الذي يعرفه عن نظرية "النسبية" فاجاب إجابة ليست إجابة عالم في الفيزياء بل إجابة خبير في النسبية حيث قال: "المرأة الجميلة بهجة في عين عشيقها، وتسلية في عين الناسك، وغذاء في عين الذئب!". وأما الكاتبة الفرنسية فرانسواز جيرود التي ما فتئت تلقّننا دروساً في الابتسام، وهي تطبق جفنيها في كل لحظة، فقد كتبت في دروسها الجذابة عن الحرية تقول: "الحرية... الحرية الحقيقية هي ذلك الفضاء من الحرية الجوانية التي تجعلنا ننظر إلى أنفسنا في لحظات حياتنا، وتجعلنا نضحك في هدوء من أنفسنا". أليست هذه الحرية هي حرية الفيلسوف الكامل؟ وأخيراًً ألا يجدر بنا القول:" أنت تتفلسف فأنت تضحك!".
وأخيرا يقول لنا جاك ديبيرن: "لا بد من أن نقرّ بأن البشر الذين لا يضحكون ليسوا بشرا جادين. فما أسعد الذين يضحكون من كل شيء، ومن أي شيء، ومن أنفسهم بخاصة!"
اكتشف الباحثون مؤخرا أن الطفل الرضيع يبدأ في الضحك بعد مرور 17 يوماً من ميلاده. فالأمر غريزي إذن وبدائي، ويعني ذلك أن كل واحد بوسعه أن يضحك! فإذا كان الطفل يسعه أن يضحك حتى قبل أن يشرع في تعلم الكلام، فإن إحجام الكبار عن الضحك لا يعني أنهم قد فقدوا الطفولة البدائية فيهم! فلا غرو أن تظهر اليوم في الغرب عياداتٌ نفسية لعلاج الأمراض النفسية بالضحك!
وقد صدق من قال: "لا أحد يجهل أن الضحك أفضلُ العلاجات"، فلا يجوز أن ندع فرص الضحك تفوتنا، حتى نهدي أنفسنا ما يفيدها. والأمر، بلا شك، في غاية البساطة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com