الاثنين، 19 مارس 2012

الغــــــش في الامتحانات طريق لدمار المستقبل

صورة

د. كميل موسى فرام - أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
هناك العديد من المظاهر الحياتية التي ترتبط بمواسم وأجواء الامتحانات، ومنها بعض السلوكيات المتعلقة بفواصل التفكير والتي ربما تعطي مؤشرا على ملامح الشخصية المستقبلية للطالب، فالاجتهاد والدراسة الذاتية هما نعمة ربانية يتمتع بهما الطلبة الأذكياء، بينما نجد على الشاطىء الآخر لغدير العلم طلبة يجدفون بقارب البدء بعد أن فاتهم قطار الدرس بالتوقيت في بحر السابق من الأيام الدراسية، وهم فئة تبحث عن مبررات الفشل وضعف التحصيل حتى قبل المحاولة الدراسية والاستعداد للامتحان وضمن بيئة عائلية خصبة بالأعذار كاستحقاق وراثي.
تلك الفئة من الطلاب تفتقر لتحفيز مركز التخطيط الدماغي وتعتمد على أساليب الغش في الامتحانات كوسيلة لتحقيق النجاح خصوصا إذا وجدت بمحيطها البيئة المناسبة لغرس فنونها، والتي ستكون عباءتها بقادم الأيام لتصبح سلوكا حياتيا يخدع مستخدمه ولكنه جزء أساسي من مكونات الشخصية خصوصا لو تسبب بامتحان سابق أو موقف منافس بالاستئثار بقسيمة النجاح لظرف غابر.
الغش بواقعه يمثل احدى مهارات الانهزام والسلبية التي تنخر بضمير الفرد والتي قد تتسبب بمكاسب ظرفية لن يكتب لها الاستمرار والديمومة، وورقة الغش الأولى بالحياة العملية تبدأ كمحاولة بأيام الدراسة المدرسية نتيجة ضعف الاستعداد والشعور بالمسؤولية وتمتد آثار استخداماتها وتطبيقاتها للمرحلة الجامعية والعملية وحتى العائلية لأنها تمثل الجدار الفاصل بين الحقيقة والواقع فتمنع أصحابها من تحقيق طموحاتهم كأقرانهم نتيجة الخلط المسبق بتنمية المواهب بطريقة عشوائية وبتغذية مسبقة من الأهل أحيانا عندما يمارسون مهمة الدفاع عن الأخطاء وتبريرها فيولد الوهم القاتل بداخل الأبناء بصحة سلوكهم والذي سيسبب بركانا مدمرا بالمستقبل.
  استعراض صفحات التاريخ يبين أن هناك محاولات مستمرة لتحديث أساليب الغش بالامتحانات بتسخير واستخدام الوسائل التكنولوجية فتوظف تلك الوسائل بما يناسب الهدف وضمن حدود التفكير بالرغم أن التاريخ لم يعطينا مثلا واحدا لقصة نجاح فردية بدأت ونشأت وترعرت بكنف الغش وأصبحت ذات شأن، ولكن الطبيعة الانسانية التي تميل للانهزام والسلبية أحيانا تحاول التنقيب عن فرص النجاح بحثالة الفكر الميت والذي استسلم لمحدودية الفكر والتفكير، فحصر جهده باستخدام الغش كوسيلة للنجاح والنجاة، واعتماد منهاجية الانهزام التي تغلف أساليب الغش اعتقادا هلامياً بأنها تمتلك مناعة ضد الكشف، فحقيقة ان التخطيط الفاشل يبني بيوتا خشبية على تراب الأحلام، نتيجة الوهن الداخلي الذي يصهر الطموح ويضع سقفا مؤلما للطموح.
الحديث عن الغش ينقلني بقارب التاريخ لسبعينات القرن الماضي ونحن طلبة بمدرسة الحصن الثانوية للذكور، حيث درّسنا مادة الكيمياء معلم موهوب «الأستاذ لطفي العودة أطال الله بعمره» فكان يتركنا بقاعة الصف أثناء الامتحان بدون مراقبة ليعود علينا باليوم التالي بنتائج الامتحان مفصلة بين من استحق علامة عالية بجهد فينال كلمة ثناء ومن استحق علامة مماثلة للغير نتيجة ممارسة فنون الغش وإذا به يعلن أن فلانا قد غش عن فلان وهما يستحقان العقوبة المناسبة إذا لم يثبتا العكس، مما دفعني بجرأة الاستفسار منه عن كيفية اكتشافه الغش بالرغم من عدم تواجده أم أن هناك عيون مراقبة تساعد بالتجسس لنقل الخبر؟ الجواب الذي لن أنساه أن هؤلاء لم يستعدوا للامتحان ومارسوا الغش حتى بالغش بطريقة النقل الحرفي التقليدية فارتكبوا الأخطاء بنفس الدرجة، وربما هناك من مارس فنون الخداع بدون الوقوع في الشباك اليوم، ولكن ذلك بواقعه يمثل عربون سقوط في الامتحان القادم، فالغش وسيلة البناء السريعة التي تفتقر لأسس الاستمرار فسرعان ما تندثر، لأن النتائج دائما تعكس درجة الاستعداد وترتيب الذات والنجاح الدائم يعتبر حكرا واستحقاقا لمن يعرف حدود علمه وقدرته واستعداده لاجتياز الامتحان منذ صفوف الابتدائي وحتى ارتداء ثوب الشيخة والوقار والنجاح بتدرج وتوقيت وعرق جبين يفوق بوقعه نجاح القفز على جهود الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com