الثلاثاء، 11 يونيو 2013

القطيعة بين الإخوة.. حينما تتفكك صلة الرحم


مجد جابر
عمان- لم تكن الستينية عفاف محمود تعتقد أن رابطة الدم والإخوة وطفولتها مع أختها وحياتهما في بيت واحد، وذكرياتهما ستهون عليهما بعد أن مضى عشرة أعوام على مقاطعة كل منهما للأخرى، وانقطاع أخبارهما عن بعضهما".
تقول عفاف "المسافة بيني وبين بيت أختي لا تزيد على عشر دقائق، لكننا منذ عشرة أعوام لا تعرف أي من شيئا عن الأخرى، فالصلات مقطوعة حتى بين أولادنا، والسبب خلاف حدث بعد أن خطبت ابنتي لابنها فلم يتفق ابنها مع ابنتي ففسخت الخطبة لتنشب خلافات بعدها، ومنذ ذلك الحين انقطعت الصلة بيننا".
وتضيف أنها تعود الآن بذاكرتها إلى الوراء وإلى تلك العلاقة الجميلة التي كان يضرب بها المثل، لذلك فهي اليوم حزينة على انقطاع الصلة بينها وبين أختها، إلا أنها تقر بأنها هي من أخطأت في حق أختها، وأنه يجب أن تصالحها.
وتقول إنه في بادئ خلافهما كان الأمر صعبا عليها جداً، خصوصاً وأنهما كانتا لا تفترقان عن بعضهما بعضا، لكن صارت كل منهما إذا رأت الثانية في المناسبات تغادر المكان، وهكذا ومع مرور الوقت زاد الجفاء بينهما أكثر فأكثر إلى أن انقطعت الصلة نهائيا.
عفاف ليست وحدها التي تعاني من القطيعة في عائلتها، فسليمان علي الذي جمعته دوما صلة قوية بأسرته، يأسف كثيرا لأخيه الأصغر الذي انقطعت صلته بأسرته فجأة، بعد أن تزوج من امرأة لا يعرف حتى الآن ما الذي فعلته بعقله حتى يقطع صلته بعائلته.
يقول "مرت السنون وأنا لا أعرف عن أخي الذي كان توأم روحي، شيئا، ولا أبناؤنا يعرفون بعضهم بعضا، حتى لو تصادفوا في الشارع. لقد علمت بزواج أحدهم بالصدفة، من الأقارب والأصحاب" .
ويضيف "ما يزال حتى الآن أحب إخوتي على قلبي، ولا أعرف ما السبب وراء كل هذه القسوة التي صدرت منه، لكن الله يسامحه".
وفي ذلك يرى اختصاصي علم الاجتماع د.حسين محادين، أنه من الواضح أن طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الناس قد اختلفت كثيرا على المستوى الأسري القائم على العلاقات بين الإخوة والأقارب، حيث أصبحت هذه العلاقة التي يفترض أن تكون قوية ارتباطها بعلاقة الرحم دينياً، ضعيفة والسبب الرئيسي لذلك هو ظهور القيم السلبية في المجتمع الأردني التي هي نتيجة الثغرات التي حدثت في المرحلة الأخيرة. وهو ما جعل علاقة الأردنيين مع الأرقام والأموال أقوى من علاقتهم مع الأسرة والأقرباء، فظهر الفهم الخاطئ الذي لا يرى فائدة في أي علاقة لا تقوم على الأرقام، وعلى العائد المادي، الأمر الذي أضعف الإحساس الوجداني عند الناس.
إلى جانب أن التكنولوجيا منحت أفراد المجتمع حرية أوسع، سواء على صعيد المصلحة، أو على الصعيد الوجداني العاطفي، ما جعل الناس أكثر حرية في اختيار الأصدقاء، خارج رابطة الدم، وخارج المناطق الجغرافية التي يعيشون فيها، ومن هنا يأتي الفتور والقطيعة بين أفراد الأسرة التي يفترض أن تكون أكثر تكافلاً. لقد تضاءلت ثقافة التسامح وضعفت، وحلت القطيعة محل التواصل بين الناس.
في حين يرى اختصاصي العلاقات الأسرية أحمد عبدالله أن القطيعة شيء غير صحي على الإطلاق، لأن تفكك الأواصر بين الأهل معناه تفكك صلة الأبناء بعضهم بالبعض الآخر، وما يترتب على ذلك من مشاكل وخلافات.
ويرى أن الأسرة الأساسية هي الضمان لعدم التفكك، مبينا أن القطيعة تكون إما بسبب المال وإما بسبب الأنانية، والعلاقات والمصالح، كأن يكون الأب متزوجا من امرأتين فترفض كل منهما أن يخالط أبناؤها إخوتهم من الزوجة الثانية.
ويرى عبدالله أن ذلك كله يعود لأسباب تربوية، أو أسباب مادية أو اجتماعية، لافتاً إلى أن الزوجة أحياناً تلعب دورا كبيرا في هذه القطيعة بين الأبناء.
ويعتبر عبدالله أنه لا يوجد أي مبرر لأن يقاطع الإخوة والأخوات بعضهم بعضا، أيا كانت الأسباب والدوافع، لأن العلاقة بين أعضاء الأسرة الواحدة هي الضمان الوحيد لعدم تفكك المجتمع.
ويذهب اختصاصي الشريعة، د.منذر زيتون، إلى أن القطيعة عقوبتها في الدين "عظيمة جدا"، فمهما كانت الخلافات ما بين أفراد الأسرة لا ينبغي أن تفسد العلاقة الأصل، فأي خلاف يجب أن يكون أمرا عابرا واستثنائيا، والاستثناء لا يطغى على الأصل.
ويرى أن الخلاف بين اثنين يؤدي إلى خلاف بين عائلتين بالكامل، فكل شخص يؤثر على باقي عائلته، ومن ثم يتسبب في قطع صلة أرحام أخرى.
ويضيف زيتون أن العلاقة بين الإخوة هي علاقة تنمو وتنشأ عبر سنوات طويلة، والأصل أن الإنسان لا يضحي بها مهما حدث.
ويرى أنه من الطبيعي أن يدخل الإنسان في خلافات مع الناس، لكن الأصل أن الشخص العاقل يرجع ويتصالح، لأن الصلح ليس تنازلا، بل هو رفعة عند الله، ويأخذ صاحبه الأجر الأكبر، لأنه البادئ بالصلح، ولا ينتظر الإنسان حتى يموت ليأتي أمام الله باكيا نادما على جفائه لأخيه أو أخته.

majd.jaber@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com