الخميس، 20 يونيو 2013

قسوة الآباء المفرطة تؤدي لخسارة الأبناء


مجد جابر 
عمان- البقاء وحيداً دون الرغبة في التحدث مع أي شخص، أو الخروج إلى أي مكان هو شعور الثلاثيني محسن عماد الذي وصل إلى مرحلة من الكآبة لا توصف، بعد أن مر في حياته بظروف أثرت على مستقبله، وجعلته يجلس دون أن يفعل أي شيء في المنزل، ودون عمل أي شيء.
محسن شاب جرب في مراهقته كل ما يمكن أن يجربه أي شخص في حياته، ومنها الإدمان على المخدرات الذي شفي منه، وغيره من الأمور التي جعلته يفقد الكثير، ويضيع مستقبله، ليجلس الآن دون أي عمل، معتبراً أن السبب في ذلك هو أنه لم يترب في بيت وبيئة تحتويه. فوالده كان رجلا قاسيا جداً.
يقول "أنا أعلم أن رفقاء السوء، وميولي إلى فعل كل ما هو منحرف هي السبب في ما حل بي، إلا أن ذلك كله سببه قسوة والدي التي كانت لا تُحتمل، فكنت عندما أراه يدخل المنزل أشعر بخوف شديد، وأستعد لأي تصرف قاس قد يصدر منه".
ويضيف "إن والدي كان لا يشبه باقي الآباء، فلم أره يوماً يحضنني، أو يطبطب عليّ، وإنما كنت عندما يحدث معي شيء في المدرسة أترك المنزل ثلاثة أيام خوفاً من الرجوع ورؤية أبي. والآن أنا نادم على هذه التصرفات، وأعلم أن والدي كان يحبني، إلا أنني كنت بحاجة إلى رؤية هذا الحب".
ويرى مختصون أن قسوة الأب المفرطة لأبنائه تنشئهم على الخوف وعدم الثقة بالنفس وقد تقودهم إلى اللجوء للعنف ما يتعكس سلبا على الفرد والمجتمع.
في حين يعتبر الثلاثيني سعود علي، أنه بالرغم من أنه صار الآن عاملا ويتمتع بحياته الخاصة إلا أنه ما يزال حتى الآن لا يحب الذهاب إلى بيت أهله، لأن بيت أهله ارتبط بذكريات مؤلمة ما تزال حتى الآن عالقة في ذهنه، ولا يحب أن يتذكرها.
يقول "كان والدي شخصا قاسيا جدا، لدرجة أنه كان يعاقبنا على أبسط الأشياء التي كنا نقوم بها، سواء استحقت العقاب أم لا. وكانت والدتي دائما تحاول التستر علينا وإخفاء الكثير من الأمور عن والدي، لا يقسو علينا، وأحيانا كانت هي من ينال العقاب، بدلا منّا".
ويضيف أن ذلك جعله يفكر في أمور كثيرة في صغره، كان يريد أن يقوم بها حتى ينتقم من والده، إلا أن والدته كانت دائماً داعما له، وتريد منه إنهاء دراسته، والعمل، حتى يؤمن مستقبله، مبيناً أن والده لا يقوى الآن بعد أن تقدم به العمر، فعل شيء، وتحولت شخصيته تماماً إلى شخص مسالم جداً.
إلا أن ذلك لا ينسيه ما فعله والده معه في صغره، وبالرغم من أنه يحاول دائماً أن يلتمس المبررات لوالده، وأن يقوم بكل واجباته، إلا أن هناك حاجزا ما يزال يقف بينهما، على عكس والدته التي يقول انه مستعد أن يقدم لها كل ما يملك لإسعادها.
في ذلك يقول الاختصاصي الاجتماعي، د.حسين الخزاعي، إن القسوة "أصعب طريقة يمارسها الآباء على الأبناء"، وخصوصاً في مراحل العمر الأولى، كون الأبناء في هذا العمر يكونون بحاجة إلى النمو العاطفي السليم، وإلى تنشئة اجتماعية سليمة داخل الأسرة.
ويضيف أن القسوة تعلم الأبناء الخوف من الأب، وتغير نظرتهم إليه، فلا يرون فيه إلا الأب المتسلط، والظالم والعنيف، ليصبح مصدر خوفهم الدائم وليس مصدر أمان.
إلى جانب أن الأب، بهذه الطريقة، "ينشئ جيلا يتربى على الخوف والطاعة العمياء، وهو ما يسيء ويعطل قدراتهم ومهاراتهم وإبداعاتهم في الحياة"، بالإضافة إلى أنه يولد لدى الأبناء "العنف في المجتمع الخارجي"، فالكبت الذي يتعرض له داخل العائلة يدفع الطفل إلى تفريغه خارجها، مبينا أن الأبناء معرضون لأن يسلكوا في المستقبل نفس نمط تربية الأب لهم.
ويعتبر الخزاعي أن هذا كله يلغي قدرات الأبناء ومهاراتهم، التي سيوظفها الأبناء في أشياء أخرى غير مناسبة، لافتاً إلى أنه إذا كانت القسوة مقرونة بالعنف الجسدي واللفظي فإن هذا يعلم الأبناء العنف وارتكاب الجرائم في المجتمع، خارج محيط الأسرة، وهو ما يطلق عليه "الكبت الانتقالي".
ويشير إلى أن الأب عليه أن لا يحرم الأبناء من الحب والعاطفة، والاحترام، وأن تكون صورته هي صورة الأب المربي الحنون الودود مع أبنائه، مبيناً أن التفرقة بين الأبناء تمثل لونا من ألوان القسوة على الأبناء.
ويذهب عضو فريق منظمة الصحة العالمية للتوعية في أخطار المخدرات والاختصاصي الأسري، أحمد عبدالله، إلى أن وجود أب قاس قد يؤدي إلى العديد من الانحرافات عند الأبناء، فالأب الذي لا يتعامل مع أبنائه بشيء من التفاهم والمرونة يرفع من احتمالية أن ينشأ هذا الابن منحرفا.
ويعتبر أن مسألة الانحراف لا تلقى على عاتق وجود أب قاس فقط، داخل العائلة، كون أن هناك العديد من المسؤوليات التي تقع على عاتق أعضاء العائلة الآخرين أيضا.
ويشير إلى أن 85 % من حالات الإدمان على المخدرات نشأت من داخل أسر غير مستقرة، أو فيها نوع من عدم التركيز على التربية الصحيحة.
ويعتبر أن الطفل الذي يتلقى القسوة منذ سنواته الأولى، سوف يكتسب شخصية عدوانية، أو انطوائية وضعيفة، لأن الأب يكون قد طمس شخصيته الحقيقية بقسوته. وينعكس ذلك سلبا على حياته المجتمعية فيتصرف على وعي مع من يتعامل معه.
ويضيف عبدالله أن قسوة الأب وحدها ليست بالضرورة سببا وحيدا لانحراف الابن، إذ هناك عوامل أخرى مشجعة داخل البيئة، محفزة على الجنوح نحو الانحراف.
في حين يعتبر اختصاصي الطب النفسي، د.محمد حباشنة، أنه يجب أن يكون هناك توازن بين التهذيب والتهديد، مبيناً أنه لا يمكن أن تهذب طفلا إذا لم يقترن تهذيبك له بقدر من الحب.  ويضيف أن هناك ثلاثة نماذج للآباء: آباء يعطون حبا بإفراط، وهذا خطأ لأن هذا لا يمنح الابن فرصة معرفة قوانين الانضباط.
وآباء قساة، مفرطون في قسوتهم، ويهددون من دون حب، وهذا سلوك غير مستقيم ومضر بالأبناء، وآباء يربون أبناءهم تربية صحيحة ويغدقون في المقابل كمّا عاليا من الحب، وهذا النمط أكثر توازنا، لأن الأب في هذه الحالة يعاقب على الخطأ ولكن بحب، بعيدا عن القسوة التي لا طائل من ورائها سوى تمادي الأبناء في الخطأ، والانحراف في النهاية.
ويشير حباشنة أن النوع الأول والثاني من الآباء يعطيان عموما نفس النتيجة، أي أبناء لهم استعداد للإدمان والعنف، وغياب الهدف والاكتئاب، وضياع الهوية، واضطراب في الشخصية ويختم حباشنة بالقول "إن الأبناء يأخذون أساسيات الحياة من الآباء".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com