الأربعاء، 29 أغسطس 2012

الصف الأول: عالم جديد يثير مخاوف وتوتر الأطفال


منى أبوحمور

عمان- عالم مجهول بانتظار ذلك الطفل الصغير، الذي يدخل إلى المدرسة لأول مرة، فمن وجه مغاير لوجه أمه، إلى كتب ملونة تخفي بداخلها الأسرار بالنسبة له، إلى قرائن ينافسونه على المقعد ذاته، وغير ذلك بعدٌ نفسي عن محيط الأسرة، يشكل له صدمة أخرى تضاعف همومه.
كل هذا وأكثر قد يتشكل داخل الأسرة أيضا، وخصوصا لدى الأم التي لا تنفك تفكر بهذا اليوم العصيب على ولدها، كما حصل مع العشرينية منى العلي، التي كانت تظن أن خوف ابنها من المدرسة حالة مرضية أو مشكلة كبيرة لن يتخلص منها طيلة عامه الدراسي، الأمر الذي شكل لها هاجسا يقلقها.
وتصف العلي حالة التوتر التي تعيشها مع ابنها، الذي يرفض حتى فتح سيرة المدرسة أمامه، وفي كل مرة تحاول فيها أن تبين له، أنه أصبح كبيرا، ولا بد من أن يذهب إلى المدرسة، يبدأ بالصراخ.
وما يزيد توترها، رفض ابنها الذهاب معها لرؤية المدرسة الجديدة، التي تود تسجيله فيها، حتى أنها تحاول إغراءه بشراء قرطاسية من الأشكال المحببة لديه، إلا أن كل تجاربها باءت بالفشل.
وتقول "إن خوفه من الابتعاد عني يرهقه ويجعله يرفض الذهاب إلى المدرسة"، مبينة أنه في كل مرة يتم الحديث عن ذلك يبدأ بمعاتبتي حتى تصل به الأمور إلى مخاطبتي بقوله: "ليش ما تجيبيلي المس على البيت؟".
الثلاثينية شروق أبوحويلة، بدأت معاناتها عندما قامت بتسجيل ابنتها الصغيرة في النادي الصيفي، تمهيدا لذهابها إلى المدرسة على السنة الجديدة، "فأردت إرسالها للنادي رغبة في تعويدها على أجواء المدرسة"، وفق ما تقول.
وتعتقد أن ذهابها إلى النادي الصيفي، ربما يعزز من شخصيتها، إلى جانب كسر هاجس الخوف لديها من المدرسة.
وتصف أبوحويلة، رفض ابنتها التام الذهاب إلى النادي الصيفي، بأنه عقاب بالنسبة لها، وكأنها تعد تسجيلها في المدرسة ناتجا عن قيامها بأمر سيئ أغضب والديها منها.
لكن الوضع يختلف نوعا ما مع الأربعيني علي أبوحنك، الذي استنزف كل الطرق والوسائل لإقناع ابنه الصغير للذهاب معه إلى المدرسة التي يود تسجيله بها، وخصوصا أن ابنه يسمع تجارب إخوته السيئة عن المدرسة، ما شكل لديه خوفا كبيرا، خصوصا حالة الرعب التي يعيشها إخوته فترة استلام النتائج الدراسية.
ويجد اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، أن قضية خوف الطفل تعد طبيعية، باعتبارها خبرة جديدة يرى فيها أشخاصا جددا غير معروفين بالنسبة إليه، إضافة إلى انفصال الطفل عن والديه، مما يضطره للابتعاد عن أهله.
ويرى الشيخ، أنه لابد من تهيئة الطفل قبل ذهابه إلى المدرسة وتسجيله رسميا، وربط فكرة المدرسة لدية بالمتعة والترفيه قبل بدء الدراسة، وهذا يعزز الشعور بالأمن والاطمئنان لديه، ويولد لديه شعورا بأنه من هذه المؤسسة، وأنها لن تكون سببا في فصله عن أهله وبعده عنهم.
وتؤكد معلمة الصف الأول في إحدى المدارس الحكومية، نوال الوشاح، أن غالبية الأطفال يشعرون بخوف شديد أثناء ذهابهم إلى المدرسة للمرة الأولى، في حين أن هناك بعض الأطفال الذين لا يواجهون أي مشكلة، بل تمر بسلام إلى حد ما عليهم.
وتشير إلى أن خوف الأطفال الصغار من الذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى، ليس بالأمر الجديد، بل نواجهه في بداية كل سنة؛ حيث ينتج عن انفصال الطفل للمرة الأولى وبشكل مفاجئ، عن كل الأشياء التي اعتاد القيام عليها؛ خصوصا عن أهله، الأمر الذي يزيد من مخاوفه.
"خبرة المعلمة واتساع تجربتها يجعلانها قادرة على تجاوز هذه الفترة"، وفق ما تقول، لافتة إلى أن مساعدة الطفل على تجاوز هذه المرحلة ليست بالأمر الهين، وهذا يتطلب جهدا مشتركا من قبل المدرسة والبيت.
وتؤكد ضرورة سعة صدر المعلمة وتفهمها لوضع الطفل وخوفه، ومحاولة امتصاص قلقة، وذلك من خلال الحديث معه برفق ولين، ومحاولة إشعاره بأن كل الموجودين في المدرسة يحبونه، وأنهم وجدوا لمساعدته وراحته.
وترى الوشاح ضرورة اعتياد الطفل على المدرسة قبل البدء بالدراسة من خلال الالتحاق بالنادي الصيفي، الذي تقيمه المدرسة من خلال زيارتها عدة مرات قبل بداية العام الدراسي.
وتقول "إن مراعاة ما سبق، يترك لدى الطفل انطباعا حسنا عن مدرسته المستقبلية، وتصبح المدرسة بالنسبة له مكانا للراحة والأمان والمتعة".
وتعتبر أن على الأهل أن يكونوا متعاونين مع المدرسة، لافتة إلى أنه في حال بقي الطفل متمسكاً بأهله ومتعلقاً بهم إلى أقصى درجة في كل صباح، فيجب عليهم أن يودّعوه بشكل سريع لدى وصوله إلى المدرسة وتسليمه لمعلمته، التي يمكنها بخبرتها أن تهتم به بشكل جيد، وجعله ينسى خوفه، ويترك البكاء للمشاركة في النشاطات المفضلة لديه مع رفاقه الجدد.
ويشير التربوي الدكتور عماد الدين خضر، إلى أن قلق الانفصال أو سيكولوجية الرفض المدرسية، الذي يحدث لدى الأطفال دون السن المدرسية، يظهر عند الإناث أكثر من الذكور، نظرا لمشاعرهن الرقيقة وشدة تعلقهن بالأهل.
ويرجع خضر، خوف الأطفال من الذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى إلى عدة أسباب، متمثلة في الحماية الزائدة للطفل من قبل والديه، خصوصا من قبل الأم، وعسر العلاقات الاجتماعية، التي يتسبب بها الوالدان؛ حيث يمنعان الطفل من اللعب مع أولاد الجيران لأسباب خاصة بهم.
ويرى أن مثل هذه السلوكات تنشئ طفلا فقيرا في العلاقات الاجتماعية، ولديه ضعف في التكيف الاجتماعي مع أقرانه، مكملا الأسباب بالخبرات المؤلمة، التي يسمعها الطفل من إخوته عن المعلمين والواجبات المدرسية، وبعض السلبيات الأخرى، خصوصا وأن الأطفال بطبيعتهم ينقلون الأفكار السلبية.
ويقول: "يفترض في أي عائلة تهيئة ابنها قبل ذهابه إلى المدرسة بأشهر، وإعطائه صورة إيجابية عن الصف والمعلمات والرحلات ومتعة التعلم والكتابة، وبيان إيجابيات المدرسة وإشراكه بإحضار الأدوات المدرسية".
ويرى أن على الآباء أن يعلَموا أن قلق الانفصال يصيب الأطفال الذين تبنى شخصياتهم على تدني اعتبار الذات، وعليهم زيادة اعتبار الذات من خلال رفع ثقة الطفل بنفسه والاهتمام به وتدريبه على تحمل المسؤولية.
وينصح بضرورة اتباع استراتيجية للتعامل مع الأطفال من قبل الأهل، حتى يتمكن الطفل من تجاوز هذه المرحلة من خلال الخطوات الآتية:
- عدم ضرب الطفل لرفض ذهابه إلى المدرسة؛ إذ يشكل لديه هذا الأمر خبرة سلبية عن الروضة، والتي لن تزول طوال عمره.
- يفترض إرسال الطفل في أول يوم لفترة قصيرة، وبقاء والدته معه داخل الصف، لفترة لا تزيد على ساعة ثم العودة به إلى المنزل، وتعزيز فكرة الذهاب إلى المدرسة لديه لمدة ثلاثة أيام تقريبا.
- الالتزام بإرسال الطفل للفترة نفسها، مع مغادرة والدته، وعدم بقائها معه في الصف على أن تبقى في الجوار وزيادة فترات الانفصال في الفترات المقبلة، مع الاستمرار بالابتعاد تدريجيا حتى يتم الانفصال تماما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com