الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

ارتباط كبار السن بالمنزل القديم: حنين للماضي وتمسك بالذكريات


منى أبو صبح

عمان- يتمسك الإنسان في الغالب بالحياة كلما كبر في السن، وتزداد قبضته على حاجاته وموجوداته بشكل أكبر، ويكون أكثر حرصا عليها وكأنه سيعيش إلى جوارها طوال العمر، وبالذات المنزل الذي تربى فيه ونشأ وترعرع به حتى وصل إلى خريف العمر.
فالستينية أم شريف، رفضت وبشدة مطلب أبنائها لترك منزلها، والعيش بمنزل مستقل بالعمارة نفسها التي يقطن بها أحد الأبناء، مع التأكيد لها أن المنزل سيبقى لها ولن يباع، وأن هذا التصرف جاء من باب الاطمئنان عليها، خصوصا وأنها تقيم بمفردها في المنزل القديم.
وتصر أم شريف، على عدم ترك منزلها؛ لأنه يحمل أجمل الذكريات في حياتها برفقة المرحوم زوجها، "حيث تقاسمنا بهذا المنزل الأفراح والأحزان معا، وبفضل الله استطعنا تربية أولادنا وتعليمهم وإيصالهم إلى بر الأمان، فكل شبر في المنزل له قصة أو حادثة ما"، وفق ما تقول.
كما أن لذكريات الجيرة نكهتها التي لا يمكن أن تنساها، وخصوصا أنها اعتادت على رفقة جاراتها، معبرة عن ذلك بالقول "إذ إننا نتزاور كل يوم، وتطمئن كل جارة على الأخرى، ونفتقد بعضنا بعضا، وإذا لم نر إحدى الجارات في أحد الأيام نقوم بتفقدها، فأبنائي يعتقدون أنني أسكن بمفردي، ولكنهم لا يعلمون أن الجيران بمثابة الأهل في كل شيء".
ويعلق اختصاصي علم النفس الدكتور عوض الشيخ، بذكر بيت الشعر: "كم منزل في الأرض يألفه الفتى...وحنينه أبدا لأول منزل"، مبينا أن ذلك يعد "ارتباطا سيكولوجيا"، وفي الغالب يرتبط الإنسان بالذكريات القديمة، والأيام التي مرت أجمل بالنسبة له، حتى لو لم تتوفر بها وسائل الراحة.
المنزل القديم "جزء من الحنين للماضي"، بحسب الشيخ، ويمثل جزءا من حياة الإنسان، ولذلك يميل لملموسات الماضي، لأنه يعتقد أنها واقعية بالنسبة له، أما المستقبل فهو جزء قد يكون أو لا يكون.
ويقول "الماضي مرتبط بالذكريات ولحظات متعددة في مسيرة الحياة، وهناك أفراد لديهم تقدير ذاتي وحس عال للإنجازات التي حققوها، وخصوصا المرتبطة بالماضي وفي فترة زمنية معينة، فالماضي يجب احترامه وتقديره لأنه أوصله لهذه المرحلة".
يبدأ الإنسان حياته في منزل ما، يمثل الأسرة بالنسبة له، بحسب الشيخ، فكل هذا الماضي الجميل ما يزال في العقل الباطني يحن له ويستذكره.
السبعيني أبو عماد، فتح الله عليه الرزق من أوسع أبوابه، وأراد حينها أن يحسن أوضاع أبنائه المتزوجين بشراء شقة لكل منهم، وعرض عليهم أن يسكنوا في منطقة مناسبة للجميع، ليبقوا قريبين من بعضهم بعضا.
وحاول الأبناء، بعد موافقتهم على هذا الطلب فيما بعد، إقناع والديهم باستبدال المنزل القديم في أحد الأحياء الشعبية بمنزل مستقل لهما، لكنهما رفضا الأمر، وكانت إجابتهما أن هذا المنزل بالنسبة لهما مثل الهواء والماء، فلا يمكنهما العيش بدونه.
ورغم أن أبو عماد، عمل تعديلات في المنزل القديم الذي يقطنه، لكنه لم يقترب من بعض الأركان في المنزل؛ لأن جدرانه تحمل ذكريات متعددة، له ولزوجته "ولا أحد يعرف قيمتها، ولا يعلمها الأبناء، إلا نحن"، وفقا لقوله.
يعود تمسك الكبار بمنازلهم القديمة وفقا لطريقة تفكيرهم، بحسب الاختصاصية الأسرية والمرشدة التربوية سناء أبو ليل؛ فالبيت بالنسبة لهم يشكل جزءا من حياتهم ومن التراث، وقد تكون قصة حياتهم في هذا المنزل.
فإذا كبرت العائلة أو تحسن الوضع المادي لها، بحسب أبوليل، وأراد الأبناء الاستقلالية في حياتهم، فلهم الحق في ذلك، وللوالدين الحق كذلك باحترام طريقة تفكيرهما ووجهة نظرهما.
وترى أبوليل أن بعض كبار السن لديهم بعض المخاوف من الانتقال لمنزل جديد، معتبرة أن هذا من حقهم لأن يكون لهم جزء خاص بهم كما يريدون، مثلا بأن يسكنوا في منزل جديد في الطابق الأرضي وأمامه حديقة كما اعتادوا، والأبناء في الأعلى.
وترى أن البعض منهم يتمسك بالمكان ويحافظ عليه لما يحمل من ذكريات متعددة، ويمكن للأبناء إذا أرادوا الاستقلالية بمفردهم، أن يجاوروا الوالدين ويحفظوا حقوقهما.
تقول الستينية أم جمال "أراد أبنائي تقسيم الميراث في العمارة، التي نسكن بها بعد وفاة زوجي، ولم أستطع الوقوف أمام رغبة أبنائي ومطلبهم، فكل منهم له مسؤولياته والتزاماته الخاصة به".
ولكنها، بحسب قولها، حققت رغبة أبنائها ببيع شقق العمارة "ما عدا الشقة الأرضية التي أقيم بها أنا وابنتي، ولم أتوقع يوما أن يجاورني غير أبنائي، لكنهم يرفضون السكن في العمارة والمنطقة، فيصفونها بأنها لا تتناسب مع أوضاعهم ومظهرهم"، وفقا لقولها.
ويعني المنزل بالنسبة لأم جمال الكثير، فهي تهتم به وبالحديقة التي حولتها لواحة خضراء تقضي بها أوقاتا جميلة وممتعة، كما أنها تضم الذكريات التي جمعتها وزوجها المتوفى عند زراعتها للنباتات والزهور والخضراوات والفواكه.
ويشير أستاذ علم الاجتماع في الجامعات الأردنية سري ناصر، إلى أن المكان يلعب دورا كبيرا في نفسية الإنسان عندما يعيش فيه لفترة من الوقت، وكأنه يقيم علاقة تجاذب مع هذا المكان، ودائما يشعر بأنه فاقد الطريق لحين العودة إليه.
ويقول "فنرى أن المكان يلعب في نفسية الإنسان ويرتبط به، خصوصا الأطفال الذين ينشؤون ويكبرون به، فهم متعلقون به ويحبونه ويتحدثون عنه ويرغبون بزيارته، فما بالك بالكبار، فهذا المكان يمثل رحلة حياتهم، ويتمسكون بعناصره سواء أكانت المنطقة ذاتها أو تعلقهم بالجيران".

muna.abusubeh@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com