الأربعاء، 29 أغسطس 2012

العنف ..و الثقافة السلبية التي تسانده!

صورة

أن الثقافة التي تتضمن الإحساس والقناعة (الشعورية أو اللاشعورية) بملكية الأب أو الأم للأبناء ، وملكية الرجل لزوجته ، أو الاعتقاد القائم على أن الشرف يتمثل في جسد الأنثى ويخص كل العائلة والأقارب ، والثقافة التي تبيح للشقيق الأكبر أن يعاقب شقيقه الأصغر ، وللابن الذكر أن يقمع شقيقته الأنثى ، وما إلى ذلك ، كلها ثقافات تقدم تبريرات لارتكاب شتى أنواع العنف بحق المرأة والطفل وأفراد الأسرة ، وتجعل شعور الرضا والفخر يحل أحياناً مكان مشاعر الذنب .
ونحن لا نزعم في كل ما تقدم أن الثقافة وحدها هي العامل الحاسم في نشأة العنف أو تعزيزه أو تفاقمه ، أو في الحد منه ، لكنها عامل مهم يجدر الانتباه إليه ، ومراجعة دوره ، فوسيلة التعبير عن العدوان الكامن جزء من ثقافة أي مجتمع .


إبراهيم كشت - رغم اختلاف المهتمين والدارسين حول ما يدخل في مفهوم العنف وما يخرج عنه ، وما قد يُعدّ عنفاً وما لا يعد كذلك ، ورغم اتساع نطاق ما يشمله المفهوم بوجه عام ، وما ينطوي عليه من جوانب وتقسيمات وأنواع ، أَحسَبُ أنه يمكننا القول إن العنف بمدلوله الواسع يشير إلى : كل أذى مقصود وغير مُحق ، يوقعه إنسان على إنسان آخر ، سواء وقع هذا الأذى على حياة ذلك الآخر ، أو على سلامة جسده ، أو حريته ، أو كرامته ، أو أملاكه ، وسواء تم ذلك من خلال الفعل أو القول أو الكتابة أو الامتناع عن القيام بواجب ، وبغض النظر عما إذا اتخذ شكلاً فردياً أو جماعياً بالنسبة لمن يقوم به أو يقع عليه .
وضمن المفهوم المتقدم ، ربما أمكننا أن نقول إن ثمة عنفاً سياسياً وآخر اجتماعياً ، حيث يدخل في نطاق العنف السياسي الأفعال التي تقع في الحروب ، والإبادة الجماعية ، والتطهير العرقي ، والإرهاب ، وقمع الأنظمة للشعوب ، والتعذيب ، واقتتال الطوائف والجماعات ، وما إلى ذلك . أما العنف الاجتماعي فيتضمن العنف الأسري ، والعنف ضد الأطفال، والعنف الذي يقع على المرأة ، والعنف في أثناء المشاجرات ، إضافة إلى العنف الذي يقع من خلال الجرائم العادية بأشكالها المختلفة ، كما في جرائم القتل والإيذاء والخطف والاغتصاب والذم والقدح والاعتداء على الممتلكات وغير ذلك . هذا مع الأخذ بالاعتبار أن بعض الباحثين والكتاب قد وسّعوا من مفهوم العنف فجعلوه فضفاضاً ، حيث تلحظ من كتاباتهم أنهم نظروا إليه على أنه كل أذى ، سواء أكان معنوياً أم مادياً ، مباشراً أم غير مباشر ، نتج عن الإقدام أو الإحجام ، ونال الذات أو الآخر أو البيئة .
ورغم تعدد العوامل المؤدية إلى العنف ، إلا أن منطلقه الأساسي هو غريزة العدوان المتفاوتة في قوتها بين إنسان وآخر ، وهي غريزة يتأثر أسلوب التعبير عنها بظروف متعددة منها الثقافة السائدة ، فمثلما أن العدوان غريزة ، فإن الشعور الاجتماعي والضمير والإحساس بالذنب كذلك مشاعر فطرية لدى الفرد ، وبالتالي فإن العنف لا يصدر عن أحد غالباً إلا وقد رافقته أفكار ومشاعر يستند إليها لتبرير اعتدائه . وللثقافة السلبية بالتأكيد دور في تشكيل تلك المبررات ودعمها ، مثلما أن للثقافة الايجابية دوراً في تعزيز عمل الضمير ، وتهذيب وسائل التعبير عن العدوان ، وبالتالي التقليل من العنف بأشكاله .
وفي ضوء ما تقدم ، نلاحظ أن العنف يترافق عادةً مع أفكار ومشاعر يتبناها من يقوم بفعل العنف في نظرته إلى الضحية، أهمها تجريد تلك الضحية من قيمتها الإنسانية وتصويرها على أنها رمز للشر ، أو إيهام الجاني لنفسه بأنه المجني عليه ، وأن من يقع العنف عليه هو مصدر الأذى والتهديد . وتعزز الثقافة التي تقوم على الكره والتعصّب والنظرة الطبقية – بطبيعة الحال - مثل هذه التبريرات التي يقدمها الجاني لنفسه ، ويحلل من خلالها أفعاله ، ويستبيح بالاستناد إليها دم الجاني أو حريته أو كرامته أو أملاكه .
ومن الثقافات التي تساعد على انتشار العنف ، الاعتقاد بأن أفضل حلٍّ للمشكلات يكون من خلال الضرب والبطش والتخويف ، ويمكنك أن تلمس وجود هذه الثقافة وتمكّنها من خلال عبارات متكررة على ألسنة الناس بلفظها العامي ، كالقول مثلاً : (عالم بتخاف ما بتستحي) ، (شعب ما بنفع معاه إلا هيك) ، (أمه بدها دعس بالـ ..) ، (ناس ما بتيجي إلا بهالاسلوب) ، وسوى ذلك من الجمل التي تعبر عن أفكار ومشاعر وقيم تدور حول أن العنف هو الحل الأفضل دائماً ، وربما الحل الأوحد ، وأن الآخر لا يتجاوب أو لا يستقيم إلا بهذه الوسيلة ، إذ أن وسائل الحوار والتفاهم والتصالح والقانون غير مجدية ...! 
ومن الثقافات التي تعزز العنف كذلك ، اعتبار الضرب والدخول في المشاجرات والصراخ وما إلى ذلك نمطاً من الرجولة والشجاعة ، ومبعثاً للفخر ، وكثيراً ما نلمس التفاخر بهذه السلوكات ظاهراً أو متوارياً من خلال الأحاديث المتبادلة بين الناس . وربما كان تكرار ضرب الأطباء والممرضين مثلاً ، رغم كل الوسائل التي حاولت الحدّ منه ، يشير إلى أنه سلوك بات مبعث فخر ودليل رجولة بين ما يمارسونه ، وكذلك الحال بالنسبة لضرب المعلمين على أيدي الطلبة أو أهليهم .
وفي مجال العنف الأسري ، فإن العنف الواقع على المرأة مثلاً تعززه الثقافة القائمة على (التبخيس) والتقليل من شأن المرأة ، والاعتقاد (الموهوم) بتفوق الذكر الفطري عليها . أما العنف الواقع على الأطفال فتدعمه الثقافة القائمة على الاقتناع بأن الضرب والشدة والشتم والتقريع أفضل وسائل التنشئة الصالحة ، مع اختزال كل معاني التربية ومجالاتها وأبعادها بالعقوبات دون غيرها ، ودعم ذلك بأقوال وأمثال وقصص ، يرافقها الإصرار على فساد وسائل التربية الحديثة ، والتحسُّر على أساليب الماضي التي كانت تقوم على القسوة والشدة والضرب ، والادعاء بأن تلك الأساليب قد أنشأت جيلاً عظيماً ..! (كأنه جيل حقق النصر والتقدم والاختراع والإبداع ..!) . 
أضف إلى ما سلف أن الثقافة التي تتضمن الإحساس والقناعة (الشعورية أو اللاشعورية) بملكية الأب أو الأم للأبناء ، وملكية الرجل لزوجته ، أو الاعتقاد القائم على أن الشرف يتمثل في جسد الأنثى ويخص كل العائلة والأقارب ، والثقافة التي تبيح للشقيق الأكبر أن يعاقب شقيقه الأصغر ، وللابن الذكر أن يقمع شقيقته الأنثى ، وما إلى ذلك ، كلها ثقافات تقدم تبريرات لارتكاب شتى أنواع العنف بحق المرأة والطفل وأفراد الأسرة ، وتجعل شعور الرضا والفخر يحل أحياناً مكان مشاعر الذنب .
ونحن لا نزعم في كل ما تقدم أن الثقافة وحدها هي العامل الحاسم في نشأة العنف أو تعزيزه أو تفاقمه ، أو في الحد منه ، لكنها عامل مهم يجدر الانتباه إليه ، ومراجعة دوره ، فوسيلة التعبير عن العدوان الكامن جزء من ثقافة أي مجتمع . 
Kasht97@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com