الأربعاء، 29 أغسطس 2012

خريطة الفسيفساء في مأدبا …من عجائب الحضارة

صورة

وليد سليمان - مأدبا بلد المبدعين مثل غالب هلسا وسالم النحاس ويوسف غيشان وغيرهم000 يحتفل الأردن في هذه السنة بإعلان مأدبا المدينة التاريخية العريقة كعاصمة للثقافة الأردنية00 وبما أن مأدبا تضم العديد من الأماكن الدينية الأثرية والمقدسة وبالذات لدى إخواننا المسيحيين فقد رأينا أن نلفت الانتباه لهذه الكنيسة الهامة جدا والتي يسميها العامة من الناس بكنيسة الخارطة.
لا شك أن الخريطة الفسيفسائية في كنيسة مادبا تعتبر تحفة أثرية مدهشة ونادرة يستحق للاردن ان يفاخر بها وهذه الخريطة والتي شكلت بواسطة قطع الحجارة المكعبة والملونة قام على عملها وتنفيذها الفنان {سلما نوس} وتلاميذه في القرن السادس الميلادي ايام البيزنطيين ولكن اعيد اكتشافها قبل حوالي (130) سنة على يد احد الرهبان عام 1884 ميلادية وجرى العناية ليستطيع الزوار والسواح مشاهدتها على ارض كنيسة القديس جورج للروم الارثوذكس الواقعة وسط مدينة مأدبا المقدسة والسياحية0
تبلغ مساحة هذه الخريطة الارضية حوالي 170 سم2، وقد اعتبرت هذه الخريطة اكتشافا اثريا فريدا ورائعا من نوعه في الاردن وفي العالم كذلك حتى توافد العلماء والفنانون والمتخصصون بالآثار لدراستها وللاطلاع من خلالها على معلومات جغرافية وتاريخية قديمة لهذه المنطقة العربية المقدسة دينيا .
وتعتبر خريطة الفسيفساء الموجودة في كنيسة الروم الأرثوذكس في مادبا ثالث أهم موقع أثري في الأردن بعد البتراء وجرش ، علما بأن أهمية مادبا في القرون الأولى المسيحية كانت مثل أهمية مدينة القدس ، كأهم مركز للحياة المسيحية في شرق الأردن لحين تم تدميرها نتيجة الزلزال العنيف الذي لحق بالمنطقة عام 747 ميلادية. وكان قد بيّن النائب البطريركي في مادبا الارشمندرين (اينكينديوس) ان هذه الخارطة تم اكتشافها عام (1886) من قبل (الأب كليوبس) احد كهنة بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية وبناء الكنيسة الحالية على نفس شكل وأساسات الكنيسة البيزنطية المشهورة التي كانت قائمة قبل الزلزال والتي بنيت في عهد الإمبراطور (جو ستنيانوس) بين الأعوام (540 – 565) ميلادية حيث جاء بناء الكنيسة الحالية لإنقاذ المعلم الأثري الذي هو كنز ليس فقط للأردن، وإنما للإنسانية بكاملها ، لان اكتشاف هذه الخريطة يعتبر أهم اكتشاف اثري في القرن التاسع عشر ، وكأقدم خارطة للديار المقدسة ، من الفسيفساء وبدقة متناهية من حيث معطياتها الجغرافية في القرن السادس الميلادي . حيث تستقبل كنيسة الروم الأرثوذكس في مادبا سنويا الآف السياح من كافة أنحاء العالم ، وفي الوقت ذاته تستعمل مكانا للعبادة من قبل أبناء طائفة الروم الأرثوذكس . وهي استمرار للكنيسة الأولى في القدس ، وهي تبرز التعايش الإسلامي المسيحي0

بلاد على الخارطة
اما عن البلاد التي تظهر وتشير اليها هذه الخريطة الفسيفسائية فهي لكل اراضي الاردن وفلسطين وبعض اجزاء من سوريا الجنوبية وبعض اجزاء من مصر .
تمتد خريطة مادبا على جزء من أرضية الكنيسة ، وتشكل مدينة القدس مركزا لها. وتظهر فيها مواقع في فلسطين و الأردن و سوريا و لبنان و مصر ، ويمكن تتبع مواقع صور و صيدا و بعلبك ، إلى الجليل الفلسطيني ، و وادي الأردن ، والشاطئ الشرقي للبحر الميت وغور الأردن ، و نابلس ، و بيت لحم ، ومواقع على البحر الأبيض المتوسط ، واخرى في دلتا النيل مثل دمنهور ، وكذلك سيناء و الإسكندرية وغيرها.

دقة و توصيف 
والمثير في الخريطة هو تفصيلاتها ، مثل تضمنها لبلدات تعتبر الان صغيرة ، وكذلك اختلافها عن الخرائط المعاصرة باعتماد صانعيها على الرسوم وتثبيت التخطيطات المعمارية للمواقع ، بما يشبه فن الجرافيك الحديث ، مثلما هو الحال فيما يتعلق بمدينة القدس ، حيث يمكن تتبع شوارعها على الخريطة من مدخلها الشمالي المعروف بباب العمود ، ويعطي ذلك فكرة عن مخطط المدينة في الفترة التي وضعت فيها الخريطة ، ومقارنته بوضع المدينة الحالي. وهو ما يمكن فعله أيضا بالنسبة لمواقع أخرى ، الأمر الذي يشكل مرجعا مهما للباحثين المهتمين. وأثناء عمليات الترميم التي جرت على الكنيسة تم رصد 157 موقعا على الخريطة ، استنادا إلى الدراسات التي وضعت ، منذ عام 1896 ، عندما شاع خبر اكتشافها ، بعد البدء بتشييد كنيسة أرثوذكسية في موقع كنيسة قديمة. 

إعادة إكتشاف 
سافر أحد رجال الدين المسيحيين من القدس إلى مأدبا ، ورسم الخريطة وسجل ملاحظات ، وعاد بها إلى القدس ، وطبع كل ذلك في كتيب من 26 صفحة صدر في مارس 1997. ومنذ ذلك التاريخ توالت الدراسات حول الخريطة ، ووضعت عنها المخططات والرسوم والقراءات العديدة ، وقدمت عنها تفسيرات واجتهادات. 
وتكمن المشكلة الرئيسية التي تثيرها دائما دراسة الخريطة ، يتعلق بامتدادها ، ويمكن أن يلاحظ أي زائر، بأنها غير كاملة، واجزاء منها تعرضت للتخريب، وارتباط اكتشافها ، بالكنيسة القديمة التي وجدت بها، حيث توجد اختلافات في تقدير قياسات هذه الكنيسة وأقسامها. ومن خلال تتبع تاريخ الدراسات عن الخريطة يتضح غياب العلماء العرب عن الموضوع ، وكأن الأمر لا يعنيهم. ويقول الأثري الفلسطيني د. إبراهيم الفني ، بأنه دعا لدراسة الخريطة بالتعاون مع مؤسسة فلسطينية ، ولكنه لم يجد أي صدى، فعمل على دراسة الخريطة مدة عشر سنوات في محاولة لتحليل رموزها خاصة تلك التي تخص مدنا فلسطينية مثل القدس و نابلس. وتعتبر خريطة مأدبا هي الوحيدة التي ظهرت وبها من المعلومات الجغرافية الطوبوغرافية عن فلسطين القديمة وباقي الاراضي المقدسة الكثير. 
وقد قدمت الخريطة شرحا مهماً عن المدن المهمة في فلسطين وغيرها، ومعلومات عن الطبيعة والجبال و الأنهار ، و البحار ، وكذلك عن النقل البحري والصيد والزراعة وغيرها. وكذلك قدمت رسومات ولوحات، تشكل قمة الإبداع، لكن الباحثين استرسلوا في قراءة النمط الجغرافي ولم يربطوا بما فيه الكفاية بين تلك اللوحات والخريطة. 
ويمكن تحديد مواقع منشآت مهمة على الخريطة ، مثل كنيسة القيامة بالقدس ، و سجن النبي يحيى في سبسطية ، ومواقع رومانية في قيسارية و بئر يعقوب في نابلس وغيرها. وتوجد الوثائق الكاملة عن الخريطة في مكتبة السوربون ، وفي مكتبة الكونغرس في واشنطن ، ولدى معهد الفرنسيسكان للآثار بالقدس أرشيف مهم عنها. ويمكن الإشارة هنا إلى أن الخريطة كانت دائما عرضة للقراءات الآيديولوجية المتعلقة بفهم الدارس لجغرافية لجغرافية الكتاب المقدس 0

عناصر الطبيعة
وعن العناصر العديدة الموجودة في هذه الخريطة فقد تعددت وتنوعت رسما وكتابة وكل ذلك تم تنفيذه بالحجارة الصغيرة الهندسية الملونة والتي يطلق عليها اسم الموازييك او الفسيفساء ومنها مثلا : البحار والانهار والجبال والسهول والوديان والصحاري كنهر الاردن وجزء من نهر النيل والبحر الميت والبحر المتوسط ففي نهر الاردن مثلا بدت بعض الاسماك التي تسبح فيه ولكنها عندما تحاول الاقتراب من البحر الميت فانها كانت ترجع الى الخلف بسبب ملوحة وصعوبة عيشها في تلك البحيرة الميتة ولكن البحر الميت ومن جهة اخرى تبدو فوق سطحه بعض القوارب التي يقال انها كانت وفيما بعد ايام الصليبيين تتجول بنشاط ما بين شواطئه الشرقية والغربية بكل سهوله وعن بعض العناصر الاخرى المرئية ضمن هذه الخارطة فاننا نلاحظ ونشاهد بكل وضوح العديد من الرسوم الفسيفسائية لكل من القدس وبيت لحم والعديد من البيوت والمباني التي تمثل الكنائس المهمة ولكن اكثر مكان تواجد على الخريطة وباهتمام التفاصيل كان لمدينة القدس الدينية المقدسة التي بدا فيها مثلا رسوم فسيفسائية لكنيسة القيامة وكنيسة الصعود وبعض ابواب اخرى لمدينة القدس اما عن الجزء الذي يخص مصر فقد بدت بعض أثارها ونهر النيل الذي بدت فيه حوالي سبع سمكات وكذلك ظهرت صحراء سيناء واضحة جلية في هذه الخارطة الضخمة المساحة اما عن الحيوانات والنباتات في الخريطة فقد لا حظنا بعض الاسود والغزلان والطيور والعيد من اشجار النخيل وغيرها بالذات في منطقة اريحا .
يلاحظ المشاهد والزائر الكثير من الكتابات والاسماء بتلك اللغه البيزنطية (اللاتينية) الرومانية القديمة للعديد من الاماكن واسماء المدن والمواقع المهمة وغيرها وبعدة الوان منها كتابات باللون الابيض واخرى باللون الاسود واخيرا باللون الاحمر للمواقع الاكثر اهمية وللاحداث الهامة التي جرت في تلك المواقع مثلا.
وفي احصائية تقريبية فقد انتشرت على الخريطة حوالي (100) معلومة جغرافية وتاريخية ودينية بدت كمواقع مرسومة بالفسيفساء مما جعلها ذات اهمية مرجعية قديمة يفتخر ويعتز بها الاردن لان هذه الاراضي فريده ونادرة الوجود في اي مكان آخر في العالم كمشهد جمالي فني وتشكيلي ملون وكوثيقة تاريخية قيمة جدا للتاريخ الانساني رغم ما لحقها قديما من اختفاء بعض اجزائها بسبب عوامل الزمن.

نسخ من خريطة مأدبا 
وتوجد نسخة من خريطة مأدبا الفسيفسائية في المعهد الاثري في جامعة جوتينجن في المانيا وقد انتجت خلال اعمال الترميم في مادبا في 1965 من قبل علماء الاثار الالمان وتوجد نسخة اخرى من انتاج طلاب من مدرسة فسيفساء مادبا هو المدخل الرئيسي لمتحف Akademisches Kunstmuseum في بون المانيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com