الخميس، 28 فبراير 2013

كيف تكون الكابتن ، والهدّاف ، وحارس المرمى ، والمتفرج ، في وقت واحد؟

صورة

إبراهيم كشت - قرأ الموظّف الصّغير كتاباً كبيراً حول « العمل بأسلوب الفريق «، فانبهر بما قرأ، وتشرّب وجدانُهُ الغضُّ أفكار الكتاب، كما تتشرّبُ التّربةُ العطشى ماءَ الغيثِ المنهمرِ، وراح خيالُهُ الوثّابُ يرسِمُ المعاني الّتي قرأها في صورٍ ملوَّنةٍ، مُؤَطَّرةٍ، تضُجُّ بالحياة والحركةِ.
ولمّا في الّليل أوى إلى فراشهِ، وكلماتُ الكتاب ما تزالُ تستبدُّ بدماغِهُ، وإذ غَفَتْ عينُهُ، رأى ( فيما يراه النّائمُ ) أنّه غدا مديراً للمؤسّسة الّتي يعملُ فيها، وأنّه أدار شؤونَها بأسلوب « فِرقِ العمل «، فحقّق من المُنجزات ... ما يرقى حَدَّ المعجزاتِ.
•    لماذا لا نُصَرّّفُ شؤون العمل بأسلوب الفريق ؟
ولعل صاحبنا الموظف الصغير كان ما يزالُ تحت تأثير سَكرةِ الحُلُمِ الّذي أتاهُ في ليله، أو تحت تأثير جولات خيالهِ، حين يمَّمَ في الصُّبْحِ صوب مكتب رئيسه في العمل، فاستجمع جرأَتهُ، ثمّ قرع الباب الموصَدَ بلُطفٍ، ودخل. وقبل أن يُلقيَ تحيَّةَ الصّباحِ، أو ينتظِرَ حتّى يرفَعَ رئيسُهُ عينيهِ المنغرِستينِ في الصَّحيفةِ، قال بحماس يُغالبُ الخَجَلَ:
-    سيّدي المدير، لماذا لا نُصرّف شؤون العمل في مؤسستنا بأُسلوبِ الفريق ؟
رفـع المديـر رأسه بغْتَةً، وأجاب بما يُشبِهُ الامتعاض، بعد أن قَطَّبَ وَجْهَهُ وَتَجَهَّـم:
-    أصبحنا وأصبح الملك للهِ، لماذا الفريقُ؟ وما مناسبَةُ مثلِ هذا الحديثِ «على الرّيق» ؟
وَمَضَتْ عَيْنا الموظّف الصّغير استبشاراً بسؤالِ المديرِ، وأحسّها فرصةً، قد أُتيحت له لإيضاحِ أفكارهِ، فقال والكلمات تنحدرُ من فمهِ بسرعةٍ حتّى تكاد تتعثّر:
-    عمل الفريق « يا سيدي « يُتيحُ لنا ممارسة طبيعتنا البشريّة، فنحن كائناتٌ اجتماعيّةٌ بالفطرة، ولقد كَرَّسَت التكنولوجيا المستخدمة والأنظمة والتّعليمات المتّبعة الفرديّة بيننا، فلا بدّ من أن نسعى لإعادة التوازن عن طريق العمل بأُسلوبٍ جماعيٍّ....
•     حين تنتقل المعلومات بشكل شعاعي ..!
رفع المدير حاجبيهِ استغراباً، ثمّ قال وهو يقلِّبُ صفحات الجريدة بين يديه:
-    كلماتُكَ يا بُنَيُّ أكبر منك، ماذا عندك بعدُ؟ (ثمَّ بعدَ ابتسامةٍ ساخرةٍ) عِظنا وعلِّمنا ممّا علّمك الله... !!
قال الموظّف بحماسٍ مُفْرَطٍ:
-    العمل بأسلوب الفريق يتيح للمعلومات أن تنتقل بشكل « شعاعيٍّ « في كّل الاتجاهات، بدل أن تظلّ تنتقل بشكلٍ عموديٍّ، كما هو الحال في مؤسّستنا الآنَ.
ازداد ارتفاع حاجبي المديرِ، واتّسعت حَدَقتا عينيهِ، وقال بسخريةٍ لبست ثوب الجـدِّ:
-    قُلتَ بشكل شعاعيٍّ ؟ أعجبتني « شعاعيُّ « هذهِ ! ما شاء اللهُ، وهل بقِيَ في جعبتك شيءٌ ؟
•    «نحن» .. بدلاً من «أنا» ..
لم يلمح الموظّف لهجة الاستهتار في خطاب المدير ، فأردف يقول:
-    نعم يا سيّدي، كلُّ عضوٍ في الفريق سوف يضيفُ معدّل ذكائه إلى معدّل ذكاء الآخرين، فيتضاعف معدّل الذّكاء الّذي تعتمده المؤسّسة. وسوف يتيح لنا عمل الفريق مجالاً للحوارات الخصيبة، وتبادل الرّأي والخبرة والمهارة، وسرعة التّعلم، ويعزّز الشّعور بالمسؤوليّة والانتماء، وسيجعل الموظّفين يحسّون بمعنى كلمة ( نحنُ ) بدلاً من استمرار إغراقهم المُفرط بمعنى كلمة ( أنا )...
ابتسم المدير ابتسامة غامضةً، توارى خلفها الخبث، وقال:
-    اسمع يا بنيّ، إنّني أؤمنُ بعمل الفريق، وأنا مستعدٌّ لأنْ أتبنّاهُ، لكن بشرط واحد !!
أبرقت عينا الموظّف الصّغير مرّة أخرى، وتألّقت أملاً بنجاح مسعاهُ، وحُسنِ وقْع حديثهِ، وقال:
-    وما هو شرطُكَ يا سيّدي ؟
•    هكذا نفهم العمل بأسلوب الفريق ..!
قال المدير بمكْرٍ:
-    شرطي أن أكون أنا الهدّاف إذا أحرز الفريقُ هدفاً، وأكونَ حارسَ المرمى إذا صدّ الفريق هدف الخصمِ، وأكون « الكابتن « عند استلام الكأسِ، وأكونَ – يا بنيَّ – مجّرد واحدٍ من المتفرِّجين، إذا خسر الفريـقُ المبـاراةَ !!
فتح الموظّفُ الصَّغيرُ فمهُ اندهاشاً، وما زال فاغراً فاه مذهولاً حتُى يومنا هذا.

Kasht97@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com