الخميس، 7 فبراير 2013

العلاج الكيماوي.. المبررات وفنون الاستخدام «2/2»

صورة

دكتور كميل موسى فرام - ذكرت بالجزء الأول من مقالتي العلمية هذه أن استخدام العلاج الكيماوي قد اصبح واقعا يصعب تجاهله مهما كانت آثاره الجانبية وردود الفعل لاستخدامه لأنه مكون أساسي من وسائل محاربة المرض خصوصا بشقة السرطاني، وترتيبه على سلم العلاج يمثل متغيرا علميا يتحدد بدون التعميم، ففي الوقت الذي يتعبر علاجا مكملاً للوسيلة الجراحية أو الاشعاعية أو الهرمونية، فتوقيت استخدامه وجرعته وظروفة متغيرات تتعلق بكل حالة مرضية، لاعتبارات أساسية بالتصنيف تعتمد على دوره الشفائي أم دوره العلاجي أم دوره الأساسي أم دوره الثانوي المكمل، نزولا للتصنيف الذي يجعل منه علاجا ملطفا يغازل الزمن لقضاء محتمل.
ولنتمكن من توظيف العلاج الكيماوي ضمن الخطط الشفائية فعلينا بالتذكير أن جميع الخلايا الحية لها القدرة الوراثية على التكاثر لأسباب مختلفة بينما جهاز التحكم والضبط بضبابية يصعب التيقن من معادلاتها بتغذية راجعة عكسية، فتحليل المعادلة البيوكيميائية بتكاثر الخلايا قد أنار نفق الربط عندما تزدحم الخلايا لتكون كتلة بمواصفات الثبات والتحليل، والتي فتحت طريق الاجتهاد العلمي لدراسة تأثير الأصناف المختلفة من العلاجات الكيماوية على وقف نمو الخلايا ومقاومة انتشارها وانشطارها، خصوصا بوجود نقاط اختلاف جوهرية بين نمو الخلايا الطبيعية والخلايا السرطانية. 

فصائل خلايا الأنسجة السيادية 
تصنف خلايا الأنسجة لثلاثة فصائل سيادية؛ الساكنة، المتوسعة، والمتجددة، حيث تمثل الساكنة مجموعة الخلايا الوظيفية التي لا تتعرض لانقسامات فسيولوجية أثناء مراحل التطور والنمو مثل خلايا الأعصاب والعضلات والعظام والغضاريف لنخلص بنتيجة القول بعدم تجرحها بجرعات العلاج التي توجه أساسا للخلايا سريعة الانقسام، في حين تمثل المجموعة الثانية من الأنسجة المتوسعة بارتدائها ثوب الهدوء ولكنها تتميز بمقدرتها على جدولة نشاطها بسرعة كبيرة كرد فعل على جرح أو إجهاد مثل تلك الخلايا الجاثمة في الكبد والرئة والكلية والغدد الصماء، وأما الصنف الثالث من الأنسجة فيمثل الخلايا التي تتجدد باستمرار مثل خلايا النخاع العظمي والخلايا المبطنة للجهاز الهضمي وخلايا الخصيتين والمبيضين وبصيلات الشعر، حيث أن خلايا الصنف الثالث هي الأكثر تحسسا وتأثرا بجرعات الأدوية الكيماوية.
لا تتوقف الخلايا السرطانية بالتكاثر والنمو مهما وصل حجم الكتلة لأن التكاثر والنمو بصورة تمرد دائم ولا يخضعان لضبط وتحكم بل بطريقة تكاثر عشوائية نتيجة افتقاد معادلة التحكم الطبيعية وفشل ميكانيكية الاستجابة، فتبدأ خلايا الورم السرطاني: تزداد بالحجم بالتزامن مع زيادة الوقت المطلوب لمضاعفة الحجم خصوصا بمراحل النمو الأولى بالرغم أن أن خلايا الانتشار تتميز بقصر فترة التكاثر مقارنة مع خلايا الورم الأصلي، فتشخيص ورم معين بحجم يساوي نصف سنتيميتر هو نتيجة لحدوث 20 انقسام لتكل خلايا بحجم 1 ملميتر وربما يترجم 27 دورة انقسام عندما يشخص بواسطة وسائل التصوير ويحتاج لحدوث 30 دورة انقسام حتى يصبح بحجم 1 سنتيميتر، وهذ النظرية قد ساعدت بحصر تأثير العلاجات الكيماوية على مراحل الخلية المختلفة بالرغم أن أهم مبادىء المعرفة التي يجب ذكرها أن جرعات العلاج تساهم بقتل نسبة محددة من الخلايا وليس رقما رياضيا.
هذه الحقيقة تفسر الحاجة لعدد من الجرعات يعتمد على طبيعة الورم السرطاني، وحجمه ودرجة تأثرة بالاضافة لتماسك الجهاز المناعي بقدرته على التعامل أي يصعب الادعاء بأن جرعة واحدة هي كفيلة بالشفاء، فساعدت على رسم الخطة العلاجية بتوزيع جرعات العلاج على فترات زمنية تستهدف تدمير الخلايا السرطانية النشيطة والساكنة، فكان الفاصل الزمني المتعارف عليه بثلاث أسابيع يمثل الفترة المثالية بأقصى درجات التأثير والتي من شأنها ايقاف نشاط الخلايا بالمراحل المختلفة بسبب قدرتها على مهاجمة الخلايا بفترات الاستجابة المثلى أثناء الدورة الحياتية للانقسام، وتؤثر بالتوزاي على الخلايا الطبيعية فتضعف مناعة الجسم وتساهم بتساقط مضطرد للشعر وتؤثر على الشهية وامتصاص المواد الغذائية نتيجة جرح لخلايا بطانة الجهاز الهضمي.

معدل وفاة الخلايا 
المعدل الزمني اللازم لمضاعفة حجم الأورام السرطانية يعتمد على عاملين مهمين: زمن التوالد ومعدل وفاة الخلايا، وبنفس الوقت يصعب علينا الادعاء بطول الوقت اللازم للتوالد لمضاعفة الحجم لأن نمو الخلايا يتم ببطء والذي قد يكون محصلة مقاصة جبرية تتمثل بمضاعفة حجم التوالد بالتزامن مع زيادة معدل وفاة الخلايا، فاكتشاف ورم سرطاني بالفحص السريري أو إحدى وسائل التصوير الحديثة لا يعني بالضرورة أن الاكتشاف قد تم بالمراحل الأولى للاصابة، بل ستكون هناك حاجة ماسة للمتابعة لتحديد الرسم البياني الذي يربط عامل الزمن بالحجم للحكم على سرعة النمو، فالأورام الكبيرة التي يزيد حجمها عن 3 سنتيميتر تنمو بمعدل أبطأ من الأورام الصغيرة حيث تضعف الدورة الدموية التي تغذي بؤرتها القابعة بقلب الكتلة، وهو ما يعني نظريا زيادة معدل زمن التوالد.

 العلاج الكيماوي الناجح 
العلاج الكيماوي الناجح والمثالي يحتاج لحدود فسيولوجية تسمح بالتفريق بين قدرتها على وقف نشاط الخلايا السرطانية وقتلها وبنفس الوقت تجنّب التأثر (أو التقليل منه) على الخلايا الطبيعية بقدر يميزها. هذه المعادلة تعتبر الأساس باختيار مكونات الجرعات العلاجية بعد دراسة طبيعة الورم السرطاني لتحديد دور العلاج الكيماوي كوسيلة علاجية شفائية أو اعتباره وسيلة مساعدة للشق الجراحي أو الاشعاعي أو اعتباره وسيلة مسكنة بعد استنفاذ وسائل المحاربة، خصوصا بوجود تقارب بالعمر الزمني بين خلايا الأورام وخلايا بطانة الجهاز الهضمي والنخاع العضمي وبصيلات الشعر والتي تجعل منها شمعة التضحية للفعل، علما أن فترة التعافي بعد انتهاء فصول العلاج الكيماوي تسمح بارتداء ثوب صحي جديد بدون أية آثار جانبية خصوصا بمنطقة شعر الرأس التي تشكل عنوان التردد بتناول العلاج الكيماوي.
محاربة المرض مسؤولية أدبية وأخلاقية وعلمية يحمل رايتها نخبة من الأبناء الذين تميزوا بالتضحية ويسجل للأجيال ومعامل البحوث الطبية ومختبرات صناعة الأدوية تصميمها على تحجيم الأثر السلبي لأشكال المرض على حياتنا فوق كوكبنا الجميل، فالصراع بين الأمراض والحياة البشرية حرب مستمرة منذ البدايات حتى إذا أعلن عن النجاح بهزيمة مرض يهدد المفاصل الصحية لتبدأ حرب جديدة مع صنف جديد يفرض واقع الاستعداد طول الوقت، واقع ممزوج بالأمل لحفر تاريخ السرطان بمتحف الطاعون والسل والملاريا. فعلاقة العداء مع العلاج الكيماوي هي فكرة توارثية لا تعتمد على تجارب شخصية، تدعونا على الأقل لنعمل فالمستحيل بعالم الطب الذي غدا سيف شفائه بمتناول اليد اليوم والغد وللحديث بقية.


خبرات

هناك خصائص وعوامل متعددة تتحكم بالفائدة المنتظرة من استخدام الأشكال المختلفة من أصناف العلاج الكيماوي وتلعب الدور المؤثر باختيار توليفة العلاج وتشمل بشكل أساسي عوامل الامتصاص وتوزيع العلاج على أنسجة الجسم سواء بطريقة مباشرة أو بواسطة الدورة الدموية حيث تنتقل الأدوية المختلفة بتفاوت يتأثر بقدرة الجهاز الهضمي على الامتصاص والخلاص من زوائد العلاج، مبادىء تؤثر على فاعلية العلاج وتملي بجرعة العلاج وبرنامج تناوله كما أنها تحدد شروط الخلط بعدد الأدوية المستخدمة بالجرعة الواحدة، فتأثير العلاج الكيماوي وآثاره الجانبية يعتبر مؤشرا على الفعل بعد مروره بسلسلة من التحولات والارتباطات داخل الجسم، خصوصا لبلورة القدرة الشفائية التي تجعلها مثالية بضرب عامل الزمن وكثافة العلاج.



أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية 

Kamilfram@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com