الاثنين، 11 فبراير 2013

العطاء ينبوع يروي عطش القلوب



يحتاج كل شخص منا خلال مسيرة الحياة إلى دعم ومساندة الآخرين، ويظن الكثيرون أن الإنسان يحتاج إلى الدعم المادي فقط، ويحصر غالبية الناس صورة هذا الدعم وأشكاله في عدة أمور، القاسم المشترك بينها المادة.
لكن في الواقع العطاء ليس محصورا بالمادة فقط، وإنما هناك جانب آخر من العطاء، وهو الجانب المعنوي، وهذا النوع من العطاء يجهله معظم الناس رغم أهميته، فهو البوابة التي توصلنا إلى السمو والرقي والينبوع الذي يروي قلوبا تعطشت للكلمة الطيبة، وإذا حاولنا التركيز على هذا النوع من العطاء، فبالتأكيد سنستطيع زرع مبادئ رفيعة افتقدناها منذ زمن طويل.
وللعطاء قيمة عظيمة لا نلتفت لها جميعنا، وهذه دعوة لاستنهاض الهمم، عسى أن تتسابق السواعد لمسح دمعة حزينة ورسم بسمة مشرقة على شفاه طفل يتيم أو شيخ عجوز أو إنسان موجع، فإذا كنا لا نستطيع تقديم شيء مادي كبير، فليكن أقل ما نقدمه بسمة حقيقية تخرج من القلب، وكلمة طيبة تنعش الروح، وإذا أردنا أن نكون أشخاصا معطائين، فلنخفف من أنانيتنا التي باتت تسيطر على حياتنا وتتحكم بعقولنا وتصرفاتنا.
فهذا كله يؤدي بالطبع إلى انتشار الكراهية والحقد والحسد، ونحن أحوج ما نكون الآن إلى تغيير كل هذه السلبيات والتعاطي بإيجابية وأمل وتفاؤل مع واقعنا المرير، إذ لن تجدي الأنانية والفردية والذاتية نفعا، ولا بد من التعاون والتكافل والترابط فيما بيننا لنشر المعاني السامية التي يحملها العطاء، فالعطاء في حقيقته هو أن نشعر بآلام وأوجاع من حولنا ونمد لهم أيدينا لكي ننتشلهم منها، والعطاء أيضا أن تمنح الآخرين كل ما تستطيع بدون أن يطلبوا ذلك، ونحن عندما نعطي فعلينا أن لا ننظر لقيمة ما سنقدمه، ولكن جميل أن نلمس مقدار الأثر الذي يتركه العطاء في تلك القلوب التي أتعبها الحزن واليأس والألم.
وصور العطاء كثيرة ومتعددة، وأعظم هذه الصور العطاء الذي يقدمه الآباء لأبنائهم، فهم يبذلون جهدهم ووقتهم من أجل إسعاد أبنائهم، ويمنحونهم حبهم وحنانهم بدون أن يبخلوا عليهم بمشاعرهم، والتضحية عند الآباء لا تتوقف عند هذا الحد، فهم يسعون دائما ليحققوا لأبنائهم حياة كريمة من خلال توفير احتياجاتهم المادية والمعنوية حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم وسعادتهم.
والمقابل الوحيد الذي ينتظره الآباء هو أن يقرأوا في عيون أبنائهم معاني الفرح والامتنان والرضا عندها فقط سيشعرون بالسعادة الحقيقية.
والصورة الأخرى التي تجسد معنى العطاء الصداقة بمعناها الشفاف الجميل، ويكون ذلك من خلال تقديم النصح والمساعدة لصديقك عندما يحتاجها وإشعاره باستمرار أنك بجانبه دائما، وخصوصا في أصعب لحظاته، ولتكن أول شخص يهنئه بفرحه، وأول شخص كذلك يسانده في حزنه، حينها سيشعر بقيمته عندك وبحبك الصادق له، وعند وقوعه في أي مشكلة مهما كان حجمها، فكن له الأذن التي تصغي لهمومه وشكواه والقلب الذي يخاف عليه ويتوجع من أجله، والعقل الذي يعينه على حلها، ولن يتحقق ذلك كله إلا إذا كنت صديقا حقيقيا تعطي من قلبك بدون أن تكون مرغما على ذلك.
وهناك أيضا صورة تمثل العطاء أكبر تمثيل ولا نستطيع نسيانها أو إنكارها، لأنها تستحق التقدير والتكريم بجدارة، فلا أحد منا يستطيع أن ينكر فضل معلميه الذين كان لهم الأثر الأكبر في إنجاحه، والعطاء عند المعلم هو التفاني في إيصال المعلومة لطلابه وغرس بذور المعرفة في عقولهم وقلوبهم، لكي يكونوا جيلا قويا، والمعلم المعطاء هو الذي يشرح ليس لأن ذلك هو عمله فقط، ولكن لأن ذلك ما تمليه عليه إنسانيته، فالإخلاص هو الدافع الوحيد الذي يجعلنا نعمل بجدية وإتقان.
ولأن العطاء سمة عظيمة تهدف لترسيخ أجمل معاني المحبة والرحمة والأخوة، فلنسعى جميعا من أجل أن نحافظ عليها، فكيف لنا أن نتصور الحياة بدون عطاء بالتأكيد ستكون حياة قاسية جافة تخلو تماما من تلك المشاعر النبيلة التي لا نستطيع أن نحيا إلا بها، ونحن عندما نعطي فعلينا أن ندرك أن العطاء فن سواء كان ماديا أو معنويا ويجب التنويع بينهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com