الخميس، 14 فبراير 2013

فضيحة غذائية عالمية جديدة .. غش منتجات اللحوم البقرية بلحم الخيل

صورة

د. محمد عصام اليماني
أستاذ ميكروبيولوجيا وصحة وسلامة الأغذية
كلية الزراعة / الجامعة الأردنية

أصبحت الفضائح المرتبطة بغذاء الإنسان (والحيوانات) والتلاعب فيه أمراً مألوفاً ومتوقعاً، فلا يكاد يمر عام إلا ويعلن فيه عن فضيحة يتعدى وقعها الدولة التي بدأت فيها. وقد ظهرت آخر هذه الفضائح مع بدايات هذا العام في بريطانيا، فقد تصدرت الصحف هناك في منتصف شهر كانون الثاني (يناير) نبأ الكشف عن وجود لحوم الخيل في عينات من أقراص الهمبورغر البقري المجمدة أخذت من عدة محلات للبقالة في بريطانيا، منها سلسلة محلات تيسكو (Tesco) الشهيرة.حيث وصلت نسبة لحوم الخيل في بعض العينات الى 29%. ولم يقتصر الأمر على لحوم الخيل في منتجات اللحوم البقرية بل وجد في نفس الوقت الذي تم فيه الكشف على لحوم الخيل عن وجود نسب متدنية جدا من لحم الخنزير في نفس العينات. ومن حينها تتوالى الأحداث وتتسع اثارها ليتضح أن وجود لحوم الخيل لا يقتصر على الهمبورغر ومايباع في محلات تيسكو بل تعداه إلى محلات أخرى وليشمل بعض الهمبورغر الذي تبيعه سلسلة مطاعم برغر كينغ للوجبات السريعة وليشمل منتجات أخرى غير الهمبورغر مثل اللزانيا باللحم البقري المجمدة التي تعود لشركة فندوس (Findus) السويدية، والتي تبين أن اللحوم في عينات منها بدلا من أن تكون بقرية صافية كما هو معلن في بطاقة البيان هي عملياً 100% من لحوم الخيل.

 آثار الفضيحة وتداعياتها
وعلى أثر ذلك قامت ضجة جماهيريةكبيرة تعدت حدود بريطانيا نظراً لحجم المشكلة الكبير، ونظرا لتبعاتها الصحية والقانونية والإقتصادية وأبعادها الأخلاقية والدينية. فمن الناحية القانونية، لا تسمح قوانين الغذاء في كل دول العالم بوجود أنواع لحوم في المنتجات الغذائية لا يتم الإعلان عنها صراحة في بطاقة البيان، فالذي يشتري همبورغر بقري أو لزانيا باللحم البقري لا يرغب أن يكون فيها لحوم من حيوانات أخرى (حتى لو كان مسموحا باستخدامها)، خاصة عندما يذكر في بطاقة البيان أنها لحوم بقرية خالصة. فمن حق المستهلك أن يحصل على المادة الغذائية التي يدفع ثمنها دون تغيير في مكوناتها. وفيما يتعلق بلحوم الخيل، فلا يرغب المستهلكون في تناولها، ولذا فإنهم لا يتوقعون وجودها في الأغذية التي يتناولونها، بالرغم من بعض الآراء التي تقول أنها كاللحوم الأخرى من حيث الجودة والسلامة. ويتوقع أن يكون لهذه الفضيحة آثارا إقتصادية كبيرة جداً تتأتى من سحب المنتجات المعنية من الأسواق وإتلافها ومن الملاحقات القانونية وتعطل مصانع اللحوم المعنية والكلفة الكبيرة المترتبة على التفتيش والفحص المخبري والمتابعة.

مصدراللحوم الملوثة 
إن أهم تداعيات هذه الحادثة هو الإنزعاج الجماهيري الكبير والإحساس بالمهانة، الأمر الذي أدى إلى زيادة تدني الثقة في مصنعي الغذاء وجهات الرقابة عليه والذي تبدت آثاره في سحب المنتجات المعنية من الأسواق واعتذار المؤسسات التي باعتها مع زيادة وتيرة التفتيش والفحص المخبري ليشمل إجراؤه ايضا من قبل المؤسسات التي تتعامل بمنتجات اللحوم وذلك بناءً على طلب الجهات الرسمية. وقد امتدت آثار فضيحة لحم الخيل لتتعدى إيرلندا وإنجلترا لتصل إلى بولندا ورومانيا وفرنسا ، حيث يعتقد أن مصدراللحوم الملوثة كان من مصانع فيها، وامتد لدول أوروبية أخرى مثل السويد مثلاً التي بدأت في إجراء فحوصات على منتجات اللحوم للتأكد من مطابقتها لبطاقة البيان. ومن هنا فقد أخذت هذه المسألة مؤخرا أبعادا سياسية  تمثلت في الإتهامات المتبادلة بين بريطانيا وفرنسا ورومانيا والسويد حيث تحاول كل دولة رفع المسؤولية عنها بإلقائها على الدول الأخرى. ومن التبعات لهذه الفضيحة أيضا التوسع في فحص لحوم الخيل التي تم الكشف عنها للتأكد من سلامتها وعدم احتوائها على مواد قد تضر بصحة المستهلكين مثل مادة الفينيل بوتازون (Phenylbutazone) العلاجية المعروفة إختصارا ببوت (Bute). وتستعمل هذه المادة بصورة شائعة في الخيول كمسكن للألم خاصة في إصابات المفاصل إلا أن أستعمالها غير مصرح به في علاج الأنسان
عند التعامل مع هذه الحادثة في بريطانيا تم التركيز على اكتشاف وجود لحوم الخيل، إذ ان تناول لحوم الخيل غير مرغوب به لدى البريطانيين، على عكس الحال في فرنسا وايطاليا حيث من المعتاد تناول هذه اللحوم في بعض الوجبات. فقد تمت الإشارة إلى وجود لحم الخنزير في بعض العينات بكميات قليلة جدا بصورة مختصرة جداً في بعض الحالات أوعدم تناول موضوعها بالمرة، بالرغم من تبعاتها الواضحة عند المسلمين واليهود الذين لا يرغبون عند شرائهم لمنتجات بقرية أن تحتوي على لحوم أخرى، خاصة لحم الخنزير بإي كمية كانت.

سلامة اللحوم
 من الناحية الصحية يقول البعض أن لحوم الخيل لا تقل سلامة عن لحوم الأبقار، ولكن في حال وجود لحوم الخيل بصورة غير معلنة، كما هو الحال حالياً فلا يوجد ضمان للجودة والسلامة، إذ أنه لا يمكن التيقن من مصدر هذه اللحوم وكيف تم الحصول عليها من حيث الذبح والتجهيز. فلا يوجد ما يضمن أنه قد تم الكشف على هذه الحيوانات قبل ذبحها وبعده وأنها ذبحت في مسالخ مرخصة، فقد يكون مصدر هذه اللحوم هو حيوانات مريضة أو أن أجسامها تحتوي على متبقيات لعقاقير علاجية بعضها له خطورة على صحة الإنسان مثل.مادة الفينيل بوتازون التي سبق الإشارة اليها. ومن المفارقة الغريبة هنا ان بريطانيا تصدر كميات كبيرة من لحوم الخيل الى باقي دول اوروبا ليتم تصنيع منتجات غذائية من بعض منها حيث يمكن لبعض هذه المنتجات ان تعود بصورتها الجديدة للبيع في بريطانيا. علما بانه وكما تفيد جريدة الإندبندنت لايتم فحص هذه اللحوم بصورة كافية قبل تصديرها، خاصة فيما يتعلق بوجود مادة البوت الخطرة.

 الكشف عن أنواع اللحوم
لقد تم الكشف عن وجود لحوم الخيل غير المعلن عنهاعندما قامت مختبرات سلطة سلامة الغذاء الإيرليندية في إيرلندا بإخذ عينات من محلات البيع لمنتجات من البيرجر البقري (27 عينة) ومنتجات لحوم أخرى للتأكد من مطابقة اللحوم لبطاقة البيان، خاصة عندما يتم الإعلان أن المنتجات من لحوم بقرية صافية. وكانت المفاجأة أن 23 (85%) عينة كانت موجبة لفحص لحم الخنزير بينما كانت 10 عينات (37%) موجبة لفحص لحم الخيل دون الإشارة في بطاقة البيان إلى وجود لحم الخيل. وتلى ذلك فحوصات عدة قد يكون أهمها الإعلان في بريطانيا بتاريخ 7/2/2013 أن بعض عينات اللزانيا التي تصنعها شركة (Findus) تحتوي 100% لحم خيل بينما المعلن أنها تحتوي لحم بقري. ويتوقع البعض أن تكون هذه المسألة موجودة منذ عدة سنين، فأعداد الخيول في أوروبا كبير جداً والتخلص من جثثها مكلف جداً في حالة المرض أو الوفاة الطبيعية.
يتم الكشف عن وجود الأنواع المختلفة للحوم بطرق عديدة أحدثها وأكثرها شيوعا حاليا تلك المعتمدة على استخلاص الحمض النووي (DNA) من العينة وإكثار الجزء المميز لنوع كل حيوان منه عن طريق تقانة تفاعل سلسلة البوليميريز (Polymerase chain reaction - PCR) ثم الكشف عن هذه الاجزاء المميزة. وتمتاز هذه الطريقة بدقتها العالية وسهولة إجراؤها النسبية وفي سرعة الحصول منها على النتائج.

 الكشف عن أنواع اللحوم في الأردن
يستورد الأردن جزء كبير من اللحوم التي يتم استهلاكها أو إستعمالها في التصنيع الغذائي من عدد كبير من الدول التي تختلف فيما بينها من حيث جودة الرقابة على اللحوم وصرامتها. ولايسمح بدخول هذه اللحوم الى البلاد وتداولها الا بعد التفتيش عليها وفحصها وفق اجراءات محددة تقوم بها الجهات المختصة. ويستفاد من فضيحة لحوم الخيل الحالية أنه من الضرورة التطوير في برنامج فحص اللحوم المستوردة المتبع حاليا في الأردن ليشمل التعرف على أنواع اللحوم الموجودة في المادة المستوردة بأنواعها المختلفة (المبردة والمجمدة والمصنعة) للتأكد من أن المادة المفحوصة تطابق المعلن في بطاقة البيان. ويكتسب هذا الأمر أهمية اكبر كلما كانت اللحوم قد تعرضت أكثر للتقطيع والفرم والتصنيع، خاصة في اللحوم المستعملة في صناعة منتجات اللحوم المختلفة مثل اللحوم المفرومة والمرتديلا واللانشون. إن هذا الأمر في منتهى الأهمية، فمجرد وجود أنواع لحوم غير معلن عنها في بطاقة البيان هو غش لا يجب الإستهانة به لأنه يمكن أن يكون له تبعات دينية (وجود لحم الخنزير مثلاً) أو تبعات صحية (وجود لحوم من حيوانات لا يعرف مصدرها وبالتالي لا يمكن التأكد من سلامتها) أو تبعات إقتصادية (يكون الغش عادة بلحوم ذات جودة متدنية ذات قيمة أقل من الأصلية) بالإضافة إلى تبعات معنوية (لا يرغب الإنسان في تناول لحوم الخيل أو حيوانات أخرى من غير المعتاد تناول لحومها).

غش منتجات اللحوم البقرية بلحم الخيل
 فيما يتعلق باللحوم ومنتجاتها بشكل عام وتلك التي تعرض للبيع بأسعارمتدنية جدا دون العادة بشكل خاص، فإنه يجب أن يتم التعامل معها بمزيد من الحذر، خاصة إذا كانت هذه اللحوم مقطعة قطعا صغيرة جدا او كانت مفرومة أو مصنعة.
 إن أسعار اللحوم في العالم كله مرتفعة نسبيا، لذا فإن عرض اللحوم بأسعار متدنية جدا غير واقعية يمكن ان يكون على حساب أحد عوامل الجودة فيها بصورة من الصور، كما هو الحال في واقعة غش منتجات اللحوم البقرية بلحم الخيل. ومن جهة أخرى فإنه ينبغي التأكيد على أن عرض اللحوم ومنتجاتها بأسعار متدنية لايخلي مسؤولية المنتج والمصنع والبائع في ضمان جودة هذه المنتجات وفق متطلبات المواصفات الأردنية المتعلقة بالسلامة والجودة، بما في ذلك عدم وجود لحوم غريبة عن المنتج الأصلي. وعلى إي حال تستلزم مثل هذه الحالات أن يتعامل المستهلك معها بإنتباه وحذر وأن تكثف الجهات الرسمية الرقابة والتفتيش والفحص عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com