الاثنين، 11 فبراير 2013

الثقة المالية بين الزوجين عماد استقرار الأسرة


تغريد السعايدة

عمان- تشعر الأربعينية أم أيمن بالاستياء من بعض مواقف زوجها من خلال تعاملاته المالية في داخل العائلة، إذ تقول "يتعمد زوجي أن لا يترك أي مبلغ مالي في البيت حتى لا آخذ منه في حال احتجت إلى النقود في ظرف طارئ". ولذلك فهي تشعر بأن انعدام الثقة في هذا الجانب ينعكس سلبا على جميع الجوانب في علاقتهما الزوجية.
وفي هذا السياق تسرد أم أيمن معاناتها مع زوجها فتقول "منذ زواجنا، قبل أكثر من 15 عاماً وزوجي لا يُبقي لي المال في البيت، وهو ما يُشعرني بالتوتر والعصبية". فهي تشعر أن هذا التصرف من زوجها ينم عن عدم ثقته فيها. وحين سألته عن السبب في ذلك أجابها بأن "والدته كانت دائماً تأخذ من مال والده خلال وجوده خارج البيت، ولذلك فإنه موقن بأن زوجته ستتصرف ذات التصرف، ولذلك قرر أن لا يترك لها مالاً في البيت، حتى لا "تستغفله"، على حد تعبيره.
إن ما كانت تقوم به والدة زوج أم أيمن انعكس على نظرة الابن للمرأة بشكل عام، حيث "توقع تلقائياً أن معظم السيدات يتصرفن ذات التصرف، وأن زوجته تستغل غيابه فتأخذ من ماله دون علمه. إلا أن أم أيمن تؤكد أنها حريصة على ألا تضطر لأن تأخذ شيئاً من دون زوجها، بل عليه هو أن يترك لها مبلغا من المال في البيت علها تحتاجه في ظرفٍ طارئ.
وتفيد دراسات مستقلة عن العلاقات الزوجية أن "العلاقات المالية تُعد من المسائل المعقدة داخل مؤسسة الزواج، وقد أصبحت العلاقات المالية في هذه المؤسسة أمرا جوهريا قد يهدد الحياة العائلية بما لا يحمد عقباه أحيانا، ولذلك تقدم هذه الدراسات كيفيات لإدارة العلاقات المالية بين الزوجين، مبنية على أسس سليمة".
الثلاثينية هند موظفة وأم لثلاثة أطفال، تقول إنها منذ زواجها قررت أن تضع "حدودا مالية" بينها وبين زوجها، وطلبت منه أن لا يتدخل في ما يأتيها من راتبها، وأن لا يسألها عنه بأي شكلٍ من الأشكال. وتقول أيضا "أنا لن أدفع زوجي للاستدانة من الآخر، ولن أترك بيتي بحاجه لشيء، وسأقوم أنا بالمبادرة في المساهمة بمستلزمات المنزل". إلا أنها تؤكد أن ذلك يتم عن طريقها هي، وبما يتناسب مع راتبها، وليس بطلب من زوجها أو تدخل منه.
أما ناديه (29 عاماً) فتقول "أنا أعطي زوجي كل ما أملك من مال، وهو يوفر كل شيء للبيت". إلا أنها تشعر بالندم أحيانا، لأنها جعلته يذهب في استعمال هذه الأموال إلى أبعد مما يحق له، حتى صار لا يعطيها كل ما تحتاجه، وأكثر من ذلك فهو يتّهمها بالإسراف كلما طلبت منه نقودا لأي غرض من الأغراض، لدرجة أنه لم يعد يضع النقود في البيت، كما في حالة أم أيمن، خوفاً من أن تمتد يدها إليه. ولذلك تنصح نادية كل زوجة بأن تجعل حداً لتدخل زوجها في نقودها، وراتبها الشخصي.
وفي ذلك يقول الاستشاري الأسري أحمد عبد الله إن "الزوج بحاجة إلى استراتيجية مالية في البيت، ويجب التعامل معه بطرق مختلفة، بين كل فترة وأخرى". فهو يرى أن الزوج هو المسؤول المالي في البيت، سواء كانت الزوجة موظفة أم لا. ومن هنا يجب أن يشعر الزوج دائماً أن العبء يقع عليه في توفير مستلزمات البيت.
ويرى عبد الله أن لجوء الزوجة إلى تغيير أسلوب التعامل في الأمور المالية مع الزوج عادةً ما يكون هو الطريقة المثلى حتى يُغير الزوج سلوكه السلبي في التعامل في النواحي المالية. وينصح عبد الله الزوجات بعدم التدقيق في السؤال حول الماديات، حتى لا تصير محور حديث وجدل لأن "هذا الأسلوب يجعل الحياة الأسرية مملة، بلا طعم وبلا متعة".
وحول موضوع الثقة المالية بين الزوجين يؤكد عبد الله أن للزوجة الدور الأكبر في تخطي هذه المرحلة، وذلك بعدة طرق، كأن تُحدث زوجها، مثلا، عن مستلزمات البيت، وما تتطلبه من نقود على امتداد شهر كامل، ثم تقوم هي بشراء ما تحتاجه بنفسها، وتوفر من المبلغ جزءا ولو بسيطا تعيده لزوجها بعد ذلك. فهذه الطريقة "تجعل الزوج يتوقف قليلاً للتفكير والتأمل، ليكتشف أن زوجته لا تريد منه مالاً من أجل المال، وإنما تريد مالا حتى توفر حاجات البيت، وحتى توفر عنه عناء جلبها بنفسه، وتثبت له أن ما زاد على حاجتها أعادته إليه".
ويؤكد عبد الله أن هذه "الخطة من طرف الزوجة يمكن أن تكون مقدمة لزرع الثقة بينهما، يقتنع الزوج من خلالها أن زوجته تفكر في مصلحة البيت، ولا تفكر في أن تخفي عنه مالاً أخذته منه من دون علم منه". ويضيف عبد الله أن "الزوجة يقع على عاتقها دور كبير في إعادة الترابط الأسري السوي الذي يحمي الأسرة من مشاكل هي في غنى عنها. وللزوجة القدرة على أن تمسك بزمام الأمور في كثير من المواقف التي قد تهدد الحياة الأسرية". لكنْ يبقى أن لوقوف الزوج بجانب زوجته، والتعاون معها في تخطي المشاكل العائلية، ولاسيما المالية منها، أهمية لا تقل عن دور الزوجة إزاء زوجها.
ويؤكد الاختصاصي الاقتصادي الاجتماعي حسام عايش أن الأصل في مؤسسة الزواج أن تكون قائمة على الشراكة والثقة وعلى المساعدة المتبادلة، وكل طرف من الزوجين عليه تحمل مسؤولياته في هذه المؤسسة. بيد أن تقاليد المجتمع تفرض على الزوج أن يكون هو المسؤول في الإنفاق على الأسرة، ويرى أن الوقت الحالي يفرض على الطرفين ان يتعاونا خاصة إن كانا من أصحاب الدخل المتوسط.
ومن المفترض، بحسب عايش أن "لا تتوقف مسؤوليات الرجل على مستلزمات الحياة اليومية وتتخطى ذلك بوضع أموال احتياطية في المنزل نظراً لظروف الحياة المتجددة والطارئة في كثير من الأوقات"، مشيرا الى انه على الزوج أن تتوفر لديه الثقة بزوجته في هذا المجال، "فهو يثق فيها بإدارة المنزل ككل، وبالتالي الثقة المالية ضرورية في الوقت ذاته".
ويبين عايش أن الأسرة حالياً أكثر انفتاحاً وكلما ارتفعت ثقافة الناس وتعددت متطلبات الأسرة فإن هذا يفرض عليها تغيراً في نمط العلاقات الأسرية من أجل مواجهة الأخطار ورفع الأسعار وغيرها من المسائل المالية.
 وينصح عايش الزوج بضرورة أن يكون "أكثر ديمقراطية ويستمع لافراد أسرته ومتطلباتهم حتى لا يكون هناك عجز داخل الأسرة"، لافتا الى اهمية تثقيف الأزواج سلفاً بالعلاقات الزوجية ومن ضمنها المالية ما يجعل الأسرة أكثر اماناً وبعيداً عن الديكتاتورية والهيمنة على الدخل الذي يتنافى مع روح المشاركة والتعاون.

tagreed.saidah@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com