الأربعاء، 27 فبراير 2013

إطلالات الدهشة من «أدراج» عمان الساحرة

صورة

وليد سليمان - أدراج .. وأدراج .. إنها مرتقى الروح وسلالم المحبة .. لتشرف عمان من خلالها على مواكب الدنيا وحدائق الجمال المعلقة ما بين أضلعها .. فمن يدخلها يصاب بدهشة الرسم والتكوين ؟! منازل في الافق البعيد إنها حياة من البيوت والشوارع والطرقات والناس في أعالى الهواء !!.
أدراجنا في عمان كأنها خيوط قلوبنا الصاعدة والنازلة ما بين الوجد والشوق .. « ندين بدين الحب أني « تسلقت أقدامنا على درجات عمان القديمة .. فعلى جنباتها ذكرياتنا وأحلامنا وأماسينا وصباحاتنا المعطرة بالورد والحنين وذكريات الناس والجيران الطيبين !!.

 بساط الريح
منذ الوعي وطراوة الحياة صادقنا أدراج عمان .. وعرفنا مساحة وارتفاع كل درجة من الحجارة الملساء .. لعبنا على بسطاتها الصغيرة وشربنا رحيق ألفتها وسرورها ,حتى كادت ان تتكلم , وكدنا نضحك معها في زمن بهي بعيد . فعلى درج سينما الاردن « أو درج مكتبة الاستقلال « الواصل ما بين جبل عمان وشارع البريد وسط البلد كنا نحن الصغار نجلس قليلاً من تعب المشوار القادم من رأس العين .. كنا فتيةً صغاراً في الثانية عشرة من أعمارنا تقريباً.. نهوى إقتناء وقراءة مجلات الاطفال المصورة مثل « بساط الريح «و «سمير» و»سوبرمان» وغيرها ... فقد كان « أبو شنب « صاحب بسطة الكتب والمجلات ومنها مجلات الصغار يبيعنا المجلات –الستوك- بقرش أو قرشين فقط وهي شبه جديدة ولكنها أعداد قديمة وبعد ان نشتري عدة مجلات منها نرتقي عدة درجات – من جانب بسطته التي كانت عند بوابة الفاترينا الزجاجية لمكتبة الاستقلال – لنجلس هناك نتفصح أو لنقرأ بعض ما فيها ريثما نرجع لمنازلنا لنقرأها بالتفصيل وبكل متعة ولنصنع منها مجلدات نقوم بخياطتها بالخيوط والإبر وكرتون العلب الفارغة .
وفي أيام الأعياد كالفطر والأضحى كان لابد من التجوال على دور السينما جميعاً في قاع المدينة ومنها سينما الاردن لنرتقي هذا الدرج الطويل للوصول لصالة السينما حيث الحركة و التجمعات الكثيرة من الشباب أمام مدخل سينما الاردن بانتظار مشاهدة الافلام العربية والاجنبية .
وفي منطقة رأس العين حيث جبل النظيف وحي نزال كانت هناك وما زالت العديد من الادراج الحجرية الطويلة التي كنا نصعدها بالذهاب عند الاقارب , والجيران الذين ينتقلون من مكان إلى مكان في سكناهم .. وكان من الممتع حقاً في خوالي الأيام والسنين القديمة تلك أن يتعرف الناس على الناس عند صعودهم تلك الادراج وذلك من خلال الطلب منهم وبالذات في أيام الصيف الحارة « شربة ماء « ومن ثم ربما يبدأ الحديث ما بين النساء ومن ثم عقد الصلات .. وربما دخلت النساء إلى بيت احداهن بعد إلحاح على الاستضافة على كأس من الشاي مثلاً .

طريق المباريات 
مجموعات الشباب من عشاق ومحبي ممارسة ومشاهدة مباريات لعبة كرة القدم القاطنين في مناطق رأس العين والنظيف والمهاجرين وبالذات في بعض أيام الجمع كانوا يرتقون صاعدين على أقدامهم على الادراج العديدة الواصلة ما بين شارعي المهاجرين « التحتاني « «والفوقاني» للوصول إلى شارع خرفان ثم الصعود على أدراج اخرى للوصول لمنطقة حاووز جبل عمان حيث هناك بالقرب منه الملعب الشهير لكرة القدم التابع للكلية العلمية الاسلامية وذلك في فترة الستينيات من القرن الماضي .. وكان الشباب يشجعون في ذلك الزمن اشهر فرق كرة القدم وهي : فريق النادي الفيصلي ونادي الجزيرة والنادي الأهلي ...
وفي طريق العودة لابد من سلوك نفس الطريق وهي الادراج تلك للنزول إلى مناطق سكناهم مرة اخرى وهم في نقاش ومرح ينزلون مهرولين على تلك الادراج الشعبية بمناطق جبل عمان والمهاجرين .وكان ذلك الأمر توفيرا للوقت والمال لدى الشباب بدل ان يذهبوا إلى السوق وسط البلد ثم يركبوا السيارات للوصول لملعب كرة القدم في الكلية .. وربما كذلك بسبب ان المواصلات في يوم الجمعة تكون قليلة وصعبة !!.
وبما أننا ما زلنا في جبل عمان الشهير والراقي في ذلك الوقت , فان لجبل عمان الشاسع العديد من الادراج الحجرية الاخرى التي تقع على معظم جهاته وبالذات من جهة البلد وشارع الملك طلال الحيوي والتجاري .
ففي هذا الشارع انشىء قديما درج الزعامطة المنسوب إلى عائلة وعمارة الزعامطة ، والذي يصعد إلى شارع خرفان .وهناك درج آخر من بعده هو درج «جويبر» نسبة الى وجيه شهير من رجال عمان جويبر عند بداية هذا الدرج تقع سينما شعبية معروفة هي سينما الكواكب .

 عنتر بن شداد والدرج 
وفي حكاية مع درجات سينما الكواكب حصلت في منتصف الستينيات تقريباً حيث قامت هذه السينما باعادة عرض الفيلم التاريخي الشهير لفريد شوقي مع كوكا وهو فيلم ( عنتر بن شداد ) ولشدة عشقنا لأفلام وحش الشاشة فريد شوقي ولهذا الفيلم الذي كنا نحن رفاق الحارة قد شاهدناه عدة مرات في صالات سينما اخرى قبل سنوات وربما قبل شهور.. فقد قررنا مشاهدته في هذه الصالة رغم شعبيتها !ّ! وكانت المفاجأة هوالازدحام الشديد على الدرج للجمهور الذي يريد حضور هذا الفيلم .. ومع ذلك فقد زاحمنا لشراء التذاكر ثم الانتظار على الدرج وبعد ذلك بدأ الجمهور بالدخول من بوابة السينما الضيقة وكان الأمر ليس سهلاً !!! فهناك مدافشة ومدافعة وحشر لمن يريد الدخول من بوابة السينما .
وحدث ان بعضهم من الرجال الاقوياء «دفشوا « الجماهير المحتشدة للخلف .. بينما الكل وافق على الدرجات فتراجع الجميع الى الوراء على الدرج وسقط البعض فوق البعض وكان منهم أنا وصديقي اللذين تدرحرجنا على درجات الدرج وأصبنا ببعض الرضوض والخدوش !! ومع كل هذا لم يثنينا الأمر من متابعة وانتظار الدخول الى الصالة بعد جهد جهيد لحضور فيلم ممثلنا المحبوب فريد شوقي في فيلمه البطولي عنتر بن شداد عاشق عبلة ،والشاعر والفارس المغوار .
وفي الشارع المقابل والموازي لشارع طلال وهو شارع الطلياني تتواجد هناك العديد من الادراج التي تصعد الى سفح جبل الاشرفية , ومن أعلى درجات هذا الادراج يمكن التمتع بمشاهدة أجمل المناظر لمناطق عمان الجميلة وكذلك التمتع بمشاهدة وشم انواع عديدة من الورود التي يزرعها السكان القاطنين على جوانب هذه الادراج الساحرة , وفي الاشرفية ادراج عديدة لاتعد ولا تحصى .
وفي منطقة شارع بسمان تتكاثر العديد من الادراج العربية والتراثية على جانبي هذا الشارع منها ما يصعد الى منطقة جبل عمان مثل درج المحكمة الشرعية القديمة ،والدرج القريب من العيادة القديمة للطبيب والمفكر المعروف منيف الرزاز . أما الادراج النازلة من شارع بسمان الى شارع الملك فيصل فهي كذلك شهيرة منها درج سوق منكو الفاخر بحجارتة وتصميمه الهندسي ،وكذلك درج سينما بسمان القديم ، كذلك ودرج ضراغمة أو درج مطعم دار السلام الذي أُغلق منذ سنة تقريبا .

درج الكلحة 
ومن أشهر الأدراج في وسط البلد بعمان درج الكلحة الواصل ما بين اول شارع الملك حسين حيث مقهى السنترال وجبل اللويبدة .. وهذا الدرج معروف منذ القدم بتواجد قطايف» أبو علي « الرمضانية طوال السنة وبعض المحلات الأخرى التجارية والمنازل السكنية على جانبيه .. وكانت امانة عمان منذ سنوات عدة قد أعادت ترميم وتأهيل هذا الدرج ليصبح مكاناً ثقافياً تقام عليه بعض النشاطات الفنية من رسم وعزف في بعض أيام الصيف . ويتميز جبل اللوبيدة بكثرة أدراجه الجميلة النازلة إلى شارعي الملك الحسين وشارع الامير محمد ثم الادراج الداخلية ما بين الشوارع الفرعية فيه أيضاً ومن اشهرها درج دارة الفنون ودرج دار الاندي ودرج محترف رمال والادراج الاخرى القربية من دائرة الأراضي والمساحة ورابطة الفنانين التشكيليين وجمعية المكتبات ..ثم هناك الادراج الطويلة النازلة لشارع الامير محمد وشارع وادي صقرة .

 أدراج سياحية 
أما أدراج جبل القلعة فهي تعتبر من الادراج الهامة جداً التي يستخدمها السكان هناك , وكذلك السياح الاجانب الذين يحبون المشي على الأقدام والصعود على الادراج للوصول الى الآثار التاريخية الموجودة على قمة جبل القلعة أو قلعة عمون الشهيرة .
وتلك الأدراج أكثرها على جانب شارع الهاشمي،والقليل الواصلة لشارع الملك فيصل للصعود منها الى حي الشابسوغ وجبل القلعة .
وكانت أمانة عمان قد تنبهت منذ سنوات إلى إعادة بناء بعض الأدراج بشكل مدني جميل تلك التي يستخدمها السواح في صعودهم ونزولهم لتلك المنطقة بعد تجوالهم في وسط البلد والمدرج الروماني . لكن بعض الأدراج وبالذات الدرج المحاذي لدار سينما زهران يعاني الاهمال والتآكل وعدم النظافة !!.
 
 شرايين الجبال
وفي مشهد بانورامي جوي لجبال عمان الشعبية القديمة سنلاحظ ان الادراج فيها تعد بالمئات منها الطويل ومنها القصير تتمدد على طول التلال والجبال والمناطق تلك وكأنها شرايين الفؤاد أو أغصان الشجر التي تحمل على جنباتها نبض الناس وبيوتهم وحياتهم ومرابع الطفولة والهوى . .
وفي جبل الجوفه درج قديم جداً قريب من المدرج الروماني والمسمى بدرج الخلايلة ،حيث ما زال يستعمل بكثرة حتى هذه الأيام والذي تم تأهيله مرة اخرى بدرجات اسمنية ودرابزينات قصيرة حيث يستعمله ليس فقط من يسكن على جانبيه .. بل أيضا ممن يسكنون أعلى جبل الجوفه ،وبالذات صباحاً عند نزول بعض المواطنين والطلاب والعمال الى مقاصدهم .
وفي جبل التاج كذلك الكثير من الادراج الساحرة في مناظرها حيث يقف عليها المتفرج ليشاهد بعض مناطق عمان من زوايا اخرى جديدة لم تكن تخطر على البال !!!.

دعوة للمصورين
 وبمناسبة الحديث عن أدراج الروح وجماليات عمان .. فإنني أدعو عشاق وهواة ومحترفي التصوير الفوتوغرافي لزيارة تلك الادراج الحجرية المتواجد بكثرة مدهشة في مدينة عمان للوقوف عليها وفي أعاليها لالتقاط الصور القريبة والبعيدة البانورامية وغيرها للمناطق المواجهة لتلك الادراج .. ومن عدة زوايا , ليكتشف الجميع أننا نعيش ونسكن في مواجهة أروع المشاهد المعمارية الساحرة لمدينة عمان والتي يقدر عمرها الحالي باكثر من 150 عاماً.. بينما عمرها التاريخي والحضاري القديم يُقدر بِ (6000 ) سنة سابقة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com