الأحد، 24 فبراير 2013

المعايرة بين الأزواج: حوار تغيب عنه لغة الاحترام


مجد جابر

عمان- الضغط النفسي والتوتر والقلق هي المشاعر التي باتت تسيطر على الثلاثينية عنود علي، بسبب ما تراه من سوء معاملة من زوجها الذي لا يكف عن معايرتها بأخواتها الثلاث اللواتي لم يتزوجن حتى الآن.
هو لا يمل ولا يكل من هذه المعايرة، مدعيا لزوجته أنها "نجت من العنوسة بأعجوبة"، لأنه تزوجها، ولولا فضله عليها لكانت بجانب باقي أخواتها "العوانس" كما يصفهن!. 
تقول عنود "باتت حياتي معه "سيئة". وفي داخلي حقد كبير عليه، وأراني أبحث بلا انقطاع عن عيوب فيه. فهو لا يكف عن معايرتي بالادعاء أن فضله كبير عليّ، لأنه تزوجني فـ"أنقذني"، وأنه "ستر عليّ"، وإلا لكنت اليوم عانسا مثل أخواتي".
وتضيف عنود في حسرة أن زوجها صار يتمادى كثيراً في معايرتها، حتى أمام أطفالها، وفوق ذلك فهو يقول لها إن أهلها يجب أن يدينوا له بهذا الفضل عليهم، مدى الحياة، لأنه لولاه لما كانوا رأوا أحفادا طوال العمر.
"لكن لا بد من التأكيد على أن هذا السلوك لا يصدر عن الأزواج وحدهم" يقول إبراهيم الذي يؤكد أنه لم يعد قادرا على الانسجام مع زوجته، لأنه كلما نشب خلاف بينهما إلا وبدأ لسانها يفيض بكلام سلبي، تقوله حتى أمام  الأطفال.
ويضيف إبراهيم أن لكل إنسان لسانا يستطيع من خلاله مضايقة من أمامه، إلا أن أخلاقه تردعه عن قول الكلام المشين، "فأنا قد أفقد أعصابي أحيانا، فأبادل زوجتي أسلوب المعايرة، حين تقول لي بلا استحياء أن فضلها كبيرا عليّ وعلى الأبناء، وأنه لولاها وعائلتها لما كنا رأينا شيئا من هذه الحياة، وأن خير أهلها علينا جميعاً، يجعلني أفقد أعصابي، وأرد عليها بنفس اللهجة والأسلوب".
ويضيف إبراهيم أنه على الرغم من كل ذلك فهو لا يرغب في الانحدار إلى هذا المستوى في النقاش والمعاملة، وخصوصا أمام الأبناء. إلا أن زوجته لا تكف عن تذكيره بحسناتها، وحسنات أهلها، عند كل عثرة، وأكثر من ذلك فهي لا تتورع عن التقليل من شأن أهله ومعايرته بهم.
في هذا الشأن ترى اختصاصية العلاقات الزوجية، د.نجوى عارف أن المعايرة وكثرة الانتقاد من أخطر مسببات دمار العلاقة الزوجية، والقضاء على الإحساس بالأمان والثقة في هذه العلاقة.
وتضيف أن نسبة كبيرة من المجتمع تستمر فيها العلاقة الزوجية، بالرغم من مساوئها، إلا أنها تفقد الكثير من المزايا الصحية، كالإحساس بالأمان، والثقة في الآخر، لأن انعدام الشعور بالأمان يخلق الشعور بالوحدة، مبينةً أن الطرف الذي يتعرض للمعايرة لا يشعر بالأمان في النهاية، وبالتالي يشعر بالوحدة التي تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب.
وتشير د. نجوى من ناحية أخرى إلى أن هذا السلوك، في حالة وجود الأبناء، يدمر هؤلاء الأبناء أيضا، والسبب أن الأب والأم ينقلان إليهم نموذجهما في المعايرة، فتصبح "المعايرة" جزءا من سلوكهم أيضا. فضلا عن أن هذا السلوك يفقدهم عنصر الاحترام.
وترى عارف أن المعايرة ترتبط أحيانا بأمور لا ذنب للزوج أو الزوجة فيها، كالمعايرة بأخ، أو أخت لم تتزوج، لافتة إلى أن المعايرة تؤدي إلى قلة الاحترام، وانعدام الثقة، وفقدان الإحسان بالأمان.
وتضيف أن الزوج أو الزوجة يعتقدان أحيانا أن المعايرة حافز لتغيير الأشياء نحو الأفضل، وتبين أن هذا اعتبار خاطئ، لأنه يؤدي إلى عكس النتائج المرجوة، ولذلك ترى عارف أنه من الخير لأي طرف في هذه الحالة أن ينصح الطرف الآخر، من دون أن يعايره أو يهينه.
وتعتبر عارف أن وجود هذا السلوك داخل العائلة يعود إلى أكثر من سبب، فقد يكون ناتجا عن تقليد "أعمى" تعلمه الزوج أو الزوجة في أسرة كانت تتعامل معهما بنفس الطريقة، أو يكون كما هو الشأن في حالات كثيرة، ناتجا عن غياب الحوار، وقد يكون أحيانا أخرى نتاجا لسوء خلق في الشخص نفسه.
وفي هذا الشأن أيضا تقول رجاء يونس، إن زوجها يتبع معها أسلوبا غريبا جدا في المعايرة، يجعلها تغضب كثيرا فترد عليه بالمثل وتعانده.
تقول "كلما رأى زوجي فتاة رشيقة على التلفاز يبدأ بمعايرتي بـ "النصاحة"، قائلا "هكذا يجب أن تكون الفتاة". وإن هو رآني أتناول وجبة دسمة قال "شوفي فلانة وشوفي علانة"، أو "لماذا أنت الناصحة من بين كل أخواتك؟".
وهنا توضح رجاء "معايرة" زوجها لها قائلة "أنا أعلم أن هدفه من كل هذا الكلام هو أن أنقص وزني حتى أبدو أجمل وأكثر رشاقة، لكن هذا الأسلوب خاطئ تماما". فهذا الأسلوب يدفع رجاء إلى معاندة زوجها الذي لم يلجأ إلى الأسلوب الصحي في  تغيير أسلوبها في التغذية، ولذلك فلن تخضع لرغبته، لأنه اعتمد أسلوب "المعايرة" حين قارنها بغيرها.  
وفي ذلك يقول الاختصاصي الاجتماعي، د.حسين الخزاعي، إن السبب الرئيسي في سلوك المعايرة بين الأزواج هو التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وخصوصاً ممارسة الأهل للمعايرة أمام أبنائهم.
إلى جانب الذهنية الذكورية التي رسّخت في الأذهان أن الرجال لا يخطئون، وما يجعل المرأة أحيانا تهضم المعايرة المرة وتظل صامتة لا ترد. وهذا الشأن يضيف الخزاعي أن تقبل المرأة للمعايرة، وصمتها عنها في بعض المرات، يكونان بسبب الخوف، وهو في رأيه، موقف خاطئ، لأنه قد يشجع على تمادي الرجل في ذلك الأسلوب الخاطئ الذي يؤدي إلى التقليل من شأن الطرف الآخر، لاسيما، وأن بعض الرجال يعتبرون هذا السلوك أحيانا نوعا من أنواع الرجولة.. 
وفي ذات الشأن يرى الاختصاصي النفسي د. محمد حباشنة أن المعايرة قصة شائعة جدا بين الأزواج، ويضيف أن العلاقة الزوجية علاقة بين رجل وامرأة يكمّل أحدهما الآخر، تتفاعل في داخلها شخصية كل طرف بشخصية الطرف الآخر، بما يحقق توازنهما النفسي والروحي، فيتبادلان الرأي، ويسهمان معا في بناء علاقات تحفظ كيانهما، ويستثمران طاقاتيهما في بناء أسرة سوية وسعيدة، إلا أن الكثير من الأزواج يرون في هذه العلاقة أنها  قائمة على التزام طرف بما يريده طرف، فقط، وليس أكثر من ذلك. 
ويؤكد حباشنة أن الأزواج إذا وقعوا في هذا "المطب" من التعامل السلبي، القائم على هيمنة طرف على حساب الطرف الثاني فسوف يؤدي ذلك إلى تراكم المشاعر السلبية التي لن يجد بعدها الزوج والزوجة من لغة يتخاطبان بها غير لغة المعايرة.
ويعتبر الحباشنة أن السبب في حدوث ذلك بين الأزواج هو عدم وجود حوار تفاعلي حقيقي بين الزوجين، فالحوار القائم على احترام الآخر هو الضامن لديمومة العلاقة التي تثري شخصية كل طرف، وتعمّق مشاعر الحب التي تجعل كل طرف يستمسك بالطرف الآخر، يتفهمه، ويقدر ظروفه وآراءه، ويتغاضى عن عيوبه، ويدافع عنه، ولا يرضى بأن يستغني عنه بأي حال، لأنه يشعر أنه جزء منه، ومكمل له!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com