الأربعاء، 8 فبراير 2012

رسوم وزخارف الرمل الملون داخل الزجاجات

وليد سليمان - رغم ان هذه الحرفة الفنية التشكيلية ذات البعد الشعبي والجمالي كانت قد بدأت في بعض مناطق جنوب الاردن مثل العقبة والبتراء ووادي رم.. الا ان انتشارها قد عم معظم مناطق الاردن الاخرى ومنها بالذات العاصمة عمان حيث انتشرت محترفات عديدة في وسط البلد ضمن محلات بيع التحف الشرقية, وذلك حصرياً على امتداد شارع الهاشمي من عند الجامع الحسيني الكبير حتى الوصول الى منطقة الساحة الهاشمية.
وداخل احد هذه المحال التقت ابواب الرأي مع الشاب فنان الرمل الملون (محمد عاصي طنطاوي) ودار الحديث بقوله: أنا من مدينة جرش حيث أجيء كل يوم الى عمان للعمل في مهنتي هذه بفن الزجاجات الرملية.. ففي جرش تعلمت هذه الحرفة منذ عدة سنوات من أولاد عمي في معملهم الصغير هناك حتى أصبحت محترفاً بهذا الفن الشعبي الخاص بالاردن.
وعندما سألناه عن مصدر الرمل الذي يستعمله داخل هذه الزجاجات الشفافة قال: انها رمال من مصادر متنوعة من بعض الكهوف في منطقة جرش, ومن وادي رم ومن البتراء والبحر الميت.. وليس من الرمل المسمى برمل صويلح ولا من رمال شاطىء البحر فهو خشن!! اننا نبحث عن الرمل الناعم المناسب لهذا الفن.. ثم هناك عملية تلوين الرمل بالاصباغ المتنوعة والخاصة وذلك يحتاج الى خبرة ودقة وصبر.
وعن عملية اكتساب هذه المهارة في ابداع الزخارف والرسوم داخل الزجاجات قال محمد طنطاوي موضحاً: ان البداية تكون عادة صعبة, ولكنها تحتاج الى النظر والمشاهدة والمراقبة لمدة أشهر, ومن ثم الى التجربة والتعليم واعطاء الارشادات ممن يحترفون هذه الصنعة الفنية والشعبية.. والممارسة بحد ذاتها تحتاج الى صبر شديد ودقة وعقل هادىء, بعيداً عن الملل والعصبية والنرفزة.. فهناك من المتعلمين لها من يتقنها في شهر ومنهم في شهرين ومنهم في ستة شهور مثلاً اذا التزم بالشروط السابقة بالطبع.
وحول هذه المهنة او الحرفة الفنية التقليدية الشعبية فقد أكد محمد طنطاوي انها اردنية الاصل منذ عشرات السنين وربما تقارب المائة عام وان كان انتشارها سابقاً قليلاً جداً عكس هذه الايام حيث انتشرت وبشكل كبير في معظم مناطق الاردن.
ومن جهة أخرى اشار طنطاوي الى ان العديد من مشغولات الزجاجات الاردنية الرميلة هذه قد أصبحت تعرض في محلات الهدايا والتحف الشرقية في كل من الامارات وقطر والسعودية والبحرين والكويت وفي لبنان وسوريا.. حيث سافر عدد من الحرفيين الاردنيين لتلك الدول للعمل على صنع تلك الفنون الرملية الملونة في تلك المعارض الشرقية وبشكل مباشر امام الجمهور هناك.. حتى وصلت زجاجات هذا الفن الى جنوب افريقيا وامريكا الشمالية.

النخلة .. الجمل
وتلك الزجاجات الفنية المدهشة بروعة صورها انما تعبر عن عراقة واصالة البيئة الاردنية من أماكن سياحية واثرية وطيور وحيوانات وجبال وبحار وشمس ورمال, اذ تعكس حياة الناس هنا وبالذات في المناطق الريفية والبادية.. ومن اكثر مفردات هذا الفن وصوره التي تتواجد تقريباً في معظم هذه الزجاجات هي مفردة (النخيل) حيث ان شجر النخيل هو من الرموز العربية والاردنية القديمة التي رسمها وشكلها الفنان بسبب ان دلالة هذا النبات او الشجرة وثمارها هو الازدهار والخصب, ثم بسبب خلفية هذه الشجرة الدينية والتاريخية العريقة.. ففي الاسلام ذكر النخيل حوالي (20) مرة في القرآن الكريم.. وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: «اكرموا عماتكم النخل».. ومما زاد من قيمة هذا الرمز ان النخلة كانت في القديم من الاشجار المقدسة, فقد وحّد الفينقيون بين النخلة التي اعتبرها الساميون شجرة الحياة في جنة عدن.
كذلك رسوم الجمل أو الناقة فقد كان العرب يتميزون قديماً بتربية هذا الحيوان الاليف والهام في مجمل حياتهم من الركوب والسفر على ظهره وحلب الناقة, وتحمل هذا الحيوان للسفر مسافات طويلة وسط رمال الصحراء دون تعب او جوع حتى سمي قديماً بسفينة الصحراء.
ومن المفردات والرموز الصغيرة التي يرسمها فنانو الرمال الملونة داخل الزجاجات والقوارير الشفافة هناك أيضاً الصحاري والبحار والبط والحصان وبعض الشعارات واعلام الدول والكلمات والعبارات وأسماء الاشخاص الذين يطلبون ذلك وأسماء الدول.. الخ.
هذا ويمكن لهؤلاء الفنانين والحرفيين المتخصصين رسم أو كتابة كلمات معينة داخل الزجاجة بالحبر الصيني, ولصق صور شخصية لمن يريد مثلاً.. كذلك كتابة عبارات التهاني بالاعياد المختلفة.

أدوات العمل
أما عن أشكال الزجاجات فهي متعددة جداً واكثرها بذات العنق الضيق, والاقداح, والمدورة, وباحجام مختلفة, ثم على شكل فانوس أو سراج, وبأشكال كروية, ومضلعة, وبشكل كؤوس.. الخ.
وبالنسبة لأدوات العمل فهي ليست معقدة بل بسيطة تتكون من المحقان القمع, سلك خز, المدك, الرمل الملون, الاصباغ, المنخل, ملاعق, أسلاك أخرى, أسياخ, أواني لوضع الرمل, مناقل, جبص, غراء, ماء, أحبار للكتابة.

فن أردني قديم
هذا وتقول بعض الدراسات حول نشأة هذا الفن انه بدأ وبشكل بدائي في منطقة البتراء أيام الانباط عندما اكتشفت الساعة الرملية, وذلك بوضع الرمال بأوعية زجاجية دون تشكيل ولا رسوم بداخلها!!
لكن في الاردن ومنذ نحو مائة عام فقد كان أول من أنشأ هذا الفن وبشكل بسيط دون ابداع كبير كما هو حاصل الآن فقد كان (خليفة كريشان) في بداية القرن الماضي من محافظة معان فهو أول من ابتكر هذا الفن بتعبئة الرمل في الزجاجات الشفافة التي كان الجنود الانجليز يرمونها خارج معسكراتهم للتخلص منها.. ومن هنا بدأت تلك الفكرة التي تطورت مع السنين بابداع فني شعبي تشكيلي اردني خالص, وليس لأية دولة أخرى قصب السبق فيها الا الاردن فقط.

هدية مميزة
وهذا الفن الفريد من نوعه في بلدنا – عدا فن الفسيفساء كذلك الذي يشتهر به الاردن – هو فن غير مكلف سواء للصانع او للمشتري.. فأسعار هذه الزجاجات الرملية الملونة والمزخرفة يتراوح ما بين دينار واحد الى عشرين ديناراً وذلك حسب حجم القارورة الزجاجية التي يشتريها كثيرون من أهل الاردن لوضعها في بيوتهم او لاهدائها الى المعارف والاصدقاء والاقارب, او كهدية في عيد الزواج او الولادة او في اعياد الميلاد او المحبة او حفلات الاعراس.. الخ.
وفي هذه الايام يقبل العديد من السواح الاجانب على شراء تلك التحف الفنية الشرقية الاردنية وكلهم دهشة واعجاب بتلك الزجاجات الجميلة الملونة.. كذلك هناك اقبال من بعض المغتربين والزوار للادرن من امثال اخواننا القادمين من دول المغرب العربي الكبير ودول الخليج العربي أيضاً.
وقبل مغادرتنا محترف محمد طنطاوي جاء متعهد احضار الرمل الخاص (عبدالكريم محمد علي) بحمولة من أكياس الرمل البيضاء اللون هي أنعم نوع من الرمال لعمل الزجاجات الرملية, وذكر لنا ان اسم هذا الرمل هو رمل كاردين.. ثم أوضح ان البحث عن هذا الرمل عملية ليست سهلة فهي تحتاج الى خبرة سنوات طويلة.. لأن ليس أي رمل مناسب لصنع هذه الزجاجات الرملية الملونة التي تشتهر الاردن بابداعها كتحف شرقية عربية في كل انحاء العالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com