الأربعاء، 29 فبراير 2012

إعادة اكتشاف (البتراء) قبل (200) سنـــة!

صورة

وليد سليمان - تلك المدينة الاثرية العربية الخالدة «البتراء» المنحوتة في الصخور الوردية اللون كانت وستظل معجزة العقل البشري الذي قام على بنائها المهيب بتلك الطريقة النادرة (النحت) في مكان يتميز بروعة مشاهده البيئية الطبيعية الجميلة. وكان أجدادنا الانباط العرب قد حفروا هذه المدينة المدهشة قبل اكثر من الفين سنة, وهي تقع بالقرب من بلدة وادي موسى جنوب الاردن وتبعد عن العاصمة نحو (250) كيلومتراً.. حيث تعتبر أعجوبة من عجائب الدنيا السبع الحديثة.. لذا ففي كل شهر يزورها الآلاف من الزوار المحليين والعرب والأجانب لقضاء اوقات ممتعة ومفيدة أثناء تجوالهم في مناطق تلك المدينة الاثرية الشاسعة والتي تعتبر من أهم آثارها الدنيا لغرابتها وفخامتها وجمال ألوان صخورها وهدوئها الساحر.
هذا وكانت دولة الانباط والتي اعتمدت في البداية على الزراعة, ثم فيما بعد على التجارة بالدرجة الاولى بسبب موقعها المتوسط بين الدول والحضارات.. قد سيطرت في فترات ازدهارها على جنوب الاردن حتى دمشق وجزء كبير من صحراء سيناء وكذلك الجزء الجنوبي من فلسطين امتداداً الى مناطق في الحجاز.

بركهارت وحكايات عجيبة
ومرت أقوام وأحداث وقرون من السنين على مدينة البتراء الاثرية حيث كأنها اختفت عن الوجود!! فقد عاشت في الاهمال والنسيان حتى ان المجتمع الغربي صاحب الحضارة المتقدمة والاهتمام بالآثار الانسانية لم يكن يعرف شيئاً عن هذا الموقع الهام «البترا» خلال الفترة التي مرت زمن الحروب الصليبية على الشرق وما بعد ذلك أي في العام (1812) عندما قام الرحالة السويسري (يوهان بركهارت) باكتشاف هذه المدينة في تلك السنة أي قبل (200) عام بالضبط!!! حيث كان هذا المغامر في البداية يقوم برحلة من القاهرة الى دمشق وهي رحلة محفوفة بالمخاطر وحافلة بالمتاعب في ذلك الزمن البعيد.
وبينما كان بركهارت يمضي ببطء في طريقه عبر الاردن بدأ يسمع من الدليل المرافق له ومن زائريه عن حكايات مذهلة حول آثار غريبة عجيبة مختفية بعيداً بعيداً ما بين الجبال!!! وبحيلة ذكية وسط المخاطر ذهب مع دليله الى منطقة البتراء رغم ان سكان المنطقة من البدو كانوا لا يحبذون قدوم الغرباء الى مناطقهم.. وذلك خوفاً من بحثهم عن كنوز مزعومة في البتراء (مثل خزنة فرعون) .. ثم يكتشف هذا المغامر الرحالة تلك المدينة الاثرية الواسعة والعجيبة.. ثم يرسم بعض الاسكتشات بشكل خفي عن أعين الآخرين – فقد كان رساماً – وذلك أيضاً كان من المحذورات والمحرمات ما بين تقاليد وعادات سكان تلك المناطق العرب من البدو.
ثم ان بركهارت والذي توفي عام 1817 كان قد زار «مكة المكرمة وجدة» متنكراً باسم الشيخ عبدالله حيث كان يلبس الملابس العربية من عمامة وعباءة وثوب.. هذا وتقول بعض الروايات انه أسلم فيما بعد أو قبل ذلك!!! وأدى فريضة الحج عام 1815 واتخذ لنفسه اسماً جديداً هو عبدالله بوخارست. وله عدة كتب قام بتأليفها منها مثلا: «كتاب الرحلة الى بلاد العرب» و»تاريخ الوهابية» و»رحلات في سوريا الجنوبية» وهناك من يذكر ان ضريح بركهارت موجود في القرافة الكبرى بسفح جبل المقطم في القاهرة.

تفاصيل البتراء
هذا ويتم الدخول للزوار الى مدينة البتراء من مكان وحيد مدهش التكوين الا وهو الشق أو السيق سيراً على الاقدام أو بعربات الخيل الصغيرة عبر ممر ضيق وهو شق طويل عامودياً كأنه بين جبلين يبلغ ارتفاع هذا الشق الجبلي نحو (300) متر, أما طول الطريق التي يتوجب السير عليها للوصول الى مدخل المدينة الاثرية فهو أكثر من كيلومتر!!! حيث يواجه الزائر حينئذ أول أثر مدهش ومهيب من آثار مدينة البتراء وهو (الخزنة) المحفورة في الصخر والمرتفعة جداً جداً بأعمدتها الحجرية وزخارفها وكرانيشها العلوية المدهشة.. والحقيقة ان هذا الأثر أو المبنى المسمى بالخزنة أو خزنة فرعون ما هو الا مدفن لأحد ملوك الانباط في أواخر القرن الأول قبل الميلاد.
صخور الجان أو الصهاريج وهي قبور ملكية نبطية وتقع الى يمين السيق.
ضريح المسلات وفي أسفله قاعة الاحتفالات ويقع على يسار السيق.
المدرج ويتسع لثلاثة آلاف وخمسمائة مشاهد, ثم المحكمة, شارع الاعمدة.
ضريح الجرة, ثم المذبح, ثم الدير, قلعة الحبيس.
القبر الكورنثي ثم المقبرة الملكية, منزل دوردثيوس, الكنيسة.
معبد الاسود المجنحة, قصر بنت فرعون, قبر الجندي الروماني.
أعشاش الحمام, ثم مقر النصارى نسبة الى الصلبان المحفورة في الجدران.
منطقة الوعيرة والبارد والبيضاء وهي قلاع صليبية موجودة خارج المدينة الصخرية.
مقام سيدنا هارون عليه السلام فوق رأس جبل صخري مرتفع جداً.

الحروف العربية من البتراء
وفي كتابه «العرب وثورة الاتصال الاولى» يذكر الدكتور والباحث الاعلامي عصام الموسى ان البتراء كانت قديماً جداً مركزاً معلوماتياً ثقافياً هاماً.. لأنه في هذا المركز التاريخي تطور الحرف العربي المستخدم حالياً, والذي استخدمته حوالي (15 – 20) ثقافة مختلفة مثل الفرس والاتراك والباكستانيين والبوسنيين.. حتى ان الحرف العبراني كتب قديماً في احدى مراحله بالحرف العربي.
وقبل شهور فان د. عصام الموسى تحدث لأبواب الرأي داعياً الى ضرورة تعميق البعد السياحي للبتراء ليصبح ثقافياً أيضاً لانها موازية في أهميتها لبلاد اليونان كمركز انتشرت منه الابجدية اللاتينية المأخوذة أصلاً من الكنعانيين مثلها مثل العربية!!!.
لذلك فان الاعلامي والمدرس الجامعي د. عصام يشير منبهاً ومتأسفاً الى أمر هام وخطير موضحاً الى ان معركتنا العلمية مع الغرب ومساهماتنا في البحث العلمي والتاريخي هي (صفر)!!! لذا وجب علينا نحن العرب نشر البحوث والدراسات التي تخص تاريخنا ومكتشفاتنا العلمية.. ثم يجب نشرها باللغة الانجليزية لأنها من اللغات الحية.
وكلما انتشرت المعرفة (المعلومات) كلما قاد ذلك الى كسر احتكار أنظمة السلطة المسيطرة على المعلومات, لذلك يقال ان المعرفة (قوة) لأن الناس حين يعرفون يبدأون بالمطالبة بحقوقهم السليبة.

المثلث الذهبي
ومما جاء في كتاب «المثلث الذهبي» والمقصود به: «البتراء ووادي رم والعقبة» للمؤلف زياد الرواضية عن الانباط انهم شرعوا بالاستقرار فحفروا البيوت والاديرة للعبادة وشيدوا عاصمتهم البتراء ومعناها الصخرة, وقد اهتموا بالعلم والثقافة فبنوا المدرج داخل المدينة, وطوروا نظم المياه والري لجلب المياه من الينابيع الى قلب المدينة بواسطة قنوات مصنوعة من الفخار. وكانت التجارة سبباً في ازدهار دولة الانباط حيث أصبحت دولتهم همزة وصل في تجارة البخور والخزف والمر والتوابل من جنوبي الجزيرة العربية والمنسوجات الحريرية من دمشق.
واستخرج الانباط الاسفلت (القار) من البحر الميت وقاموا بتصديره الى مصر لاستخدامه في التحنيط وطلاء جذوع الاشجار, واستخرجوا أيضاً العطور من النباتات (نبات الملسات) التي يكثر تواجدها على سفوح جبال الشراة.
وكان الحكم عندهم قائماً على النظام الملكي الوراثي, وكان للدولة مؤسساتها المدنية والقضائية, وكان الملك النبطي يحظى عادة بمكانة دينية مرموقة, أما المرأة فكانت ذات شأن حتى كانت صورة الملكة توضع على النقود الى جانب صورة الملك.
هذا وقد اتسعت حدود مملكة الانباط حتى وصلت في عهد الملك الحارث الثالث الى حدود دمشق شمالاً, وانشأوا محطات تجارية على الساحل السوري وفي مصر وفي مكة وفي اليمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com