السبت، 25 فبراير 2012

البطالة في مهنة طب الأسنان: هل هي حقيقية ؟

د. عاهــد الوهادنــة
أستـاذ في طب الأسـنان 

من المعروف أن نسبة البطالة العامة في الأردن تصل إلى 13% وان نسبة البطالة بين حملة البكالوريوس تصل حوالي 25% وترتفع إلى 44% من حملة البكالوريوس فأعلى. والحقيقة الماثلة أن هذا ينسحب على جميع التخصصات في الأردن ومنها طب الأسنان. 
والخطورة ليست في البطالة فحسب بل ما يرافقها من تدني في المستوى ينعكس سلباً على الخدمة السنية المقدمة للمريض ناهيك عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2004 يصل عدد أطباء الأسنان في العالم ما يزيد عن مليون وثمانمائة ألف (1837064) وبنسبة 29 طبيب أسنان لكل 100.000 مواطن. وحسب نفس الدراسة كان عدد أطباء الأسنان في الأردن 6813 أي بنسبة 129 طبيب أسنان لكل 100.000 مواطن (1.29 لكل ألف مواطن).


إذ احتل الأردن المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية والتي تصدرت القائمة بنسبة 163 طبيب أسنان لكل 100.000 مواطن ثم فنلندا واستونيا (128) ولبنان (121) ثم جاءت اليونان في المرتبة التاسعة ب (113) والبرازيل في المرتبة العاشرة ب (111)، في حين تذيلت بعض دول أفريقيا القائمة إذ جاءت انجولا في المرتبة 200 بنسبة 0.02 لكل 100.000 مواطن. وبلغت النسبة في الصومال 0.19 وفي تشاد 0.17.
إن نسبة 129 طبيب أسنان لكل 100.000 مواطن في الأردن قد يعني خللاً واضحاً يؤسس لبطالة مقنعة ويزيد من سوء المردود المالي للطبيب والخدمة المقدمة للمريض.
 لقد بلغت النسبة المماثلة في الشرق الأوسط ل 28 طبيب أسنان لكل 100.000 مواطن و 7 في شمال أفريقيا و 37 في أوروبا الشرقية.
 والسؤال ما هي النسبة العالمية المعتمدة؟ والإجابة أنه لا توجد نسبة واضحة ومعلنة، ولكن في بعض الدول المتقدمة تصل النسبة لطبيب أسنان لكل 4000 مواطن.

البطالة بين أطباء الأسنان بالأرقام 
وفي تقرير لنقابة أطباء الأسنان الأردنية عام 2009 فإن عدد أطباء الأسنان الذكور بلغ 4168 وعدد أطباء الأسنان الإناث بلغ 2056 وبمجموع 6224. حيث بلغ عدد العاملين في الجامعتين 110 فقط و 193 في الخدمات الطبية الملكية و 477 في وزارة الصحة و 528 يعملون خارج المملكة وبلغ عدد غير العاملين 1708 وفي حال طرح عدد المتوفين والمتقاعدين وأطباء الضفة الغربية يصبح العدد الكلي 5422 وتصبح النسبة طبيب أسنان لكل 1100 مواطن، وفي حال ارتفع العدد الكلي ل 7000 طبيب أسنان وباحتساب أن عدد سكان الأردن ستة ملايين تصبح النسبة (857:1). لقد جاء في التقرير الإحصائي السنوي لوزارة الصحة عام 2010 أن معدل أطباء الأسنان هي 9.3 لكل 10.000 فرد. ولقد صرح نقيب أطباء الأسنان الأردنيين الأسبق إلى أن نسبة البطالة تصل ل 20% من المجموع الكلي لأطباء الأسنان. مع ملاحظة أنه ربما يكون مرد الاختلاف في الأرقام الواردة من جهات مختلفة هو احتساب العاملين داخل أو خارج المملكة وكذلك المسجلين وغير المسجلين، والمتقاعدين، وحالات الوفاة......الخ مع اختلاف زمن كل دراسة. لكن ما يعنينا النسبة ومؤشر الأرقام.
وبناءً على أرقام النقابة في نفس التقرير فإن عدد الأخصائيين هو 624 فقط. مع العلم أن هذه الأرقام أخذت بالتزايد بعد استحداث البورد الأردني، وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة وصل عدد خريجي الأسنان من الجامعات الأردنية ل 200 طبيب سنوياً. وفي بادرة جيدة تبنت جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية موضوع محاربة البطالة في طب الأسنان وذلك بتقليل نسبة الطلبة الأردنيين المقبولين في الجامعة وأنشئت مقابل ذلك برامج لدرجة الماجستير والاختصاص العالي في جميع التخصصات. لكن الخطورة تكمن في التدفق المستمر في دراسة طب الأسنان في دول عديدة وفي جامعات لا تلتزم بالحد الأدنى المطلوب من العمل السريري المبرمج وهذا يظهر جلياً في امتحانات المجلس الطبي الأردني.

طبيب لكل مواطن 
ولمقاومة البطالة -بكافة أشكالها- في طب الأسنان أقترح :
1.    تخفيض نسب قبول الطلبة الأردنيين في الجامعات الاردنية، ومراجعة هذه النسب سنوياً وفقاً لتقارير ديوان الخدمة المدنية.
2.    رفع الحد الأدنى لمعدل التوجيهي للقبول في الجامعات الأردنية ل 95% وهذا قابل للمراجعة.
3.    رفع الحد الأدنى لمعدل التوجيهي لترخيص أي طبيب أسنان يدرس خارج الأردن ل 90% وهذا قابل للمراجعة. 
4.    أن تسعى النقابة لفتح أسواق عمل في دول الخليج وغيرها من الدول العربية والأجنبية التي ينقص لديها عدد أطباء الأسنان. وتشجيع المؤسسات الخاصة المحلية على عقد اتفاقيات تأمين مع أطباء الأسنان وعدم حصر أكثر من اتفاقية مع طبيب واحد، وكذلك تشجيع الجامعات والمدارس الخاصة وما شابهها من تجمعات بشرية لفتح عيادات سنية لديها. بل يمكن تشجيع الأثرياء لفتح عيادات سنية وقفية!
5.    عمل مناطق توزيع جغرافي (Zones) منظمة لفتح عيادات طب الأسنان تكون مرتبطة بالكثافة السكانية، إذ أن نقص أو زيادة عدد أطباء الأسنان لا يتحدد فقط بالمنظور الاقتصادي ((Market–based. إن رفع مستوى الرعاية السنية ووصولها للجميع وخاصة أصحاب الدخل المحدود والمناطق المحرومة من الرعاية أمر يجب اعتباره عند دراسة البطالة و»نسبة طبيب أسنان لكل مواطن». إن تشغيل أطباء الأسنان في المناطق المحرومة من العناية السنية أصبح تحدٍ كبير أمام وزارة الصحة ونقابة أطباء الأسنان وبه يمكن توسيع مظلة الصحة السنية وتقليل البطالة لحدٍ كبير.
6.    ولإثراء ودعم ما ورد في النقطة الخامسة فلا بد من الإطلاع على تجربة كلية طب الأسنان في أريزونا في أمريكا والتي تقبل طلبة لديهم التزام قوي تجاه خدمة المجتمع وذلك من خلال تدريبهم وعملهم في عيادات سنية مجتمعية (Community Clinics) وهذا نتج عنه أن ثلث خريجي عام 2006 - على سبيل المثال - عملوا في عيادات سنية تعنى بالصحة العامة وصحة المجتمع. مع العلم أن جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية قد وقعت اتفاقية مع أريزونا ضمن برنامج إقامة مشترك لتطوير مستوى أطباء الأسنان العامين ويمكن الاستفادة من تجربة أريزونا في تدريس طلبة البكالوريوس في الجامعتين نحو خدمة المجتمع وكذلك من خلال برامج الإقامة في القطاعات السنية الأخرى.
7.    على جميع القطاعات السنية في الأردن لعب دور كبير في التثقيف الصحي السني والتوعية السنية حتى تصبح زيارة طبيب الأسنان أمر روتيني وهام، ورغم عدم توفر أرقام في الأردن عن هذه النقطة الهامة الا أنه وفي أمريكا على سبيل المثال فإن 65% من الناس يزورون طبيب الأسنان كل عام ويتم علاجهم من قبل 176637 طبيب أسنان أي تقريباً بنسبة 60 طبيب أسنان لكل 100.000 مواطن، وأعتقد أن هذا الأمر لا يقل أهمية في علاج البطالة وهو أمر شبه مفقود أو غير مبرمج ويتم تذكره موسمياً!!
8.    التشدد في الامتحان الإجمالي وتطويره وإدخال عناصر سريرية متعددة لأن النجاح بسهولة وقبل التأكد من سلامة الخدمة التي سيقدمها طبيب الأسنان للمريض أخطر من البطالة نفسها. 
9.    ورغم أن فترة ستة أشهر للتدريب بعد التخرج (الامتياز) كافية الا أن ما يتلقاه طبيب الأسنان من نوعية التدريب يعتبر غير كافٍِ إطلاقا ولذلك يجب على وزارة الصحة وبالتعاون مع القطاعات السنية الأخرى وضع متطلبات عملية ومحددة لاجتياز هذه الفترة قبل دخول الامتحان.
10.    ولآن قناعتي أن البطالة ليست فقط في وجود مكان عمل يتقاضى منه الطبيب راتباً أو مردوداً مالياً بل أن مستوى الخدمة التي يقدمها طبيب الأسنان تندرج تحت نفس المفهوم فالمطلوب تفعيل التعليم المستمر وربط ذلك بترخيص مزاولة المهنة وأقترح على النقابة إنشاء مكتب يدير ترتيب هذه الأمور وبالتنسيق مع الجامعات والخدمات الطبية الملكية ووزارة الصحة لرفع مستوى طبيب الأسنان العام، وهذه خطوة متبعة في دول العالم المتقدم. 
ولا بد من الإشارة أنه رغم ايجابية وجود كليتي طب أسنان في الأردن - وهذا يتماشى مع عدد الكليات الكلي في العالم وحسب تقرير FDI - الا إن إنشاء كلية طب أسنان أخرى ضمن مواصفات عالمية قد يكون وشيكاً. إذ أن الإقبال العام من داخل وخارج الأردن على دراسة هذه المهنة في أوجه وأن عدد الطلبات التي ترفضها الجامعات يفوق ما يتم قبوله سنوياً مع كل ما يترتب عليه من خسارة اقتصادية للجامعتين وللوطن. مع العلم أن تأمين مدرسين على سوية عالية أمرُ مكلف وصعب ويحتاج تحقيقه لمدة زمنية طويلة. وللمقارنة يبلغ عدد الكليات في الجزائر أربع كليات وفي النمسا 3 وفي كندا 11 وفنلندا 31.

الخلاصة:
لا ينحصر مفهوم البطالة بنسبة «طبيب أسنان لكل مواطن» بل لا بد من دراسة عوامل أخرى مثل التوزيع الجغرافي والكثافة السكانية وتشجيع أطباء الأسنان للعمل في المناطق البعيدة والمحرومة من خلال حوافز معينة والعمل على إيجاد أسواق عمل خارج الأردن مع علمنا أن هناك نقص عالمي في عدد أطباء الأسنان و لا ينفصل عن ذلك العمل على زيادة الوعي لدى الناس في الثقافة السنية ورفع مستوى الأطباء من خلال ربط الترخيص بالتعليم المستمر وتطوير الامتحان الإجمالي وتحديد متطلبات سريرية واضحة لإنهاء فترة الامتياز.
وعليه فللموازنة بين نوعية الخدمة السنية والبطالة والوضع الاقتصادي ورغبة المواطن بالدراسة، لا بد من الإسراع في دراسة الاقتراحات التي تضمنها هذا المقال ووضع الممكن منها موضع التنفيذ وكل جهة حسب اختصاصها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com