الأحد، 26 فبراير 2012

جدل البحث عن متغيرات للواقع الانساني المعاش

صورة


لا يمكن البحث عن الضائع بين مفاصل حياتنا والرغبة في الانطلاق او السعادة؟.
..وعموما :
هل نستطيع أن نبرمج أنفسنا على أن نكون أكثر سعادة؟.
..والمحير علميا واجتماعيا:  هل يكفي أن نستبدل أفكارنا السلبية بأخرى إيجابية وجميلة، حتى وإن تطلب ذلك أن نكذب على أنفسنا قليلاً؟.
 
بشرى بالسعادة
من الطبيعي أن يزدهر سوق السعادة في مرحلة تتسم بعدم الاستقرار وكثرة الأزمات. يكفي أن نتجول بين رفوف مكتباتنا كي ندرك ذلك: السعادة المرتبطة بالمتعة، ما يرتبط بسعادة الجسد أو سعادة الروح، سعادة محدودة للمؤمنين بالتقشف أو سعادة معدية للمؤمنين بقوة التفكير الإيجابي، يستطيع كل قارئ أن يجد ما يساعده على التقدم في بحثه عن السعادة بحسب ميوله.

من يقايضنا بالحرية والحب؟
  يحدد تفسيرنا للواقع نوعية الحياة التي نعيشها أكثر مما تحدده الأحداث نفسها. هل يتبادر الى ذهنك مثل الكوب الفارغ والكوب الملآن؟ أنت محق. هذا هو ما يتعلق به الأمر فعلاً.
يضيف: «دماغنا مبرمج لإعطاء معنى لكل ما يحيط بنا ولكل ما يصيبنا. نمضي حياتنا ونحن نحاول تفسير الوقائع والأحداث من حولنا. تولد هذه التفسيرات بحسب كونها  إيجابية أو سلبية مشاعر من الصنف ذاته، وتحدد هذه المشاعر تصرفاتنا ونظرتنا إلى الحياة وعلاقاتنا مع الآخرين». مثلأً: الطقس ممطر. يمكنني أن أقول لنفسي: «سيكون نهارًا سيئًا»، وسأكون حينها في مزاج سيئ خلال تعاملي مع الآخرين. أو قد أقول لنفسي: «يا له من أمر رائع. سأبقى الليلة في البيت جالسًا قرب المدفأة!»، وسيكون حينها مزاجي الجيد والسعيد بهذا القرار مريحًا للمحيطين بي».
يشدد الطبيب النفسي على حقيقة أنه لا يمكن التأكد أبدًا من واقعية هذه التفسيرات في غالبيتها العظمى. أولاً لأنه لا يمكن إيجاد الوقت الكافي للقيام بذلك، وثانيًا لأنه ليس بمقدور أي فيلسوف أو عالم أن يحسم في مسألة كون الكوب نصف فارغ أو نصف ممتلئ.  بناء على ذلك، يطرح الطبيب اقتراحًا بسيطًا في متناول الجميع، وهو: لم لا نختار التفسيرات الإيجابية ونبني عليها، ما دامت تزيد من شعورنا بالسعادة؟.
 يضيف: «يتعلق الأمر بممارسة حريتنا في تشكيل الصلصة التي يمكننا أن نضيفها إلى الحقائق الفجة. فالحقائق متمردة، وهي تقاوم رغباتنا، وتستمر بالحدوث حتى وإن كان الأمر لا يعجبنا، الا أن تفسيرها ليس مرتبطًا بها. التفسير هو نتيجة القصة التي نرويها لأنفسنا عن هذه الأحداث.
 من الأفضل إذاً أن نعطي للأحداث تفسيرات مقبولة وإيجابية: هذا ما أسميه أن نروي قصصًا جميلة لأنفسنا!».

ثمن السعادة 
تبدو الدعوة جذابة ويبدو ثمن السعادة بخسًا. يتعلق الأمر بمقايضة أفكارنا التلقائية السلبية –{السبب في عدم توجيه رئيسي في العمل الكلام الي هذا الصباح هو أنه متضايق مني. لا شك في أنني ارتكبت خطأ ما»، بفكرة مضادة، «قد يكون تعبًا لأنه لم ينم جيدًا أو قد يكون يواجه مشكلة شخصية».
يؤكد الطبيب النفسي أن التطبيق المستمر لهذا الأسلوب سيؤدي إلى تشكيل عادات تفكير جديدة تؤدي بدورها إلى إنتاج مشاعر إيجابية. ينبغي التخلص من أسلوب تصرف سلبي آخر أيضًا، وهو إقامة مقارنات سلبية لغير مصلحتك. يبين بحث قام به أحد المحللين النفسيين عن الفائزين في الألعاب الأولمبية أن الفائزين بالميدالية البرونزية يشعرون بسعادة أكبر من الفائزين بالميدالية الفضية، ذلك أن الفائزين بالميدالية الفضية يشعرون بالمرارة لأنهم يقارنون أنفسهم بالفائزين بالميدالية الذهبية، بينما يشعر الفائزون بالميدالية البرونزية بالسعادة العارمة لوجودهم على منصة الفائزين، لأنهم يقارنون أنفسهم بكل الأشخاص الذين حلوا بعدهم في الترتيب ولم يتمكنوا من اعتلاء المنصة.
هكذا، يمكننا برمجة أنفسنا على السعادة عبر مقايضة أفكارنا السلبية بأخرى إيجابية. أمر بديهي وهو في العمق فكرة غير جديدة، فالمقاربات الإدراكية السلوكية كافة تستند إلى هذه الفكرة نفسها، وهي أن أمراض الرهاب كلها أو حتى الإدمان مرتبطة غالبًا «بتشوهات إدراكية» (أو معتقدات خاطئة) ينبغي العمل على تغييرها.
لكن ألا يستبعد هذا الأسلوب المبني على الإرادة دور اللاوعي؟ يقول الطبيب النفسي صاحب نظرية المقايضة بأنه يعتبر اللاوعي الفرويدي مجرد نظرية، وأنه على رغم كونه لا يرفض هذه النظرية، إلا أنه لا يقبل بها أيضًا.

 نظرية طرد الأفكار السلبية
تثير نظرية طرد الأفكار السلبية حنق المحللين النفسيين، يقول أحدهم: «يمكننا دائمًا أن نخدع  اللاوعي بشكل موقت عبر رواية قصص غير حقيقية له. يمكننا أن نقوم بتخديره، لكن التجربة العيادية تشير الى أن ساعة الاستيقاظ مؤلمة دومًا، وإلى أن الصراعات الداخلية تنتقل من مكان الى آخر وهي لا تختفي بتكرار الكلام الإيجابي لأنفسنا. بالإضافة إلى ذلك، قد تصبح مسألة الابتعاد عن القيام بالتفسيرات سلبية للواقع خطرًا على الشخص المعني. فإن كففت عن رؤية نصف الكوب الفارغ، وإن تخليت عن هذه الفكرة من دون أن أعمل على الأمور المتعلقة بتاريخ حياتي التي جعلتها تتبلور، ومن دون أن أفهم بما تفيدني وكيف ترتبط بعلاقتي بالرغبة، فإن الكون من حولي سيندثر بكل بساطة ولن يكون لذلك أي معنى، وسأقول لنفسي أنني كنت مخطئًا وأنني قد تسببت بالتعاسة لنفسي بسبب جهلي أو ضعفي!».

البحث عن الحقيقة
ويذكر هذا الفيلسوف والمحلل النفسي بأن فرويد والتحليل النفسي لم يدعيا أبدًا بأنهما قادران على أن يؤمنا السعادة للأشخاص، لأنهما يعتبران أن على كل شخص أن يسعى إلى البحث عن حقيقته. يضيف: «وحده بلوغ المرء حقيقته يسمح له بأن يتحرر من قيوده، أو على الأقل من جزء منها، أو قد يسمح له بأن يتحرر منها بشكل كافٍ كي يتمكن من السعي وراء رغباته بشكل أفضل. حينها فحسب، يمكنه أن يقوم بأفضل ما يستطيعه لتحقيق السعادة بالاستناد الى حقيقته!».
ثمة أيضًا أطباء نفسيون آخرون يوافقون المحلل النفسي الذي تحدثنا عنه الرأي. يقول أحد هؤلاء: «أن نظن بأننا نستطيع أن نغير معتقداتنا بشكل إرادي كي نبلغ السعادة والسلام الداخلي هو افتراض غير صحيح بأن للتفكير قدرة على السيطرة على الجسد بشكل كامل، بينما ليس هذا هو واقع الحال!». يضيف: «لقد ادعينا لفترة طويلة، وقد تبين أننا كنا على خطأ في ذلك، بأنه يكفي استبدال أفكار المكتئبين السلبية بأفكار إيجابية وسعيدة للقضاء على الاكتئاب.
 وبأنه يمكن مساعدة الأشخاص القلقين على تخطي قلقهم عبر استبدال توقعاتهم السلبية بتوقعات إيجابية. لكن الحقيقة هي أن هذا الأمر ليس ناجحًا. في المقلب الآخر، تبين أن التأمل الرامي إلى التنبيه الذهني مثلاً مفيد جدًا للأشخاص القلقين وهذا ما يثبته التصوير العصبي، الذي يبين أن لممارسة التأمل تأثيراً شبه فوري على النشاط الدماغي وبالتالي على العواطف». هل إنتاج الأفكار الإيجابية أمر غير ذي فائدة أبداً إذاً؟ يتعلق الأمر في الحقيقة بما نعنيه «بالتفكير الإيجابي»…
طال بن شهار أحد أساتذة علم النفس الإيجابي في جامعة هارفرد، يؤكد أن 23% من أصل 1400 طالب يدرسهم في كل فصل دراسي بأنه قد غير حياتهم. علينا أن نعترف أن الخطاب النظري لهذا الأستاذ الحائز على دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس يتخطى بشكل كبير ما يطرحه بائعو السعادة الذين يدعون إلى تكديس الأفراح الصغيرة وتكرار الصيغ الكلامية الإيجابية لبلوغ السعادة القصوى.

حاجة الى المعنى
يدعو طال بن شهار إلى عدم تركيز اهتمامنا على السعادة التي تستند إلى البحث عن المتعة والتي تتناغم مع «الفردانية» و{المادية». بحسب رأيه، ينبغي أن تشتمل السعادة على معطى أساسي هو المعنى، يقول: «تحديدي الخاص للسعادة هو الشعور العام بالمتعة ذات المعنى». بحسب رأيه، يشعر الإنسان السعيد بالسعادة لكونه يحيى، وهو، وعلى رغم الأحزان والتجارب القاسية والعوائق التي تعترض طريقه، يعبر عن مشاعر إيجابية تترافق مع إيجاده معنى لحياته أو لوجوده.  الا أن بن شهار يؤكد أنه لا يكفي إيجاد معنى لحياتنا على المستوى العام، بل يجب أن يتحقق ذلك على المستوى الخاص اليومي أيضًا. علينا مثلاً أن نركز على إقامة علاقات ملهمة ومحفزة، أن نضيف بعض الإبداع على مهماتنا اليومية، أن نمنح أنفسنا الوقت الكافي للقيام بنشاطات تثير حماستنا وتمنحنا شعورًا بالانفتاح.

ملاحقة مشروعة
يتعلق الأمر إذاً بالاستناد على هذا الموقف الفاعل واليومي لإيجاد أو لإعادة إعطاء معنى لوجودنا أكثر منه لإيجاد معنى للحياة عموماً. ثمة فرق شاسع بين المفهومين. يقول بن شهار: «ليست ملاحقة السعادة لعبة يستطيع أن يربحها الجميع. لدي قناعة أنه في حال تعممت «فكرة السعادة» سيؤدي ذلك إلى إحداث ثورة هادئة على مستوى المجتمع بكامله، وسيكون البحث عن السعادة ومساعدة الآخرين هدفين مكملين لبعضهما البعض في ظل هذه الثورة».

نسخة معدلة للسعادة
يرفض الفيلسوف فينسنت سيسبيد بدوره ما يسميه نسخة معدلة للسعادة تستند إلى الأنانية والرغبة في الاستهلاك، ويدعو الجميع إلى ربط السعادة بمقابلة لطف الآخرين باللطف، وبولادة الروح من جديد والتغير، وبتقبل الآخرين في داخلنا والعمل على جعلهم يشعرون بالابتهاج والراحة. بالنسبة إلى هذا الفيلسوف، ليست السعادة الحقيقية مسألة «أفكار» أو «معتقدات»، بل هي أمر ينشأ خلال التبادل الذي يحدث مع الآخرين. هي أمر معدٍ ومثير، ولا يمكن تذوقها والاستمتاع بها حين نكون منعزلين أو لوحدنا.

يجعلنا التفاؤل أكثر قوة
تشير أبحاث متعددة إلى أنه من الممكن للحساسية على أنواعها واحتشاء عضلة القلب والربو والروماتيزم أن تتراجع تحت تأثير الأفكار الإيجابية للمرضى. لاحظ الباحثون في معرض دراسة تم إجراؤها على عدد من أشخاص طلبوا منهم أن يتخيلوا حدثًا مستقبليًا سلبيًا ثم آخر إيجابيًا، بأن تخيل الحدث الإيجابي ترافق مع نشاط ملحوظ في منطقتين دماغيتين محددتين: القشرة الحزامية المتقارية الأمامية (التي تحول التفكير المتفائل الى شعور جميل) ولوزة الحلق (التي تدير العاطفة وترسل المعلومات «الإيجابية» المتعلقة بها الى الدماغ).
لاحظ باحثون آخرون أن إفراز الكورتيزول، هورمون التوتر العصبي، كان أقل بكثير لدى الأشخاص الذين يعتبرون متفائلين. صحيح أن التشاؤم له فائدة مهمة تتمثل في كونه يحضرنا لمواجهة الأسوأ ويساعدنا على زيادة حذرنا، بالتالي تزويدنا بما يلزم للبقاء! لكن يبدو أن هذا ليس بأهمية المنافع الناتجة من التفاؤل والتي تسمح بإطالة العمر. فعلاً، أظهرت دراسة أجراها فريق من الأطباء النفسيين الهولنديين على مجموعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 65 و85 عامًا بين سنة 1991 وسنة 2001، بأن خطر التعرض للموت كان مرتين أقل بالنسبة إلى الأشخاص الاكثر تفاؤلاً في المجموعة مقارنة مع الاشخاص المتشائمين في المجموعة خلال سنوات الدراسة العشر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com