هاشم سلامة - التفكير نشاط عقلي وذهني، وهو ليس مقصوراً على الكبار وحسب بل ان الاطفال يفكرون ايضاً، وبغض النظر عن عمق ونضج التفكير لديهم، الا انهم يمارسون قدرتهم الذهنية التي تبدأ بسيطة ولكنها تنمو مع نموهم العقلي والجسدي، ففي الوقت الذي يكون فيه تفكير الكبار مرتباً، متزناً ومنطقياً، فان تفكير الصغار غير ذلك، فهو تفكير سطحي غير مرتب وغير منطقي، ولكنه يعد من النشاطات الذهنية الفطرية، التي تستدعي من الاهل مراقبتها واستدعاءها بمعنى ان يضع الأهل طفلهم في موقف يجعله يستخدم قدرته المتواضعة على التفكير، كأن تضع الأم لعبة مفككة امامه وتترك له استخدام قدراته العقلية على جمعها، ومن المستحب ان تقوم الأم بتجربة او اكثر بجمع هذه اللعبة حتى تتيح لطفلها استخدام وتفعيل قوة الملاحظة لديه وكذلك قدرته على التذكر للخطوات التي قامت بها امه لجمع اجزاء اللعبة، وبالتكرار والتدخل الجزئي من الوالدين فان الطفل شيئاً فشيئاً سيتقن التجربة وغيرها من التجارب التي يستحضرها والداه من اجل تنمية تفكيره وتطويره.
ان نشاط التفكير لدى الطفل يبدأ من السنة الثانية لعمره، فلو وضعت امه او اخوه حاجزاً من الكراسي امامه لئلا يصل الى التلفزيون مثلاً فانه قد يختار ان يصل من تحت الكراسي، وهذا بحد ذاته يعتبر نشاطاً فكرياً، وفي هذه الحالة، ولتنشيط قدرته على التفكير فان على الأم ان تضع الكراسي وتترك مساحة بين اثنين منها، حينها فان الطفل سيستخدم هذا الممر دون اللجوء الى العبور من تحت الكراسي، وهذا بحد ذاته دليل على انه فكر فاختار الأسهل لاتمام رغبته وتحقيق وصوله الى غايته.
ويقول فردريك فروبل العالم الالماني في مجال الطفولة، ان الطفل يعيش في بيئته بصورتها الحية ويلاحظ كل صغيرة وكبيرة تدور حوله وهو يجد في هذه البيئة ما يقوّي عزمه ويصقل نفسه، ويؤهله ليؤدي دوره كفرد قائم بذاته، وكفرد في المجتمع، ولن يتأتى له ذلك الا اذا كان في بيئة فيها مجال واسع للملاحظة والتجريب، وان يكون له اقران يشاركونه في اعمال جماعية عدة بمعلومات عن كل ما يتصل بحياته العملية ونشاطاته الذاتية، ويؤكد فروبل على ان للهدايا والألعاب دوراً هاماً في صقل طبيعة النشاط الذهني لدى الطفل، وذلك عن طريق تعرّف الطفل على خصائص كل هدية او لعبة، ثم ينتقل لغيرها حيث يربط بين الألعاب السابقة واللاحقة وبهذا يتطور تفكيره بهذا الربط.
واشار فروبل الى اهمية عناصر اخرى لانضاج تفكير الطفل مثل الرسم وقص الورق وتصنيع اشكال فيه، وقد اسس فروبل فلسفته التربوية على الأفكار التالية:
1-ان فترة الطفولة هي امتع الفترات وهي مصدر اثارة، بل غنية بمصادر الاثارة التي تنمي التفكير.
2-النشاط الذاتي: ان التطور والنمو الذهني عند الطفل يتم تكوينه عن طريق الممارسة والمران، والتجربة والخطأ، ثم التجربة والصواب.
3-ان للطفل قدرات طبيعية فطرية لكنها محدودة الامكانات، وان الهدف الاسمى هو اتاحة الفرصة له لينمو ضمن هذه القدرات والاستعدادات وان لا نحمّله فوق طاقته.
4-لم يتفق فروبل مع الفرنسي روسو الذي شجع التدخل في حياة الطفل بل اكد فروبل على ضرورة الاشراف عليه وسط ظروف ملائمة واشترط على الذين يشرفون عليه ان يكون لديهم من المعلومات والخبرات ما يسمح لهم بتوجيه الصغار ومساعدتهم.
5-ويرى فروبل ان مراحل نمو تفكير الطفل تبدأ بالطفولة المبكرة مروراً بسن الشباب وانتهاء بالرجولة، وان هذه المراحل متصلة مترابطة لها تأثيرها وصداها فيما يتعلمه الطفل، وان هنالك ارتباطاً وثيقاً بين مختلف انواع النشاط النفسي كالادراك والاحساس والارادة وهذا الترابط يسمح لها بأن تعمل ككل منسجم منتظم.
6- ويخلص فروبل في فلسفته الى ضرورة اشباع رغبات الطفل في المعرفة وحب الاستطلاع، والسماح للطفل بالقاء الاسئلة وان لا نضيق بها، بل التفاعل معها والاجابة عليها حسب مدى ادراكه ومستواه العقلي.
ويشدد فروبل على ان موهبة التفكير ونموها يجب ان تنضج دون تدخل مباشر من الأهل، بل بالمراقبة والتقويم، وان يترك للطفل فرصة استخدام قدراته، والتي لا شك ستتطور وتنسجم مع نموه الجسدي والعمري حتى يصل هذا الطفل الى تحقيق ذاته وتفكيره المستقل.