الاثنين، 16 سبتمبر 2013

الغيرة بين الإخوة شرارة تكمن تحت رماد من المخاوف القهرية

غالبا ما يوصل الإخوة للغيرة تفضيل الاهل لابن دون غيره وتمييزه على بقية إخوته - (أرشيفية)

ربى الرياحي
عمان- الغيرة حالة وجدانية نفسية تتسلل إلينا ربما لأننا نخشى من منافسة الآخرين لنا على مركز نحتله، أو قد يكون السبب وراء ذلك الشعور اعتقادنا بأن هناك شخصا ما يحاول أن يسلبنا عطف إنسان نحبه ويشغل مساحة كبيرة من قلبنا وتفكيرنا فيدفعنا ذلك الشعور إلى المبالغة في غيرتنا التي توصلنا حد الاستئثار، الأمر الذي يزيد من نزعة الأنانية عند الفرد ولذلك تراه دائما يحاول أن يرضي ذاته بأي طريقة كانت، المهم عنده أن يحظى بمحبة وإعجاب من حوله، فلا شيء يسعده سوى أن يكون هو وحده محط اهتمام الجميع، وهذا ما يحدث تماما بين الإخوة الذين تزعجهم فكرة أن هناك أخا جديدا سيأتي لينتزع منهم حب والديهم وحنانهم فتبدأ معالم الغيرة تتضح في تصرفاتهم، وخصوصا عند الأخ الأصغر الذي يعتقد أن قدوم هذا الزائر الجديد سيجعل والديه ينقلانه من محور اهتمامهما إلى زاوية الإهمال والنسيان ولذلك تختلط عليه المشاعر فيتسم سلوكه بالحب والكراهية في آن واحد، فهو يعيش حالة من التناقض الوجداني لأنه من جهة يخاف أن يفقده هذا الأخ حب واهتمام والديه، ومن جهة أخرى ذلك الشعور الذي يشعر به تجاه أخيه الأصغر من محبة ترسخت في أعماقه رغما عنه، وذلك نتيجة لتلك الروابط الأخوية التي لا تعادلها أي روابط أخرى.
وهذا النوع من الغيرة لا يكاد يخلو منه بيت؛ فمعظم الأولاد تتملكهم الغيرة وتظهر أو تتلاشى مظاهرها بناء على معايير أهمها عمر الطفل ومركزه وطبيعة المعاملة التي يتلقاها من والديه ونحن لن نستطيع السيطرة على هذه الغيرة والحد من تفاقمها إلا إذا تفهمنا شخصية الطفل جيدا، وعلى ضوء ذلك سنعرف كيف نتعامل مع الطفل ونجنبه نيران الغيرة وآلامها التي غالبا ما تتسبب في إحداث عقد نفسية يصعب حلها، وحتى نقلل من آثار الغيرة على حياة الأطفال فلا بد لنا من التركيز على نوعية المعاملة ودورها المهم في إطفاء تلك الشرارة التي من الممكن أن تتحول إلى نار ملتهبة تجتاح قلب الطفل إذا لم نتدارك خطورة هذه المشكلة والتعامل معها بحكمة وصبر وهدوء فكل ما يحتاجه الطفل هو أن يشبع احتياجاته كافة، وخصوصا المعنوية منها والتي تتمثل في منح الوالدين الحب والحنان لأولادهما مع حرصهما الشديد على أن يتحقق ذلك ضمن حدود العدل والمساواة، وفي كثير من الأحيان قد تكون التفرقة غير المقصودة من قبل الوالدين هي الشرارة الأولى التي توقد نيران الغيرة، وللتخفيف من أضرارها فلا بد للوالدين توخي الحذر في تركيز مشاعرهما على طفل دون الآخر لأن ذلك سيؤدي بالطبع إلى نمو بذور الحقد والكراهية والعداء في نفس الطفل، ومهمتنا نحن في القضاء على تلك البذور أن نشعر الطفل بقيمته ومكانته بالنسبة لنا ونعلمه أن الحياة قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء وأنه لا مكان للأنانية بين جدران الأسرة الواحدة ونعوده على حب الآخرين ومشاركتهم، والأهم من ذلك ضرورة تفادي المقارنة الصريحة بين الإخوة واعتبار كل طفل شخصية مستقلة لها مزاياها الخاصة بها.
وتنتاب الطفل في هذه المرحلة المبكرة من حياته موجات من الغيرة التي قد تتفاوت من طفل لآخر؛ فمنهم من يحاول كبت هذه المشاعر المؤذية في داخله ويبذل جهده لإخفائها حتى لا تظهر في تصرفاته فيؤدي ذلك إلى احتفاظ الطفل بهذا الشعور المؤلم الذي قد يتحول إلى مشكلات نفسية تظهر بوضوح عند انتقالنا من مرحلة الطفولة التي غالبا ما تبقى آثارها عالقة في شخصيتنا وكثيرة هي العقد النفسية التي تخلفها مشاعر الغيرة؛ كالشعور بالنقص والعدائية واللجوء إلى الانطواء لما تتركه تلك المشاعر القاسية في نفسيته من ضيق وألم فيزيده ذلك إحساسا بالقهر والعجز، ولكي نخفف من الألم الذي تحدثه الغيرة في نفوس الأطفال فعلينا أن نعزز ثقتهم بأنفسهم ونبث الطمأنينة في أرواحهم من خلال إعطائهم جرعات من الحب والحنان، ولكن أحيانا قد يلجأ الأطفال إلى التنفيس عما يضايقهم بسبب الغيرة التي تجتاح براءة قلوبهم وتلوثها بالأحقاد فتعكر عليهم صفو حياتهم وتحولها إلى مواطن تسودها الكراهية والغل، ويكمن الخطر الحقيقي عندما تأبى الغيرة أن تفارقنا ولذلك تنتقل معنا حتى بعد أن نكبر، وهنا ستتفاقم المشكلة وستظهر بوضوح في شخصيتنا، الأمر الذي سيقودنا إلى هدم العلاقات الأسرية التي تدعو دائما إلى نشر المشاعر الحقيقية الدافئة؛ كالحب والتضحية والإيثار والعطاء فكلها مشاعر رقيقة قادرة على أن تصنع منا أخوة متحابين يتمنون لبعضهم الخير ويسعون دائما إلى انتزاع ذلك الشعور الموجع الذي يهدف إلى تدمير العلاقة الأخوية، وذلك بتعميق روح الحقد والانتقام بينهم، مما يؤدي إلى تشتيت وحدتهم وإشعارهم بالغربة رغم وجودهم في البيت نفسه، وغالبا ما يوصل الأخوة لهذه الحالة هم الأهل أنفسهم والسبب هو تفضيل لابن دون غيره وتمييزه على بقية إخوته بمنحه امتيازات خاصة تثير في نفوسهم الضغائن، ومسؤولية الأهل تجاه هذه المشكلة أن ينظروا إلى أبنائهم جميعا بعين العدل والمساواة لتقليل الفجوة التي تخلقها الغيرة بين أجزاء الأسرة الواحدة وتخليصهم من حالة القلق لتحل محلها الطمأنينة وحتى يكونوا يدا واحدة صامدين في وجه الريح فمهم جدا أن يتفهم الأهل طبيعة كل ابن على حدة وتزويده بكميات كافية من الرعاية والاهتمام ليتمكن من مواجهة صعوبات الحياة بثقة وحينها فقط ستترسخ في أذهاننا القيمة الحقيقية للأخوة وحتما سنلغي من حياتنا كل مشاعر الغيرة المرضية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com