الاثنين، 13 مايو 2013

الاستماع مهارة تعمق الإحساس بأوجاع الناس

نقضي وقتا طويلا في البحث عن طرق وأساليب ضرورية في تواصلنا مع الآخرين، وتمكننا من مد جسور المودة التي نحتاج إليها جميعا، لكننا نغفل أهم وأسهل مهارة بإمكاننا الاستمتاع بها، بل وأهملناها ونسيناها لدرجة أنه لم يعد يمتلكها سوى عدد قليل منا.
هذه المهارة المنسية هي قدرتنا على الاستماع لأحاديث بعضنا، وأهميتها في فهم مشاعر الآخرين والإحساس بأوجاعهم من خلال الإفصاح عن همومهم والبوح بكل ما يعتمل قلوبهم من أحزان وآلام، وما نستمع إليه من أحاديث الآخرين ليس بالضرورة أن يكون متعلقا بالهموم والأوجاع، فهناك آراء شخصية وأفكار نريد التعبير عنها ومناقشتها مع غيرنا، ليكون تواصلنا مثمرا وله قيمة وفائدة، وكل ما هو مطلوب منا الاستماع بجدية والاهتمام بهذه الأفكار والآراء بدون محاولة مقاطعة الحديث، فاستماعنا له حتى نهايته، يجعلنا نستخلص الهدف الحقيقي من الحديث، وكشف مدى عمق أو سطحية الشخص المتحدث، والتفاعل مع الأحاسيس والمشاعر التي تقف خلف الكلمات.
وتتفاوت درجة الاستماع من شخص إلى آخر، فأحيانا قد نجد من يستمع إلينا، فنبدأ بتفريغ كل ما يزعجنا ويضايقنا، لاعتقادنا أن من نتحدث إليهم يشعرون بما نقوله، ويدركون الغاية من حديثنا معهم، وربما شعرنا بذلك، لأن ملامحهم استطاعت أن تخدعنا وتوهمنا باهتمامهم الشديد بكلامنا، وبراعتهم في إظهار خلاف ما يضمرون، فهم في الحقيقة لم يهتموا لحديثنا، ولم يعطوه أي قيمة، واكتشافنا لحقيقة أن استماعهم لنا لم يكن سوى استماعا مزيفا يجرح مشاعرنا ويؤلمنا ويجعلنا نرفض الإفصاح عما يجول في خاطرنا لأي أحد مهما كانت مكانته، فاستخفاف هؤلاء الناس بحديثنا يمنعنا من البوح، ولذلك نفضل الصمت على الحديث مع أشخاص لا يقدرون كلامنا ولا يبالون بأحاسيسنا.
وحتى يكون استماعنا حقيقيا بعيدا عن الوهم، فلا بد من توجيه حواسنا جميعها نحو المتحدث والتركيز على كل كلمة يقولها وتحليلها، والوصول إلى التعبير الحقيقي الذي يختبئ وراء كل كلمة ينطق بها، فاستماعنا الجيد لأحاديث الآخرين يدفعنا إلى الغوص في أعماق الشخصية، والاطلاع على أسرارها ومعرفة كل المفاتيح التي توضح لنا ملامحها وكيفية التعامل معها.
ولكي نجنب الشخص المستمع إلينا الشعور بالملل، فمن المهم جدا تحديد ما نريد قوله، لنستطيع سرده بأسلوب شيق يجبر الجميع على الاستماع لحديثنا بآذان صاغية، وعدم السماح لأي شيء أن يشتت انتباهه، لأنه بحاجة إلى سماع كل كلمة، ليبقى على اتصال لما يسرد، والبعد عن الانتقائية لما يتضمنه الحديث، لأن ذلك قد يؤدي إلى وقوع الخلافات التي يحدثها سوء الفهم القائم على تجاهل الاستماع إلى الحديث بكل حذافيره واللجوء إلى انتقاء ما نرغب نحن سماعه.
تغيب هذه المهارة ونسيان أهميتها يؤدي إلى تفاقم المشاكل الأسرية وانتشارها بشكل كبير يجعل من الصعب محاصرتها والسيطرة عليها، فالاستماع وسيلة مهمة تقوي علاقة الآباء بأبنائهم، واتباعهم لهذه الوسيلة يجعلهم على اطلاع تام بهموم ومشاعر وأحلام أبنائهم ومشاركتهم جميع الطموحات التي يسعون لتحقيقها.
واستماع الآباء لأبنائهم يتطلب منهم أن يخصصوا جزءا من وقتهم لمناقشة كل الأمور المهمة التي تقلقهم ويريدون التعبير عنها إلى قلب يشعرون بأنه قادر على احتوائهم واحتضان أوجاعهم وأحلامهم.
وفقدان الأبناء لهذه الوسيلة، يعمق إحساسهم بالوحدة، ويزيد حجم المشاكل التي يعانون منها نتيجة كثرة أخطائهم، فلا يوجد من يستمع إليهم ويوجههم وينصحهم بدون قمع لأفكارهم أو مصادرة لحرياتهم، ولذلك يلجأ الأبناء إلى الكبت واستبعاد رغبتهم في الحديث مع آباء يضعون بينهم وبين أبنائهم حواجز صخرية يصعب إزالتها، وكل ذلك لأن بعض الآباء يظنون أن استماعهم لأحاديث أبنائهم ينقص من قيمتهم ويقلل من شأنهم، ويلغي جميع الحدود التي وضعوها لضمان وحفظ هيبتهم، لاعتقادهم أن تلك الحدود الوهمية التي اصطنعوها تساعدهم على ممارسة سلطاتهم بأريحية.
ورغم إيمان البعض بهذه السياسة، إلا أن ذلك ليس صحيحا، لأن استخدام الآباء مهارة الاستماع يجعلهم أقرب من أبنائهم ويخلق بين الطرفين نوعا من الألفة التي تستطيع كسر تلك الحواجز والحد من المشاكل التي يقع فيها الأبناء بسبب تجاهل الآباء لهذه المهارة الضرورية التي تسهم في إيجاد علاقات أسرية صحية.
واهتمامنا بمهارة الاستماع وتنميتها يقوي علاقاتنا بالآخرين ويزيدها عمقا ومودة واحتراما، ويمكننا من كسب قلوب متعطشة ومتلهفة لمن يسمعها، فلنحرص جميعا على امتلاك هذه المهارة، لأن بإمكانها ترسيخ التقارب الروحي بين الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com