الأحد، 19 مايو 2013

الإنترنت يشعل فتيل الخلافات بين الشريكين ويهدد حياتهما الزوجية



مجد جابر
عمان- لم تكن الثلاثينية سمر حمدان تدرك أن انشغال زوجها طوال الوقت على جهاز الكمبيوتر، وإمضاء كل يومه وهو جالس عليه سيكون سببا في انفصالهما.
ولع زوجها الشديد بالإنترنت، وانشغاله عنها وعن الأبناء طوال الوقت، وحتى عن واجباته الزوجية، سواء في المنزل أو مع الأبناء، أو حتى معها شخصيا جعلها تفكر في السبب الذي يجذب زوجها طوال الوقت إلى جهاز اللاب توب، ويجعله لا يكترث بأي شيء يدور من حوله.
إلى جانب أن كلمة السر التي وضعها على جهازه جعل الشك يدخل إلى قلبها، إلا أنها لم تعر الأمر أهمية كبيرة، حتى جاء يوم نسي فيه زوجها جهازه مفتوحا فكانت صدمتها أكبر مما توقعت.
تقول سمر "لم أعد أعرف من أين أبدأ، فهو مثل الأخطبوط، في كل موقع له اسم ومشارك فيه، ولديه عدد لا يحصى من الصديقات والصور، والرسائل، وغيرها العديد من الأشياء التي صدمتني، عدا عن الكم الهائل من التعليقات واللايكات التي يضعها على فيسبوك لفتيات من مختلف الأصناف".
وتضيف أن لديه عالما آخر على الإنترنت، وحياة مختلفة تماماً، وهذا العالم هو سبب ابتعاده تماماً عن واقعه وأسرته، مبينة أنه بعد ما رأته لم تحتمل الاستمرار في الحياة معه، خصوصاً وأنها اكتشفت خصوصيات لم تطقها على الإطلاق، ولذلك قررت الانفصال عنه.
في حين يعتبر إبراهيم غسان، وهو شخص متزوج، أن الإنترنت هو المتنفس الوحيد لديه، والذي يأخذه إلى مكان بعيد عن المشاكل الأسرية، قائلا إن زوجته تفضل بقاءه بجانبها في المنزل طوال الوقت، حتى ولو لم يفعل شيئا، وهي فوق ذلك لا تعيره انتباها.
إلا أنه يقول إنه يحبها، ولا يريد الابتعاد عنها، وهو ما جعله يقضي أوقاته على الإنترنت، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى المسنجر، وفي التحدث مع الناس، ووضع التعليقات، وعلامات الإعجاب لأشخاص مختلفين على فيسبوك، مبيناً أن ذلك يجعله أكثر سعادة، ويجدد حياته بعيدا عن "نكد زوجته".
ويضيف أنه يدرك تماما أنها لو علمت بما يفعله على الانترنت لحدث ما لا يحمد عقباه بينهما، وسيكون مصيرها الطلاق لا محالة، إلا أنه يؤكد أنه رغم ذلك لا يخونها، ولكنه يرفه نفسه عبر الشات، وتبادل الصور، والتعرف على الناس.
وتظهر آخر الأرقام الرسمية المحلية أن عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة ارتفع إلى 4 ملايين مستخدم، مشكلين نسبة انتشار تصل إلى 67 % من عدد سكان المملكة، فيما يقدر عدد مستخدمي الفيسبوك بحوالي 2.8 مليون مستخدم، وعدد مستخدمي "تويتر" يزيد على 60 ألفاً.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن 43 % من بيوت الأسر الأردنية تقتني خدمة الإنترنت، و59 % من منازل الأردنيين فيها أجهزة حاسوب.
وكمثال على تفاعل الأردنيين مع شبكة التواصل الاجتماعي تظهر إحصائيات عالمية أن الأردنيين يرسلون 473 مليون رسالة في الشهر، ويضغطون على زر "لايك" أو "زر الإعجاب" 687,8 مليون مرة في الشهر، ويحملون 27,8 مليون صورة في الشهر، ويصنعون تعليقات "comments" بحجم يصل إلى 157,3 مليون تعليق في الشهر الواحد.
وفي هذا السياق أكدت أستاذة علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتورة أمل العواودة، في محاضرة حول دراسة أجرتها سابقاً أن "نسبة الطلاق في الأردن للعام 2011 تجاوزت 25 %، وهي نسبة مرتفعة، مقارنة بالسنوات السابقة"، معتبرة أن "انتشار وسائل الاتصال والتعارف الالكتروني، مع انتشار الإنترنت أسهمت بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة".
وقالت العواودة خلال محاضرتها عن الطلاق والزواج التي نظمتها جمعية التعاون الخيرية، بالتعاون مع جمعية نساء ضد العنف، إن "انتشار وسائل الاتصال والإعلام أسهم بطريقة غير مباشرة في انتشار الخيانة الزوجية، ما جعلها أحد أهم أسباب الطلاق، إضافة إلى عدم التوافق بين الزوجين وعدم التفاهم والاحترام المتبادل وتدخل الأهل وعادات التلفظ بالطلاق".
وأوضحت أن "التسامح وعدم العناد والاعتذار والعفو، واسترجاع الذكريات الجميلة، والحوار والتفاهم والنقاش البناء، تعد من أهم الحلول الممكنة التي يستطيع كلا الزوجين اتباعها، والتحلي بها لتقليل فرص الطلاق بينهما".
وكانت الإحصائية الصادرة عن دائرة قاضي القضاة قد أوضحت وقوع 16086 حالة طلاق خلال العام 2011 ، توزعت على 3024 حالة طلاق رجعي، و6355 حالة طلاق بائن قبل الدخول، و6283 حالة طلاق بائن بعد الدخول، و424 حالة طلاق بائن بينونة كبرى.
وفي الوقت ذاته يرى مدير جمعية العفاف الخيرية، مفيد سرحان، أن الجمعية قامت بدراسة ميدانية سابقة توصلت إلى أن معظم حالات الطلاق في الأردن، والتي تعادل 43 %، تتم قبل الدخول، ولها مجموعة من الأسباب، أهمها التسرع، وسوء الاختيار، وتدخل الأهل.
ويليها الطلاق في السنوات الأولى من الزواج، والتي تكون نسب الطلاق فيها مرتفعة، ومن أسبابها ضعف الوعي بأهمية الزواج، وبناء الأسرة، وضعف الوازع الديني، والظروف المالية، والانفتاح الإعلامي والاجتماعي الكبير.
ويشير إلى أن أهم شيء في العلاقة الزوجية هو التوفيق بين التواصل الإعلامي والوفاق الزوجي - وهي قضية ضرورية - مبينا أنه ليس من الحكمة منع وسائل الاتصال، لكن المفروض معرفة كيفية استثمار هذه الوسائل في تمكين العلاقة الزوجية والأسرية.
ويعتبر أن تحقيق ذلك الوفاق يتطلب عدة أمور، أهمها تربية الشباب والبنات تربية حسنة، وتوعيتهم وتدريبهم على الطرق السليمة في التعامل مع وسائل الاتصال، للاستفادة منها بطريقة ايجابية، حتى تكون عنصرا لتفعيل التواصل بين الأزواج.
إلى جانب أن ذلك يتطلب أيضاً وجود الثقة الكبيرة بين الزوجين، وأن لا تكون مثل هذه الوسائل من أسباب انشغال أي طرف منهما عن الآخر، وحدوث فجوة في التواصل بين الزوجين، لافتاً إلى أن ذلك يعطي لوسائل الإعلام دورا إيجابيا، من حيث مضمونها ومن حيث الرسالة التي تؤديها في هذا المجال.
الحاجة لملء الفراغ، والرغبة في بناء علاقات جديدة، من أهم الأمور التي تخلق هذا الولع في الإنترنت، هكذا يقول اختصاصي الشؤون الأسرية والزوجية والمحامي د. فتحي طعامنة، الذي يرى أنه من خلال الواقع والاستقراء لقضايا الخلافات الزوجية التي تحدث فإن هناك حجما من الخلافات الأسرية التي تؤدي إلى الطلاق بسبب وسائل الاتصال الحديثة، وشبكة الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي.
العزلة بين الزوجين، والصمت بينهما، وانعدام الحوار داخل الأسرة من أهم مسببات الطلاق الناتج عن انتشار الإنترنت، هكذا يرى اختصاصي علم الاجتماع د. حسين الخزاعي الذي يرى بأن ذلك كله يحدث بسبب توفر تلك الوسائل.
ويشير الخزاعي إلى أن الإنترنت سبب رئيسي في الطلاق، خصوصاً في ظل الانتشار السريع لهذه الوسيلة، لافتا إلى أهمية عدم تبديل الأولويات ومراعاة فهم العلاقة الزوجية، وإضفاء مشاعر الحب والاحترام بين الزوج والزوجة.
وفي هذا الصدد يرى الاختصاصي النفسي د.أحمد الشيخ أن وجود وسائل الاتصال وعلاقتها بالطلاق هي أحد التأثيرات غير مباشرة على العلاقات ما بين الزوجين.
ويرى الشيخ أن القضية ترتبط بكيفية التعامل مع تلك المواقع، والاستفادة منها، مبينا أن القضية قد تكون مرتبطة بقيم ثقافية، كنشوء العلاقات التي أصبحت تفرض نمطا معينا من التواصل لمرفوض اجتماعيا.
ويشير إلى أن تلك الفجوة ما بين ثقافة الاتصال والثقافة الاجتماعية تؤدي إلى وجود مسافة بين هذه الثقافة وتلك الثقافة، لينتقل الأمر في النهاية إلى ساحة الرفض وعدم القبول، لافتاً إلى أن ذلك يستدعي تسليط الضوء على التوازي ما بين ممارسة التكنولوجيا كثقافة تفرض واقعها، وما بين الثقافة الاجتماعية اليومية.
ومن وجهة نظر الشريعة يرى اختصاصي علم الشريعة د. منذر زيتون أن انتشار الإلكترونيات ومواقع التواصل الاجتماعي جعلت الناس تطلع على أمور لم تكن موجودة، وأصبح هناك خيارات مطروحة أمام الشخص، يقيس على أساسها نفسه وشريك حياته.
أي أنه أصبح هناك تغليب للمثالية على الواقعية، وأصبح كل شخص يقيس من يعرفهم على الإنترنت بزوجته، أو العكس.
وهو ما يجعل الأمر محرما من قبل الشرع، يقول زيتونة الذي يرى أنه لا يجوز شرعا للإنسان الاطلاع على العورات، كونها لا تخصه ولا تعنيه، والإسلام حرم النظر إليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com