الأربعاء، 29 مايو 2013

موظفون "يهربون" من مشاكلهم الشخصية إلى العمل الإضافي


سوسن مكحل

عمان- يجد البعض في رفع دافعيتهم للعمل أمرا إيجابيا، متناسين الأسباب التي تدفعهم للقيام بأعمال تفوق طاقاتهم، وأحيانا بعد إنهائهم متطلبات وظيفتهم.
بعض الأفراد، وهم "قلة"، يبحثون عن عمل فائض عن المطلوب منهم، فما السبب الذي يدفعهم للعمل بأكثر مما يوكل إليهم؟ هل هو حب العمل، أو هروب من واقع شخصي مرير؟ وهل ذلك جهد إيجابي في حقهم أمام صاحب العمل، أم ضدهم، خصوصا إذا اعتاد المديرون على عمل يفوق المطلوب منهم؟
فاتن (34 عاما) وهي مديرة في أحد أقسام العلاقات العامة لإحدى الشركات، تؤكد أن لديها شابا يعمل حتى بعد انتهاء الدوام الرسمي، مبينة أنها لم تجد في البداية من مبرر لذلك الجهد الإضافي سوى تفاني هذا الشاب الكبير من أجل المؤسسة.
لكن الذي حدث بعد فترة وجيزة أن الشاب تغيّر ولم يعد كسابق عهده، بل وحين أوكلت إليه المهام الإضافية التي اعتادتها منه صار يرفضها، ويبرر ذلك بالقول إنه سيعمل وفق ساعات الدوام، وضمن المهام الموكلة إليه.
هذا الأمر دفع فاتن إلى معرفة الأسباب، والجلوس مع هذا الموظف، لتكتشف أنه كان يعاني من علاقة زوجية فاشلة هي التي دفعته إلى البقاء ساعات أطول في العمل، هروبا من مشاكله الشخصية.
بعد الطلاق بفترة عاد وضع الشاب لحالته الطبيعية، بل وصار أحيانا أسوأ؛ إذ صار لا يقوم بالمهام المكلّف بها. لكن فاتن تعتبر أن الهروب من الواقع الشخصي من خلال الهروب إلى الجهد الإضافي في العمل أمر ليس محمودا دائما، وفي رأيها أن ذلك يعود لأسباب كثيرة ومنها اعتياد المدير على هذا الشخص وحماسه، فلا يكاد الوضع يتغير حتى يشعر المدير بتراجع العمل.
والأجدر، وفق فاتن التي أصبحت تتبع منظومة العمل الذي يكلف به الموظف في حدود ساعات العمل القانونية، وتمنع تجاوزها، أن يفصل الفرد بين مشاكله الشخصية، والعمل، وألا يحمّل نفسه فوق طاقتها.
بينما تقول هبة (26 عاما) إن وجودها لساعات إضافية في العمل، وإنجازها لمتطلبات ليست ضمن مسؤولياتها، بل مساعدة منها لزملاء العمل، ليس وراءه سوى الاستفادة من وقتها الإضافي في الإنجاز والعمل، وليس هروبا من واقع شخصي.
وتضيف هبة التي تعمل في سلك العلاقات العامة، أنها تستفيد من وقتها الضائع بالعمل، وتمضي نحو ساعات عمل إضافية يوميا، حتى ولو لم يكن لديها أي مهمة.
وتعتبر هبة أن تصرفها هذا لا يعني هروبها من شيء سوى الفراغ، كونها وحيدة تعيش مع والدتها، مبينة أنها تشغل نفسها بالعمل حتى لا تفكر في أي شيء آخر قد يتعب بالها.
وفي الوقت ذاته، تشير هبة إلى أن مديريها في العمل كثيرا ما يعتمدون عليها في الكثير من الأمور، حتى اعتادوا عليها وصاروا لا يستغنون عنها في الكثير من المهام، وإلى الحد الذي يجعلهم يفاجأون إن هي غادرت، لسبب ما، بعد انتهاء دوامها الرسمي.
المرشدة الأسرية، مروة حسن، تؤكد أن الأسباب التي تجعل الموظف الذي يعمل فوق ما هو موكل إليه، كثيرة، ومنها تفانيه في العمل، وحبه الكبير للوظيفة التي يشغلها.
وتضيف أن هناك أسابا أخرى كثيرة ومختلفة، ومنها المشاكل الشخصية، أو الفراغ الذي قد يشعر به الموظف بعد أن يعود إلى المنزل، أو بين عائلته.
وتوضح حسن أن البقاء في العمل لفترة طويلة ليس سببه بالضرورة الهروب من واقع سيئ، وإن كان هذا هو السبب، ويجب على الفرد أن يدرك أنه مع زوال المشاكل التي تدفعه إلى البقاء طويلا في العمل سيعود إلى وضعه الطبيعي، أي إلى ساعات الدوام العادية، وقد يؤثر ذلك مستقبلا على وظيفته، وعلى تعامل الزملاء معه.
وتبين أن على الموظف أن يفصل بين مشاكله الشخصية والعمل، ويسعى لحل مشاكله حتى لا يعطي زملاءه في العمل صورة سلبية عن وضعه الاجتماعي، وحتى لا يقولوا إنه يطيل البقاء في العمل لأنه لا يجد ما يفعله بعد انتهاء الدوام.
وتوضح حسن أن تلك الحالات قد تقتصر على عدد ضئيل من الأفراد، وأن لهؤلاء أسبابا مختلفة، قد تكمن في طبيعة تنشئتهم، وعليه يجب أن يكون الإنسان متصالحا مع ذاته، ويفصل الأمور الشخصية عن العمل، ويقدر قيمة العمل لذاتها، وألا يكون العمل وسيلة للهروب من واقع أليم، أو على حساب راحته ومصالحه، وأدائه الوظيفي، حتى لا يقع في "مطبات" الحياة.
من جانبه، يؤكد اختصاصي علم النفس في جامعة مؤتة، الدكتور عماد الزغول، أن طرق علاج المشاكل الحياتية ثلاث في غالب الأحيان؛ إما حلها بطرق موضوعية، أو مهاجمتها بالسلوك العدواني، أو الهروب منها.
ويوضح الزغول أن الهروب من المشكلة إلى العمل لا شك أنه يحمل شيئا إيجابيا، إلا أن هذا الهروب يسمى في علم النفس بالتكيّف السلبي، الذي يعني هروب الفرد من مشكلته، لتناسيها.
مع مرور الوقت قد يؤدي الهروب من المشكلة إلى المزيد من العمل، إلى تفاقم هذه المشكلة، وإلى تغييرات سلبية قد تطرأ على الفرد خلال عمله، مما يجعل وضعه النفسي والعملي في النهاية غير مستقر، لذا على الفرد الموظف مواجهة مشاكله، وعدم الهروب منها.
ويجب أن يعمل الزملاء على مساندة الشخص الذي تتضح عليه معالم الهروب من واقعه الاجتماعي، ومساعدته على الخروج من مأزقه، حتى تظل علاقته بالعمل وبزملائه صحيحة وجيدة.

sawsan.moukhall@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com