الأحد، 26 مايو 2013

الطاقة الضائعة.. أحيانا معطلة !

صورة

سامح المحاريق -  يصر بعض الفنانين، من لجان التحكيم، أن برامجهم وحدت الأمة العربية، وأنها حققت ما فشل فيه السياسيون، ويبدو أن ذلك صحيح، ولكنه مؤسف، بالمناسبة، لا يوجد فنان أوروبي قام بتوحيد أوروبا، بمعنى جعلها كلها تتابعه ويحظى بحالة إجماع بين الأوروبيين، جاك بريل كان فرنسيا، لا يمكن أن يفلت من سحره أي شخص يعرف الفرنسية بصورة جيدة، بغض النظر عن أصول ذلك الشخص، ولكن بريل لم يكن يعني شيئا بالنسبة للبولنديين أو الدنماركيين، جون لينون لم يكن صاحب كاريزما هائلة في اليونان أو أسبانيا، اللغة إلى اليوم هي القضية الأساسية، وليس الفن، فكل ما يقدم في هذه البرامج لا يقدم أي فن أو موهبة حقيقية، هي برامج إعلانية طويلة، لا أكثر ولا أقل، بيزنس، الكاميرا تتجول بمهارة لتلتقط ماركات تجارية معينة دفعت المال الكثير لتظهر في البرنامج، هذه قضية مفروغ منها، المشكلة في الأمة التي لم تتعب نفسها في تقديم أي شيء آخر غير الغناء، ولا أحد يعرف تحديدا من يغني على من؟

 أيام المراهقة
أيام المراهقة، حيث كنا نحفظ أسماء لاعبي كرة القدم في معظم دول العالم، أقترح أحد أصدقائنا فكرة أن نتخيل فريقا عربيا واحدا، كان ذلك في منتصف التسعينيات، الفريق كان يمكن أن يصبح مرعبا لو أنه خاض أي بطولة في أي مكان في العالم، المشكلة أن كل فريق عربي يمتلك لاعبا أو اثنين مميزين للغاية، ولكن الفريق العربي الموحد لم يكن أكثر أوهام بعض المراهقين، اليوم يمكن أن نقدم تخيلا أكثر واقعية، مثل جامعة للمواهب العلمية العربية، مركز علمي على أرقى مستوى، ليس مخصصا للمهندسين، فالمهندسين بدورهم يتعاملون مع منتجات العلوم الأخرى، وليس للأطباء أيضا، هذه مهن وليست علوم، يجب أن ندرك الفرق بين المهنة والعلم، الأحياء والكيمياء والفيزياء هي علوم، غير ذلك هي آداب وفنون وأشباه علوم.
  
 العلوم ..و برامج المواهب الغنائية
 المشكلة ؛ هذه العلوم لا تجد الإقبال الذي تشهده برامج المواهب الغنائية، من يدخلون كليات العلوم في العالم العربي يفعلون ذلك محبطين لأنهم لم يتحصلوا على المعدل اللازم ليدخلوا الطب أو الهندسة، ولا يتوقع أن يخرج من صفوفهم مبدعين، لأن الإبداع يجب أن يقوم على علاقة خاصة من العشق والتعلق، لا يمكن أن تتوفر للمضطرين على الإطلاق، والسبب ليس في من أنهوا دراستهم الثانوية للتو، المشكلة في مجتمعهم الذي علمهم أن يبحثوا عن مجرد صور ذهنية جاهزة، أو الحلول المضمونة للحصول على المال، وما الذي يمكن أن يفعله من يقضي أربع سنوات في دراسة الأحياء أو الفيزياء سوى التدريس، وهي مهنة لم تعد تغري أحدا، والدول العربية أصلا أصبحت تعاني من نقص شديد من المدرسين المؤهلين لهذه المواد..
 فكيف يمكن أن تنتج علماء؟
من يطالع الآلاف وهم يبحثون عن فرصة ولو لنصف دقيقة لاستعراض أصواتهم أمام لجنة ليست أصلا من أصحاب الأصوات الخارقة، يتحسر على الفرص الضائعة التي كانت ستصبح ممكنة لو أنهم مدرسي كيمياء أو فيزياء متميزين، فكل هذا العدد من الشباب الذي يقف تحت الشمس لساعات بانتظار فرصة الواحد في المليون، مع احتمال أن يتحولوا إلى نكتة أو مجرد مقطع يوتيوب لإضحاك الآخرين، هم طاقات معطلة وضائعة، وحالة تدعو للرثاء والأسف.

 أبناء ثقافة روحية
المشكلة الاجتماعية الكبرى، هي أن أحدا لم يعد يفكر غير في التقييم المادي للأمور، فعليك أن تدرس كذا، لأن العائد المالي أكثر، مع أننا أبناء ثقافة روحية في الأساس، وهذه الثقافة الروحية هي التي أنتجت العلوم المتقدمة، فالطموح نحو المعرفة، كان شوقا لمعرفة ما وراء الكون، لمعرفة تجليات الله عزوجل، ولأداء مهمة العمران، والانقلاب تجاه الجانب المادي أتى مفرغا من كل شيء، لا ماديين تماما، ولا روحانيين كما يجب، معلقين ونبحث عن بعض أغنية لتضيع الوقت.
الأغنية يمكن أن توحد الناس، ولكن ليس الوحدة التي تليق بهم، يمكن أن تكون وحدة فنية، أو وحدة في الهم، أو في التعب، صحيح أن الفن ضروري، ومهم، ولكن ليس الفن الذي يرتبط بالدعاية والإعلان، ولكنه الفن الذي ينتج على هامش حضارة كبيرة، مثل فن الزخرفة، أو الموسيقى التي تخرج من واقع الحياة، فالموسيقى العربية تطورت من الحداء ومن أعمال البنائين والبحارة ورعاة الأغنام، وليست هي الموسيقى المعلبة التي نستوردها اليوم، وعلى أساسها يتأمل البعض أن تتوحد هذه الأمة.

المشهد الأخير!
إذا كان ما يقولونه صحيحا، فالأمر برمته يذكر بالمشهد الأخير من فيلم تيتانيك، حين تفرغت الفرقة الموسيقية لتؤدي عملها وتعزف بينما السفينة الكبيرة تهوي إلى أعماق البحر، يمكن أن الجميع يستمع ويتابع، ولكن ذلك من باب أن الإنجازات شحيحة ومحدودة، ولذلك يجري التفريغ في أي قصة وأي قضية.
المواهب التي تشارك في هذه البرامج تستحق التقدير والدعم، ولكن ليس التضخيم والتعامل معهم وكأنهم أبطال وفاتحين، وتوحيد الأمة إدعاء سمج وسخيف، فاللغة هي التي ما زالت إلى اليوم تمتلك القدرة على خلق هذه الوحدة، ومع ذلك تفرط فيها بعض لجان التحكيم، بطريقة مضحكة ومقززة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com