الأحد، 1 يوليو 2012

"المسايرة": قلق داخلي وضغوط نفسية


منى أبوحمور

عمان- كثيرة هي الضغوط الاجتماعية، التي يضطر الفرد فيها، لأن يساير مجرياتها مرغما، مما يسبب له مشاكل نفسية عديدة، وأحيانا يضطر إلى الكذب والمجاملة، وفي بعض الأحيان النفاق على حساب قناعاته.
فأكثر ما يستفز الثلاثيني أحمد الحياري، تحمل عصبية الآخرين، ويضطر في بعض الأحيان لأن يمتص غضب صديقه ومسايرة عصبيته غير المبررة، مشيرا إلى أنه يصدر عنه الكثير من التصرفات التي تغضب من حوله "لأنه يعصب ويعمل فوضى على الفاضي والمليان".
ويقول "إنني في أحيان كثيرة أضطر إلى مسايرته وتحمل تصرفاته التي تزعج الآخرين، حتى أنه يتمادى كثيرا بتصرفاته إلى درجة منفرة".
بيد أن العشرينية ليلى المغربي، تفقد سيطرتها على نفسها، وهي تساير حماتها التي تتعمد استفزازها دائما، إلا أنها وفي كل مرة "تختصر الشر"، حتى لا تتسبب بمشكلة كبيرة.
وتعتبر أن حماتها تتعمد دائما إثارتها، ولكنها تتغاضى عن المشاكل احتراما لسنها ومكانتها، إلا أن تماديها واعتقادها أن صمتها هو خوف منها هما ما دفعا المغربي للتوقف عن المسايرة، "فلن أسايرها بعد اليوم، ولن أسكت عما يضايقني ويسبب لي الألم، لأن كل ذلك على حساب صحتي"، وفق قولها.
ويجد اختصاصي علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، أن طبيعة العلاقات الاجتماعية، التي تربط الإنسان بالآخرين مختلفة كشخصياتنا، فلكل شخصية سمات أو تفضيلات وعلى أساسها تنسج العلاقة مع الآخرين.
ويرى أن وجود بعض العلاقات التي تكون شبه مفروضة على الناس، لأسباب عائلية؛ كالنسب أو حتى الجوار، يجعل عملية المسايرة لهؤلاء الأشخاص الذين لا تقام معهم أي علاقات ضرورة اجتماعية، لافتا إلى أن علاقات تنشأ بين أشخاص لا تربطهم علاقة ببعض أو صلة قرابة، كعلاقته بالأنسباء والعدائل، منوها إلى ضرورة أن تبنى لهذه العلاقة حدود تعتمد على طرفي العلاقة.
ويجد محادين أن هناك من يرى أن هذه العلاقات، تقتضي رفع التكاليف والتدخل بخصوصيات الأسرة، مؤكدا ضرورة التذكر أن لكل أسرة هوية وحدودا يجب الحفاظ عليها، لافتا إلى أن نجاح العلاقة يعتمد على طرفيها.
ويقول "إن الصمت والمجاملة والمبالغة تذيب الخصوصية"، منوها إلى ضرورة مصارحة الآخرين بالمسموح فيه بين الطرفين، كي لا تضيع هوية الأسرة جراء عدم بناء حدود لهذه العلاقات حتى مع الأقرباء والأنسباء.
ويرى محادين أن المجتمع الأردني انتقل إلى المدنية الحضرية جراء الاستقلال الاقتصادي، مما جعل أي علاقة من الممكن أن تثقل البعض، ولا يتوقف عندها طويلا، خصوصا إذا ما تمت مصارحة الآخر، فمن الطبيعي أن يختار الناس أصدقاءهم بحرية، مؤكدا أن التفاعل مع الآخر يجب أن لا يلغي خصوصية أي من الطرفين كي تستمر هذه العلاقة.
ويجد اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، أن شعور الشخص بفقدان الإرادة بالتصرف مع ذاته، يخلق شعورا بعدم الرضا؛ فالشخص لا بد أن يحدد الأسباب التي تدفعه لمسايرة شخص ما، إضافة إلى مقدار الحاجة الملباة من قيامه بهذه المسايرة.
ويفسر أنه في حال كانت هذه الأسباب لا تتناسب مع حجم المسايرة، فإنها تزيد من عدم رضا الشخص عن ذاته، ولومه نفسه باستمرار ومحاولة إيجاد مبررات لسبب قيامه بذلك، وفي الوقت نفسه يؤكد أن العلاقات الاجتماعية تتطلب أحيانا مسايرة على أن لا تكون مضرة، في حين إذا كانت خارج هذه الحدود والأطر، فإنها تسبب نمطا سلوكيا غير واع وتجعل الشخص يدخل في حالة من عدم الرضا.
ويؤكد الشيخ أن درجة تأثر الشخص بالمسايرة تعتمد على وعيه بما يأخذه من المسايرة؛ إذ يستخدم الأساليب التي تبرر لنفسه القيام بهذه المسايرة التي قد لا تتفق في الأساس مع منظومة قيمه.
وتشير خبيرة مهارات الاتصال زين غنما، إلى أن المسايرة إلى حد معين جيدة ومطلوبة في الحياة الاجتماعية، على أن لا تصبح على حساب الشخص المساير، مؤكدة أن الفرد بإمكانه، ومن خلال تعامله مع الناس، تعليمهم كيفية التعامل معه، بحيث لا يضغط على نفسه من أجل الآخرين؛ لأن الناس دائما يتوقعون منه أن يتنازل لهم، مما يجعلهم يتمادون بالتطلب والمسايرة على حساب نفسه وعائلته وصحته.
وتجد غنما ضرورة أن يكون الشخص منصفا بحق نفسه ومن ثم الآخرين، وأن لا يعيش من أجل الآخرين، وأن يكون واقعيا ولديه ثقة بنفسه، وفي حال لم يكن قادرا على المسايرة، فعليه أن يعتذر أو يقول لا، وألا يضحي براحته من أجل الآخرين.
وتقترح ضرورة المواجهة بلطف والتصرف بحزم، تجاه الأشخاص الذين يتمادون، منوهة إلى أن عدم المسايرة لا يعني بالضرورة التقصير تجاه الآخرين.

muna.abuhammour@alghad.jo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com