الثلاثاء، 31 يوليو 2012

الأكراد والعرب.. ملح الشرق

صورة

يكتبها سامح المحاريق - توجد خلافات كثيرة بين المؤرخين حول أصل الشعب الكردي، وخلافات أكثر حول أصل كلمة الكرد، ويمكن النظر إلى الأكراد المعاصرين على أنهم ينقسمون إلى كتلتين، الأولى، قديمة واستوطنت كردستان منذ القدم، وأصولها فارسية، والثانية، كتلة من الشعوب الهندو-أوروبية التي نزحت إلى كردستان في فترة لاحقة، إلا أن أطرف الروايات حول أصل الأكراد تعود إلى التاريخ الوسيط وتستند إلى مقولة تراثية تعتبرهم من الجن وأن الله تعالى كشف عنهم الغطاء، ويتوه نسب هذه المقولة بين أكثر من مصدر، إلا أنها لو صدقت فإن ذلك لا يعني شيئا على الإطلاق، فالأكراد أمة عظيمة اشتهرت بشجاعتها وبأسها، وربما كان القصد من وصفهم بالجن هو بسبب وجودهم في الجبال المرتفعة والوعرة، وفي التراث الشعبي فإنه يجري أحيانا أن يشبه الشخص بالجن والعفريت عندما يتصف بروح المغامرة ومفارقة المألوف. 
إن البحث في التراث والأساطير يكشف الجانب الخفي من تاريخ الشعوب ومن التصور الذي حملته الشعوب الأخرى تجاههم، وما نحاول أن نطرحه هو تصور معكوس للسائد يمكن أن يكون موضوعا للبحث، وهو رأي حملته قلة ممن تدارسوا في تاريخ الأكراد وذلك أن العرب المستعربة أتت من أصل كردي، أو على الأقل أن العرب المستعربة ينتمون مع الأكراد إلى أصل عرقي واحد، ولكن هل يمكن أن يصنف العرب والأكراد في هذا الأصل المفترض، بينما المقولات الشائعة أن الأكراد من الشعوب الآرية، بينما العرب ساميون. 
ينتسب الساميون إلى شخص إلى سام بن نوح، بينما ينتسب الأكراد إلى يافث بن نوح، هذا حسب المنقولات الإسلامية التي لا تستند إلى أية أحاديث صحيحة، وحتى الحديث الذي ينقله الترمذي عن النبي الكريم والذي يفيد بانتماء العرب إلى سام بن نوح يصنف كحديث حسن، والحديث الحسن يمكن أن يكون كاذبا، ولكن بغياب نية التقصد في نقله عبر الرواة، وبالنظر إلى الحديث ((سام‏ ‏أبو ‏ ‏العرب ‏ ‏ويافث ‏ ‏أبو ‏ ‏الروم ‏ ‏وحام ‏ ‏أبو ‏ ‏الحبش)) نجد أن متنه يفتقر إلى الفصاحة التي عرفت عن النبي الكريم، كما أنه يغفل شعوبا كثيرة في الأرض، ومنهم الفرس والهنود والصينيون، وبالتالي فإن ذلك يجعلنا ننحي جانبا قصة الآريين والساميين التي يتبناها العرب والأكراد على السواء. 
عمليا لا يوجد ما يمنع أن يكون الأكراد والعرب من أصل مشترك، ولا يوجد ما يثبت ذلك، ولكن بالتأكيد الأكراد ليسوا من الجن ولا العرب كذلك، وإنما هي شعوب عريقة وجدت في وسط العالم القديم الأمر الذي جعلها دائما تحت ضغط الصراعات التي قامت بين الشعوب القديمة، وتحديدا الفرس والروم، وبينما التجأ العرب قرونا في صحرائهم، فإن الأكراد اعتصموا بجبالهم المنيعة، ومع ظهور الإسلام كان العرب يخرجون ليحسموا الصراع على هذه المنطقة بصورة نهائية، ووجد الأكراد أنفسم في حلف تاريخي مع العرب، فالجنود الكرد لم يصنفوا يوما خارج العباءة العربية كما كانت الحالة القائمة مع الفرس والأتراك، ولم تكن مسألة قبول القيادة الكردية مشكلة لدى العرب في زمن صلاح الدين الأيوبي، وكذلك لم يجد الأكراد مشكلة في الاندماج مع العرب ضمن الحضارة الإسلامية، وفي حالة تحديد أي الشعوب يمثل الإسلام مكونا أساسيا في الهوية يمكن أن يسمو على النزعة العرقية، فالعرب والأكراد يأتون أولا، بمعنى أنهم تشربوا الدين بصورة كبيرة قياسا ببقية الشعوب، مع التأكيد على وجود التمايز الفردي الذي يؤسسه الحديث الكريم في قضية الإيمان وليس الانتماء العرقي دليلا على وجود ذلك الإيمان أو ضمانة له. 
العرب والأكراد مكونان أساسيان في تاريخ المنطقة، وكان التعايش القائم بينهما نموذجا يحتذى، وما كان يحدث في السنوات الماضية يجب أن يعتبر طارئا تاريخيا يجب تجاوزه ففي النهاية تقوم رسالة الإسلام على إلغاء الفوارق العرقية وتبديدها، وأحد شروط ذلك هو الخروج من الأساطير العرقية وليس الترويج لها وتبنيها لتتحول إلى أساس ثقافة التعصب والكراهية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tahsheesh.blogspot.com